توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«حماس» بين التصفية والتسوية

  مصر اليوم -

«حماس» بين التصفية والتسوية

بقلم - نبيل عمرو

ضلَّلت إسرائيل العالمَ حين أعلنت أنَّها بصدد اقتلاع «حماس» من جذورها، فصدّق من صدّق، وتشكّك من تشكك، إلى أن تبلور ما يشبه الإجماع على استحالة التصفية وحتمية الذهاب إلى التسوية.

والتسوية التي يجري ترويض «حماس» للانخراط فيها هي التي سبقتها إليها فتح، أي منظمة التحرير، وفق الشروط الأميركية المتفاهم عليها دولياً، بما في ذلك ما تبقى من الاتحاد السوفياتي في حينه.

انهارت التسوية التي بدأت في مدريد ونضجت في أوسلو، وانقطع حبلها في منتصف الطريق، إذ أنجبت مولوداً غير مكتمل النمو، هو السلطة الوطنية الفلسطينية، وكلمة الوطنية هي مجرد إدخال فلسطيني على المصطلح.

في الجزء الأول من مسيرة التسوية، تدخل النافذون الدوليون لجعلها مقدمة لنهاية الصراع العربي - الإسرائيلي، بدءاً بجوهره الفلسطيني، أمّا في الجزء الثاني، فلم يتدخل أحد لإنقاذ المشروع من الانهيار، وأعني تدخلاً فعّالاً وحاسماً، ومنذ المحاولة الكبرى التي قام بها الرئيس بيل كلينتون في نهاية ولايته، واصلت «أوسلو» انهيارها، لنصل معها إلى حالة مناقضة تماماً لما أُريد منها، فإذا بالفلسطينيين يحصلون على حرب بدل دولة، وإذا بالمنطقة التي توقعت سلاماً دائماً وشاملاً تدخل في حالة حربٍ على جبهات متعددة إلى أن وصل الأمر إلى ما نحن فيه الآن من احتمالات اتساع الحرب على غزة، وما يرافقها في الضفة وجنوب لبنان، إلى حرب إقليمية إن بدت مستبعدة إلا أنها ليست مستحيلة.

مركز الزلزال الآن غزة، ومركز المقاومة المسلحة «حماس»، ومركز التهديد بحرب على كل الجبهات إسرائيل، أمّا أميركا عرّاب التسوية حين كانت ممكنة، وعرّاب ابتعادها واستحالتها، فهي تلاحق الأشباح التي تستهدفها في عقر نفوذها وتعمل على تسويات إن منعت انتشار الحرب، فلن تحقق سلاماً لا ينذر بخطر كامن في كل مناطقها.

ومشكلة أميركا أن تحدياتها تنشأ وتتفاقم من قلب منطقة نفوذها، وجذرها عجز الدولة العظمى أو تقصيرها في إرضاء حلفائها ولو بالحدود الدنيا لما يطلبون ويستحقون.

أميركا وعلى وهج حرب غزة المستمرة بمدى مفتوح على الزمن، ألّفت حكاية وفرضتها موضوع نقاش وحركة على العالم كله، وعنوانها اليوم التالي. مثيرة بذلك عدة أسئلة؛ وكلها من النوع الذي لا إجابة عنه، لأنَّ الإجابة تتوقف على مجهول، وما الذي سيحدث في اليوم الذي سيسبق وقف الحرب، كيف سيكون وضع إسرائيل وما هو وضع «حماس»، وهي من يستحق البحث في خياراتها بعد أن تضع الحرب أوزارها، بحيث يدخل الفلسطينيون جميعاً إلى تحديات ما بعدها، وهي الأكبر والأصعب والأكثر إلحاحاً من كل ما مضى.

حين تنجو «حماس» من التصفية الجذرية التي أرادتها إسرائيل وسعت إليها، فذلك لا يعني أنها انتقلت من موقع الفصيل الكبير إلى موقع القائد المقرر في الشأن الفلسطيني، فهي إن كانت في أوج قوتها أو فيما هو أقل من ذلك، فلن يختلف الأمر كثيراً عليها، فهي لن تكون بديلاً عن «فتح» والمنظمة بل ستكون شريكاً، ولن تفرض على الفلسطينيين برنامجها، والأمر لا تقرره قوة أي طرف وتفوقه على الطرف الآخر، مهما ارتفع الرصيد في الاستطلاعات، إنَّما تقرره الحاجة لأن تكون العلاقة مع الآخرين قائمة على الشراكة، وليس الاستئثار.

هكذا كان حال الفلسطينيين منذ بداية قضيتهم وحتى في زمن سطوة «فتح» التي لا تضاهى، وزمن ياسر عرفات الذي ما أجمع الفلسطينيون على غيره طيلة حياته. وهذا أمر تكرس على أنه قانون، إذ لا أحد لديه القدرة لأن يستأثر ولا حياة له إلا إذا كان جزءاً من كل.

الذي هيأ لـ«حماس» نجاة من التصفية الجذرية، ليس سلاحها على أهميته التي لا تنكر في الحرب العسكرية، ولا حكمها لغزة، الذي وفّر لها شرعية أمر واقع جعلت العالم كله يخاطبها ويتعامل معها، بما في ذلك إسرائيل، وإنما لأنها فكرة يعتنقها جزءٌ كبير من الشعب الفلسطيني، والفكرة لا يمكن تصفيتها فعندنا من لا يزال يحتفل بمواقع موغلة في القدم.

حين تسأل أميركا ما الذي يجب أن يُفعل في اليوم التالي، فهذا جزءٌ من مهمتها الكونية وطريقة أدائها لأدوارها، أمّا الذي يجب أن يُسأل بحق فهم الفلسطينيون، «حماس» المقاتلة و«فتح» المفاوضة، والمنظمة التي لا تزال مؤهلة لجمع الطرفين.

الفلسطينيون حتى الآن لم يجيبوا عن سؤال اليوم التالي لوقف الحرب، مع أنهم الأكثر احتياجاً للإجابة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حماس» بين التصفية والتسوية «حماس» بين التصفية والتسوية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon