بقلم: نبيل عمرو
لوحظ أن الرواية الإسرائيلية لما وُصف بالاشتعال المفاجئ على الحدود اللبنانية أن هنالك مبالغة في اتهام الفلسطينيين بإطلاق شرارتها الأولى، مع قول إسرائيلي متكرر إن الإطلاق الأول كان دون علم حسن نصر الله سادن الهدوء طويل الأمد.
وتميّزت السجالات المتبادلة بين الجانبين بلغة شديد التحفظ والاعتدال، مع تأكيدهما أن لا أحد يرغب في التصعيد وفق مقولة «نختار الوقت المناسب والرد المتناسب في حينه».
حتى الآن فالأمر مفهوم تماماً ومعروفة دوافعه، إلا أن ما يلفت النظر حقاً هو تحليل يقول وبصراحة إن الاحتقان الناشئ على الجبهة الشمالية وامتدادها اللبناني لا يجوز أن يعالج بعمل عسكري مباشر، حيث الطرق زلقة في هذا المكان، وقد تخرج الأمور عن السيطرة وتجد إسرائيل نفسها في حرب لا تريدها، ويقول التحليل الذي صدر عن مركز بيغن - السادات، وبقلم دورون ميتسا الذي تولى مناصب كبيرة في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، واقرأوا معي ما قال حرفياً «العنوان الحقيقي لمعالجة ما يجري هو تحديداً حركة حماس في قطاع غزة، بواسطتها يمكن شد خيوط الدمية وأذرعها الموجودة في لبنان، من هذه الناحية إسرائيل بحاجة إلى وضع معادلة جديدة مفادها أن عدم الهدوء في الشمال سيرد عليه بعدم هدوء في غزة، فهنا يكمن المركز العصبي السياسي والاجتماعي والتنفيذي لحماس».
وإذا ما اعتمد هذا التحليل الذي يبدو من خلال كاتبه شبه رسمي، فهذا من شأنه وضع غزة في مكانة جبهة بديلة، يلزم إشعالها لتفادي إشعال الجبهة الأساسية، ذلك أن الإسرائيليين يعملون على تصدير فكرة أن «حماس» قوة عظمى مركزها غزة وأذرعها تمتد إلى جبهات عدة خارج حدودهاـ
إسرائيل تعرف جيداً أن ما تسوقه عن قوة «حماس» وأذرعها لا ينطوي فقط على مبالغة، بل على تزوير للحقيقة والواقع، فهل هي «حماس» من يملك آلاف الصواريخ الذكية التي لا يتوقف حسن نصر الله ولا مَن يقابله على الجانب الإسرائيلي عن الإعلان عن جاهزيتها للانطلاق حال ما تضغط طهران على زنادها.
في حسابات القوى وحين يجري الحديث عن جبهات كبرى وإمكانات ضخمة، فإن غزة بكل صواريخها وبنادقها وبجغرافيتها المحاصرة، وإن كانت مصدر إزعاج وإرباك لإسرائيل، إلا أنها ليست كذلك حين يكون الحديث عن جبهة بواقع وحجم الجبهة الشمالية التي يحتشد على أرضها جيوش تخوض حرباً عالمية بالوكالة، وحتى لو تحدث وفي حالة انفعالية بعض قادة «حماس» عن الوقوف إلى جانب إيران حال تعرضها لعمل عسكري أميركي وإسرائيلي، فإن الذين يقولون ذلك يعرفون جيداً ما الذي يقدرون عليه وما الذي لا يقدرون، فحرب على هذا المستوى وبهذا الحجم إن حدثت وهي لن تحدث، وفق المؤشرات الراهنة لا بفعل ما يجري على الجبهة الشمالية ولا الجبهة النووية، فإن غزة والحالة هذه ستكون ضحيتها وليست أحد روافعها، وهذا ما يتعين على الحريصين على سلامة غزة وأهلها تجنيبها الدمار الخامس أن يبحثوا عن وسائل لتجنب هذا الخطر وليس الذهاب إليه.
الحروب على غزة التي وقعت منها 4 كبرى وبين كل حرب وأخرى معارك محدودة وحصار خانق، هي في الأساس نتاج الاعتبارات الداخلية في إسرائيل وقرارها من عدمه أو تأجيله مطروح دائماً على الطاولة، هكذا كانت حيثيات الحروب الأربع التي جرت والتي لم تخرج غزة بعد من دمارها، أما الآن فيبدو أنها اتخذت موقعاً آخر كبديل عن حرب تقول إسرائيل إنها لا تريدها.
أما السؤال الذي لا جواب يقينياً عنه فهو... ترى لو اضطرت إسرائيل لحرب تدميرية على غزة لتنفيس الاحتقان في الشمال، فهل نرى مطراً من الصواريخ الذكية يهطل على إسرائيل لنصرة «حماس» في غزة أم نرى ما رأينا في الحروب الأربع السابقة؟