توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خطاب عباس... من أدبيات الحقبة العرفاتية

  مصر اليوم -

خطاب عباس من أدبيات الحقبة العرفاتية

بقلم: نبيل عمرو

في خطابه «الانقلابي» الذي ألقاه أمام البرلمان التركي، استعار الرئيس محمود عباس الكثير من المصطلحات التي كانت تستخدم في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، منها السياسي الذي بلغ حد إثبات أن الصهيونية شكلٌ من أشكال العنصرية؛ إذ صدرت قرارات دولية بهذا الاتجاه، ومنها ما هو ثقافي ذهب به شاعر فلسطين الأكبر محمود درويش، الذي تجاوز الوصف البديهي للصهيونية إلى وصفٍ أفدح لأميركا التي هي الطاعون، ليختتم قصيدته الخالدة (مديح الظل العالي) بأن يدعو الفلسطينيين لأن («.....» مزيكا على تمثال أميركا).

الفرق بين هجمات عرفات ودرويش على أميركا، وهجمات عباس خصوصاً تلك التي بلغت ذروتها في الخطاب التركي، أن عرفات ودرويش قالا ما قالاه في أميركا وهما ذاهبان إليها، أمّا عباس فقد قال ما قال وهو مغادرٌ لها، بعد رحلة طويلة امتلأت بخيبات الأمل والخذلان، اتحد عباس وعرفات في الحالة الأميركية، حين واجها الحقيقة ذات الوجهين المتناقضين... التشجيع القوي المدعّم بإغراءات لا تقاوم للرهان على أن لا دولة فلسطينية من دون موافقة أميركية، بالاستناد إلى نظرية السادات التي أسست للتحولات الجذرية في السياسات والحسابات، حين قال إنه يحارب أميركا وليس إسرائيل، وفي حكاية السلام، فإن 99 في المائة من أوراق الحل هي بيد أميركا.

أمّا الوجه الآخر للحقيقة، فهو عدم قيام أميركا بتشجيع سياسة جديّة تحمي مشروع السلام «التاريخي»، وتوفر للفلسطينيين مسوّغات منطقية لمواصلة الرهان على دورٍ أميركي فعّال في تحقيق حلم الفلسطينيين بقيام دولتهم.

وصل ياسر عرفات، الذي قال أكثر من مرة إنه الرئيس الأجنبي الذي سجّل الرقم القياسي في زيارات البيت الأبيض، إلى يأس نهائي من قدرة أو رغبة أميركا في الوفاء بوعودها، من أصغر وعدٍ إلى أكبر وعد، أي من إخراج عرفات من الحصار الذي فرضته إسرائيل عليه في المقاطعة، حيث لم تفعل أميركا شيئاً في هذه القضية، إلى عدم تمكينه من الاحتفال كما وُعِد، بقيام الدولة الفلسطينية ونقل مبنى المقاطعة الموروث عن الحقبة البريطانية والأردنية والإسرائيلية إلى مبنى جديد يرتفع عليه علم فلسطين فوق قصر جمهوري في القدس.

توفي عرفات... كانت وفاته استشهاداً مجيداً لرجل ظل يجري وراء حلمه لجعله حقيقة، ووفق التراتبية الفتحاوية خلفه توأمه في مجازفة السلام، ذلك بعد أن تحوّل مصطلح مهندس أوسلو من إنجاز كان واعداً في بداياته، إلى عبءٍ ثقيل أغرقه «الشريك» الإسرائيلي بالدم.

رحلة طويلة قطعها خليفة عرفات، يراوده حلمٌ بأن ما لم يستطعه السلف فربما ينجزه الخلف، وهكذا قال العالم، والعالم في أمر التسوية هو أميركا.

عباس... الفلسطيني الذي ينتمي إلى جيل المؤسسين التاريخيين للثورة الفلسطينية المعاصرة، كان شريك عرفات في إطلاق الرصاصة الأولى، وواصل شراكته معه حتى المجازفة بالانتقال من خنادق القتال إلى موائد المفاوضات. وكل ما قيل عن عباس بأنه أخذ حكاية أوسلو على عاتقه أو أنه ورّط عرفات فيها فلا أساس لهذا القول من الصحة، والدليل القاطع على ذلك أن عرفات من البداية حتى النهاية لم يتخلَّ عن دور العرّاب؛ لا في مدريد حيث منعته المعادلة عن الجلوس فيها، ولا في أوسلو حين كان عباس يؤدي الدور بتفويض ودعم وتبنٍ منه، ولا فيما بعد قيام السلطة الوطنية حيث تكرست معادلة الرئيس وخليفته ليكون عباس في الموقع الذي آل إليه بسلاسة وتلقائية وإجماع.

حصل عباس حين سُمي خليفة لعرفات على دعم إقليمي ودولي أكبر وأوسع بكثير من الذي حصل عليه عرفات حين كان قائداً للثورة ورئيساً للمفاوضات، كان العالم منقسماً على قائد الثورة، ومتحفظاً على سلوكه حين آلت إليه قيادة السلطة، أمّا عباس فقد حاز على دعمٍ شاملٍ لعل ما لم يستطع عرفات فعله يستطيعه هو.

غير أن هذه التقديرات لم تكن في محلها، ومن دون الإفاضة في عرض الوقائع في حقبة عباس، فإن خلاصتها أن الجدار الذي ارتفع في وجه عرفات ارتفع ثانية في وجه عباس، لينتج ما وصلت الحالة إليه وآخر أدبياتها خطاب تركيا.

ينظر للخطاب ليس من لغته ودرجة السخط والتذمر الذي انطوت عليه، بل من خلال الموقفين الأميركي والإسرائيلي منه، عدا ذلك فمعسكر الأصدقاء أعطى الرجل اجتماعاً ثميناً في موسكو، وخطاباً قوياً في أنقرة، ودعماً سياسياً ومعنوياً في حدوده القصوى.

الحكاية ليست في موسكو ولا في أنقرة، إنها لا تزال على الأقل في هذا الفصل من الصراع في أميركا وإسرائيل. أميركا تعوّدت على خطب عباس والتي كانت تصل حد التهديد بقطع العلاقة معها، في هذا الخطاب ربما تكون استاءت من حكاية الطاعون، إلا أنها سوف تبتلع المصطلح لتجد وسيلة لتهدئة خاطر الرجل المطعون بخيبة الأمل منها.

أمّا إسرائيل التي تلتقط كل حركة وسكنة وكل حرف وكلمة يقولها عباس لتوظيفها في خطط تهميشه وتهميش شعبه وإلغاء حقوقه، فسوف تتخذ من المصطلحات القاسية التي استخدمها عتاداً تملأ به سلاحها المسدد بإحكام لأساسات الحالة الفلسطينية، بآمالها وتطلعاتها، وهذه حكاية بدأت قبل الخطاب، وستستمر بعده ما دام مشروع نتنياهو للتصفية يواصل العمل.

ألزم الرئيس عباس نفسه بالذهاب إلى غزة، كان تعهده بذلك هو اللقطة الأكثر درامية في الخطاب كله، حصل على تصفيق حاد في قاعة البرلمان التركي، وحصل على تساؤل شامل في الوطن الفلسطيني... كيف سيتجسد هذا الالتزام؟

لن تقف الأمور عند لحظة الخطاب والوعد فما قيل في تركيا لا بد أن يكون له ما بعده، ولمَ الاستعجال في الاستنتاجات فالأيام المقبلة ستبدي لنا ما لا نرى وما لا نعرف.

ملاحظة أخيرة... خطاب تركيا ليس مجرد انتقال باللغة من حالة إلى حالة مغايرة، بل هو التزام يتطلب أول ما يتطلب تأهيل الحالة الفلسطينية لتكون قادرة على حمله بما ينطوي عليه من تحولات عميقة وثقيلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطاب عباس من أدبيات الحقبة العرفاتية خطاب عباس من أدبيات الحقبة العرفاتية



GMT 15:28 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

حماية المريض والطبيب بالحوار

GMT 15:26 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

نفس عميق!

GMT 15:25 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

الأزهر لا سواه لها

GMT 15:24 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أُسطورةُ فى جباليا!

GMT 15:23 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شركاء فى الجريمة

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:12 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:11 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon