بقلم:نبيل عمرو
بذلت مصر جهودا حثيثة قادها بدأب وتصميم وصبر المغفور له الوزير عمر سليمان، وازدهر خط القاهرة – رام الله – غزة، بحركة نشطة لمبعوثين على أعلى مستوى بحيث لم يبق فلسطيني ذو صلة بالانقسام إلا وجرى التشاور معه، بصرف النظر عن حجمه ومدى نفوذه، ولمرات عدة جمعت القاهرة كل الفصائل، والعديد من الشخصيات المستقلة لمناقشة سبل الخروج من الانقسام، وأعد الخبراء المصريون المتمكنون من أدق تفاصيل الحالة الفلسطينية، أوراق عمل لم تترك شاردة ولا واردة إلا وتطرقت إليها، ووضعت خططا عملية لدمج القوى المنقسمة في إطار وحدوي جامع عنوانه العام منظمة التحرير والسلطة الواحدة، ومحتواه العملي التطبيقي، ترتيبات محكمة خصوصا على الصعيد الأمني، والدمج التدريجي للقوات والمهمات والمسؤوليات، وكيفية فتح معبر رفح، الرئة الغزية الوحيدة، التي تأثرت كثيرا بمغادرة القوة الدولية المتفق على دورها في أمر الدخول والخروج، ومن يتموضع في المعبر ومن يحرسه بحيث تقرر توزيع القوات المسؤولة بدقة تجنبا للاحتكاكات، ولتوفير تنقل منتظم لأهل غزة ذهابا وإيابا.
كل ذلك - وكثير غيره - جرى بحثه في مصر، والاتفاق عليه والاحتفال بإنجازه.
غير أن ما كان يحدث بعد كل فعالية أدتها مصر، هو ذلك الاختلاف الكلي بين حسابات الحقل ومحصول البيدر، فإذا بكل ما اتفق عليه، ينسى لمجرد عودة كل طرف إلى أرض الانقسام، من دون أن تتاح أي إمكانية جديدة لتطبيق الذي اتفق عليه أو حتى بعض منه، والأمر في هذه الحالة لا يتوقف عند نقطة معينة بل يتراجع على نحو يتعمق فيه الانقسام ويتحول إلى انفصال كما تتحول فعاليات إنهائه إلى حالة مستحيلة تجعل المتدخلين الرئيسيين، وأهمهم مصر، يقتربون من اليأس كما لو أنهم حيال مأزق لا مخرج منه.
في لقاء تقويمي صريح كان موضوعه... لماذا كل هذا الفشل؟ رغم الجهود الجبارة التي تبذل ورغم إجماع أطراف الانقسام على حجم الخطورة الناجمة عن استفحاله، أفصح المغفور له عمر سليمان عن كلمة السر: «إن السبب هو غياب الرافعة الفلسطينية – الفلسطينية، التي من دون وجودها لا أمل في نجاح أي جهة أخرى، مهما بلغت قوة نفوذها».
وهذا يعني أن الدور الأساسي ينبغي أن يكون للفلسطينيين فيما بينهم، وما على الآخرين إلا تقديم المساعدة والرعاية وتوفير المكان إذا ما تسبب الاحتلال في منع قادة ومسؤولين من الوجود بحرية على أرض الأزمة، وفي جهود الحل.
بعد ما يزيد على خمس عشرة سنة من الانقسام وأكثر من مائة محاولة من قبل الوسطاء لإنهائه، بقي الوضع على حاله، وتكرس عمليا وجود شرعيتين في بلد واحد، وشعب واحد، ينتظره مصير واحد، شرعية في رام الله تسمى «الرسمية أوالدستورية»، وفي غزة تسمى شرعية الأمر الواقع، وهذا أنتج حالة متفردة لا مثيل لها في أي زمان ومكان، وهي أن السلطة في رام الله معارضة في غزة، والسلطة في غزة معارضة في رام الله، ذلك لم يكن حالة عابرة بل تكرس بوصفه حالة دائمة.
لم يبقَ بلد إلا ودخل في وساطة لإنهاء الانقسام، ولم ينج متدخل من فشل كان في غنى عنه، وأخطر ما في الأمر أن القوى السياسية الفلسطينية من صانعة الانقسام، قيدت نفسها بنفسها ولم يعد بوسعها فعل شيء سوى الانتظار قرب الهاتف، لعل متدخلا جديدا أو قديما يدعو القوم إلى ضيافة.
كل الذين تدخلوا أو توسطوا كانوا من ذوي النيات الحسنة ممن لهم مصلحة في إغلاق الجرح الفلسطيني النازف. والأمر بعد كل ما حصل صار بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية التدخل والوساطة، فمن يرغب في ذلك فليقل للفلسطينيين اتفقوا فيما بينكم أولا، وبعد ذلك لكم منا كل ما يوفر تطبيقا لما تتفقون عليه.
ولأن علة العلل تكمن في تركيبة الطبقة السياسية الفلسطينية التي تنتمي كلها إلى زمن مضى، فلا مناص من أن يساعد كل حريص «ولو بالنصح» على تجديد هذه الطبقة، ليس بالاستنساخ ولا بالتواطؤات بل بذهاب الجميع إلى صندوق الاقتراع، فمن خلاله تتوحد الشرعيات في واحدة ويضع الفلسطينيون أقدامهم على أول الطريق المفضية إلى وحدتهم التي من دونها يتراجع وينهار كل شيء. وحين ينجح الفلسطينيون في ترميم نظامهم السياسي وتوحيد شرعيتهم، ينجح ذوو النيات الحسنة في مساعدتهم.