بقلم - نبيل عمرو
رغم السجالات الحادة التي يشتعل بها الشارع الفلسطيني بخصوص عقد المجلس الوطني، فإن من يبدو لي خاسراً أكبر في هذا المجال، هو حركة حماس التي أعلنت مقاطعتها للمجلس، مهمشة بذلك عدداً كبيراً من الأعضاء الذين ينتمون إليها، بحيث لو شاركت لكانت الكتلة المعارضة الأقوى داخل المجلس، وبوسعها، والحالة هكذا، أن تستظل بشرعية تؤمن لها بعض حماية سياسية في الوقت الذي يتردى فيه حكمها لغزة.
ومن أجل مضاعفة الخسارة لم تتوقف حماس عند المقاطعة، بل ذهبت إلى دائرة خطر من شأن الإيغال فيها تقويض أهم إنجاز وطني فلسطيني، هو الاعتراف الشامل بالتمثيل الفلسطيني الذي تجسده منظمة التحرير.
دائرة الخطر هذه هي تصريح بعض قادة حماس بأنهم سيعملون على عقد مؤتمرات موازية للمجلس الوطني، وكلمة موازية هنا هي التعبير المخفف عن «المنازعة على الشرعية».
وإذا كانت مقاطعة حماس للمجلس لقيت بعض التفهم من أفراد وتشكيلات اتخذت موقفها ولكن بدوافع مختلفة، فإنها لم ولن تجد متفهماً واحداً لحكاية الموازيات مهما كانت تسميتها.
في الفترة السابقة التي همش فيها أهل المنظمة مكانتها ودورها، نشط كثيرون وبدعم من حماس لعقد مؤتمرات شعبية في كثير من العواصم.
كان المشاركون في هذه المؤتمرات يعدون بالآلاف، إذ كان التمويل سخياً في هذا الاتجاه، غير أن اللافت الذي يستحق البناء عليه، أن المؤتمرات الموازية هذه وجدت نفسها بأمس الحاجة لنفي التهم عنها، وذلك بالمبالغة في التعبير عن الالتزام بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وإنهم ما عقدوا مؤتمراتهم هذه إلا من أجل إصلاحها وتكريس مكانتها كإطار وطني جامع لكل أطياف الشعب الفلسطيني ومكوناته، مع تركيز استثنائي على الفلسطينيين المقيمين خارج الوطن، وهم قد يكونون أكثر عدداً من المقيمين في داخله.
ولقد تعاطفت مع مبدأ حتمية إصلاح المنظمة قبل أن تموت، وأيّدت فكرة الإصلاح ليس على طريقة القائمين الآن رسمياً على رأس المنظمة، وهي طريقة بائسة قوامها لا إصلاح إلا إذا مات عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية بما يهدد النصاب، لذلك أتوجه بلوم شديد لحركة حماس ولكل من سيقاطع، لأن تجربة الإصلاح بدعوات من خارج الوطن، وإن كانت شرعية بل وضرورية، إلا أن فاعليتها تكون أقل بكثير مما لو مورس الإصلاح من داخل المؤسسة الشرعية، أي من داخل مؤسسات منظمة التحرير، فما الذي ممكن أن تخسره حماس لو شاركت، خصوصاً أنها لن تشارك من موقع هامشي، فرغم الصعوبات التي تعاني منها بفعل حكمها غير الرشيد لغزة، فإنها تمتلك أوراقاً لو استخدمت في محلها لربح الفلسطينيون جميعاً، إذا ما توخيت الدقة فأقول لكان الوضع الفلسطيني بإجماله بما في ذلك وضع حماس أفضل بكثير مما هو عليه الآن، ولو عرفت حماس أن منظمة التحرير كإطار وكشرعية وكمهمات، هي حاجة فلسطينية وإقليمية ودولية وليست مجرد اجتهاد فلسطيني، لقاتلت من أجل دخولها وتطوير نفوذها من داخلها، فمن هو ذلك الذي يقبل أو حتى يتفهم مقاطعة حماس ويدعم هذه المقاطعة، فحتى أقرب حلفائها وداعميها من العرب والمسلمين، إن اتفقوا معها في أمر المقاومة، فإنهم يختلفون معها جذرياً في أمر المنظمة، لو وعت ذلك جيداً لأرسلت أعضاءها الكثيرين إلى المجلس، وأنشأت تحالفات مع قوى وشخصيات من داخله، وأثّرت بصورة فعالة في مساره ومخرجاته.
لقد شاركت حماس في لقاءات فلسطينية أقل مستوى من المجلس الوطني، وحين تقاطع المستوى الأعلى تكون في أقل تقدير قد أخطأت الحسابات والتكتيكات.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع