توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أرض التسوية وأرض الصراع

  مصر اليوم -

أرض التسوية وأرض الصراع

بقلم - نبيل عمرو

على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية المندمجة والمتصارعة بالجملة والتفصيل، تبدو الجهود المبذولة سراً وعلناً لإيجاد حل نهائي للصراع عديمة الجدوى؛ بل إن كل محاولة في هذا الاتجاه تعيد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه.

كل المحاولات التي بذلت والتي تورطت فيها إدارات أميركية، وزعماء عالميون، لم تنتبه إلى السبب الحقيقي والوحيد الذي يؤجج الصراع ويحول دون التسويات.
كانت محاولات فوقية تعالج أهواء ومصالح وبرامج الأنظمة الحاكمة المتصلة بهذا الصراع، أمّا الناس الذين يتوارثون حقداً وكراهية طيلة عقود، فهم وإن كانوا مادة التسويات، إلا أنهم المستنبت النشط لإنتاج تدميرها.

حين بدأت المحاولة الأخيرة المسماة بمحاولة أوسلو في العمل، وجند العالم لإنجاحها قدرات ضوئية، وجاء أقطاب الكون إلى أرض التجربة لدعمها، تبين أن عبوة ناسفة يمكن أن تقوض هذا الجهد بلمح البصر، مثلما يمكن لبيت أن يبنى في مستوطنة أن يفعل الشيء ذاته.

كان المبعوثون يأتون إلى أرض الأزمة حاملين خراطيم المياه لإطفاء الحريق، وكان صنّاع المبادرات يجهدون أنفسهم في وضع سيناريوهات للحل، هي في الأساس مستنسخة عن السيناريوهات المدمرة. وحيثما تظن النخب صاحبة القرار أن الطريق فتحت نحو تسوية، كان تفجير آخر في حافلة أو مطعم يدمر كل ما تم التوصل إليه، ويعيد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه.

هذا السباق غير المتكافئ بين السيناريوهات الفوقية للحلول، والمبادرات حتى الفردية منها، يفضي دائماً، ليس فقط إلى إعاقة سيناريو الحل؛ بل إلى تعميق عوامل استمرار الصراع وتصعيده، وأكثر ما يثبت هذه الحقيقة ما يجري هذه الأيام على أرض التسوية وأرض الصراع. كل أصحاب القرار في هذا العالم إما ينتظرون صفقة القرن، وإما ينهمكون في التشاور حولها، والاتصالات السرية في هذا المجال تبدو أشد كثافة من العلنية، والمؤتمرات والمنتديات لا تتوقف عن الانعقاد وإصدار التوصيات والنصائح والقرارات، بينما ما يجري على الأرض يعد باستحالة نجاح محاولات التسوية، وهنا لا بد من الاستعانة بقرائن دامغة.

الخطب الأربع التي ألقيت في الكنيست، وهي خطب معسكر رئيسي، تظهر فداحة التناقض بين طروحات النافذين في المعسكر الواحد، هذا إذا ما استثنينا خطاب النواب العرب الذي أفسد الاحتفال، وأظهر تعقيداً إضافياً على المشهد الإسرائيلي الأميركي المتحد. وخارج نطاق الكنيست، مجمع الطبقة السياسية الإسرائيلية بأسرها، فإن عملية عسكرية قام بها فلسطينيون قبل أسبوعين في جنين، وقتل فيها مستوطن، واستدرجت رد فعل إسرائيلياً واسع النطاق وقليل الحسم، وما زالت هذه العملية ورد الفعل الإسرائيلي الواسع عليها هي حديث المجتمع الإسرائيلي، وربما باهتمام يفوق كثيراً الاهتمام الشعبي بخطاب نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، وما أحاط زيارته من رسائل ورمزيات.

وساعة كتابة هذه المقالة نسيت إسرائيل خطاب بنس، وتناست هدية الاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة العبرية، لتنشغل بمعركة احتدمت بين الصبية الفلسطينية عهد التميمي وجهاز الدفاع الإسرائيلي، وعلى رأسه أفيغدور ليبرمان.

لقد تغنّى فنان إسرائيلي ببطولة الصبية الفلسطينية، وأذيعت أغنيته من راديو الجيش الذي هو أحد أهم المنابر الإعلامية في إسرائيل. ثارت حفيظة وزير الدفاع، وأصدر أمراً للإذاعة بحرمان الفنان صاحب أغنية عهد من الأثير الإسرائيلي.

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. تحولت القضية إلى أزمة عامة توازت مع فضائح نتنياهو التي تُبحث في أقسام الشرطة؛ بل وتفوقت عليها، فالمستشار القانوني للحكومة فتح معركة مع ليبرمان، حين اتهمه بتجاوز حدوده، حيث لا صلاحيات له على راديو الجيش، ومضت الأزمة التي تستحق أن تسمى «أزمة عهد»، ككرة الثلج، فارضة نفسها كأزمة رئيسية على المجتمع الإسرائيلي.

ونماذج مشابهة كثيرة وقوية التأثير على الحياة العامة في إسرائيل التي يحار أقطابها في فهم الظاهرة الفلسطينية، ويتناقضون في رؤية الحلول لها، ويأسهم من قدرة الـ«F35» على حسم الصراع مع فلسطينيين يملكون قدرة متجددة على رفض الواقع بأقل الإمكانات.

هذا ما يجري على أرض الصراع، ومتوهم من يتخيل أن وقائع من هذا النوع يمكن السيطرة عليها أو تفادي مفاجآتها وقدرتها على تدمير المحاولات الفوقية لتحقيق التسويات.
العمل على أرض التسوية يثير تساؤلات كثيرة: ما فرصة صفقة القرن في أن تعرض؟ مع تساؤل أصعب: وهل تنجح؟

وعلى أرض التسوية تدور تساؤلات حول أدوار الدول العظمى ومدى فاعليتها، وهذا ما يتصدر نشرات الأخبار، ويفرض كمادة للندوات والمؤتمرات، بينما أرض الصراع تمور بالتفاصيل الأكثر فاعلية من كل سيناريوهات الحل، وتنتج كل ساعة قدرات تفجيرية غير محسوبة، ومن خلال ملامسة للتفاعلات التي تجري على أرض الصراع، يكون واقعياً تماماً الاستنتاج بأن لا حل.

نقلا عن الشرق الأوسط القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أرض التسوية وأرض الصراع أرض التسوية وأرض الصراع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon