توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوسلو... من الازدهار إلى الانهيار

  مصر اليوم -

أوسلو من الازدهار إلى الانهيار

بقلم: نبيل عمرو

كل الذي حدثَ قبل ثلاثين سنة، لم يكن ممكناً رؤيته حتى في أكثر التَّخيلات جسارةً.

• عرفات يصافح رابين في حديقة البيت الأبيض، التي كان ممنوعاً عليه دخولها، وتحت رعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون.

• اعتراف متبادل فازت فيه إسرائيل بحقها في الوجود ضمن حدود آمنة، وفازت فيه منظمة التحرير بعدّها ممثل الشعب الفلسطيني.

• عودة أفواج مقاتلي الثورة وقادتهم جميعاً ليدشّنوا علاقةً سلميةً مع من قاتلوهم، أهم أركانها التنسيق الأمني، الموثق والمبرمج والمتفق عليه بالجملة والتفصيل، ومن بين العائدين معارضو أسلو وأهمهم قادة الجبهة الشعبية وعلى رأسهم أبو علي مصطفى، الذي استشهد في مكتبه برام الله.

• حجيج من قبل زعماء العالم الكبار لزيارة التجربة ودعمها والاجتماع بقائد الفلسطينيين في زمن الحرب والسلام ياسر عرفات، كل زعماء العالم جاءوا، وأبرزهم بالطبع بيل كلينتون الذي منحته أوسلو إجازة لعدة أيام من حكاية مونيكا لوينسكي، مع فرصة لخلوة مع الرَّب في كنيسة المهد ببيت لحم.

صدّق الفلسطينيون أن أوسلو دشّنت بداية قوية لمرحلة جديدة إيجابية في حياتهم، حين استقبلوا ياسر عرفات في غزة، وشاهدوه وجهاً لوجه، واستمعوا إليه وهو يخاطبهم من شرفة المجلس التشريعي «القديم» واعداً بزوال الاحتلال، وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.

لنُسَمِ الأيامَ الأولى والشهور وحتى السنوات القليلة، أيام الازدهار، فقد انسحبت إسرائيل من المدن، وتوالت الاحتفالات بإنزال العلم الإسرائيلي عنها ليرتفع مكانه العلم الفلسطيني، ولأول مرة في تاريخهم ينتخب الفلسطينيون برلماناً ورئيساً، توحدت فيه الضفة مع غزة، وكانت القدس في قلبها.

جرت محادثات متصلة لاستكمال مهام أوسلو، بحيث بعد خمس سنوات سوف تولد الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي احتلت في عام 1967 مع تعديلات متبادلة بنسبة مئوية ضئيلة، ومن ضمن ما دُفع لقاء ذلك، إلغاء مواد من الميثاق الوطني الفلسطيني بين يدي الرئيس بيل كلينتون، عبر جلسة للمجلس الوطني نظمت في غزة لهذا الغرض.

كان ياسر عرفات في حقبة الازدهار ينتقل بالمروحية الروسية الصنع بين غزة والضفة، يمارس قيادته من المدن التي حظيت بتصنيف «أ»، ولم يكن ليجد صعوبة في زيارة ما صنّف «ب»، بحيث لا يحتاج الأمر إلا إلى تنسيق روتيني مسبق مع إدارة الاحتلال المفترض أن تنتهي من تلك المناطق جميعاً بعد خمس سنوات.

في ذلك اليوم الذي بدا أشبه بالاستيقاظ من حلم جميل، انتهت مرحلة الازدهار لتبدأ بصورة دراماتيكية مرحلة الانهيار، إنه ذلك اليوم الذي أعدم فيه إسحاق رابين، بينما كان يغني للسلام المنشود في ميدان ملوك إسرائيل.

مات رابين وتيتم توأمه بيريز، كان ذلك بمثابة تبديل الحراسة على مبنى السلام، إذ تولى المهمة بعد الاثنين الرائدين من لا يؤمنان بأي سلام مع الفلسطينيين حتى لو كان في مصلحة إسرائيل «شارون - نتنياهو»، ومنذ ذلك اليوم بدأ السلام الموعود أو المنشود حالة احتضار، كانت أشبه بحالة مريض أعيا كل أطباء الكون بمن فيهم الرئيس كلينتون، الذي أدّى أكبر محاولة إنقاذ لحياة المحتضر، راهن على أنها ستدخله التاريخ بوصفه رجلاً حقق معجزة إرساء سلام مستقر ونهائي في الشرق الأوسط، أساسه حل القضية الفلسطينية.

لم تنجح المحاولة الكبرى، واندلعت انتفاضة فلسطينية ولكن مسلحة هذه المرة، اتُّهم عرفات بالإعداد لها وقيادتها، مع أنه كان حذراً في قبول أو نفي الاتهام، اختار الأميركيون بعد فشل هذه المحاولة سياسةً تتجنب فيها الضغط على إسرائيل، ودون التوسع في إيراد الوقائع، تواصل احتضار عملية أوسلو ما جعل من إنقاذ حياة المريض أمراً مستحيلاً.

بعد ثلاثين سنة ننظر إلى التجربة الكبرى لنرى بوضوح مآلاتها، إذ تحولت آمال السلام التي انبعثت من الأيام الأولى للمصافحة «التاريخية» بين عرفات ورابين، إلى حرب أقرب إلى المقتلة الشاملة، لم يسبق لها مثيل على مدى تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الطويل، وها نحن نرى بيتاً بناه أهم مهندسي العالم وأنفقوا عليه بسخاء، وراهنوا على أن يكون نموذجاً لشرق أوسط جديد، نراه وقد انهار على رؤوس ساكنيه، فمنهم من قتل ومنهم من جرح ومنهم من تشرد، والخلاصة حتى الآن أن العالم الذي صنع أوسلو ورعى ازدهارها يشاهد دمار غزة، والموت الجماعي فيها، وكذلك غموض حال الضفة، والحرب المركّبة عليها، بقدرة صفر على وضع حدٍ لما يجري.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوسلو من الازدهار إلى الانهيار أوسلو من الازدهار إلى الانهيار



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon