توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كوابيس «أوسلو» من الأيام الأولى

  مصر اليوم -

كوابيس «أوسلو» من الأيام الأولى

بقلم - نبيل عمرو

الرئيس محمود عباس الذي سمي منذ خمس وعشرين سنة بمهندس «أوسلو»، كان أميناً في تنبيه الفلسطينيين إلى إمكانية تحول الاختراق التاريخي إلى كارثة، إذ قال بالحرف الواحد: «هذا الذي توصلنا إليه (وقصد إعلان المبادئ والاعتراف المتبادل) إما أن يؤدي إلى دولة مستقلة وإما أن يكرس الاحتلال».

وشرح فكرته التي ملخصها أن «الأمر كله يتوقف على أدائنا».

الذين قرأوا نصوص «أوسلو» جيداً قليلون، ممن هم وجوه وسدنة الطبقة السياسية الفلسطينية، الذين انقسموا منذ المصافحة التاريخية بين رابين وعرفات، تحت رعاية الرئيس الأميركي إلى قسمين؛ قسم مؤيد متحمس لما حدث، وتردد آنذاك مصطلح تحويل الضفة وغزة المكتظتين بمخيمات البؤس والشقاء، والممتلئة بيوتها بالحزن على آلاف المعتقلين والشهداء والجرحى، إلى سنغافورة أو هونغ كونغ على أقل تقدير.

وقسم آخر اتخذ موقفاً عدائياً من الفكرة والمبدأ.
كان الرئيس الراحل حافظ الأسد من الذين قرأوا السطور وما بينها في إعلان المبادئ ووثيقة الاعتراف المتبادل، وقال قولته الشهيرة بأن كل سطر مما أعلن يحتاج إلى مجلدات لتفسيره، أي أن ما تم التوصل إليه هو مجرد عناوين عامة تنطوي تحتها ملايين التفاصيل، التي تركت كي تحل في سياق التطبيق والتفاهمات التي سترتجل لاحقاً.
قليلون يعرفون أن الرئيس الراحل ياسر عرفات فكر أكثر من مرة في مغادرة التجربة حتى منذ بداياتها المبكرة والواعدة، إلا أنه لم يفعل لأنه دقق في المعادلة الجديدة التي ميزت علاقاته وخصوصاً مع الجوار العربي، ومفادها أن ما كان متاحاً في زمن ما قبل «أوسلو» لم يعد متاحاً بعد أن وطأت قدماه أرض الوطن.

ومع المعاناة اليومية التي رافقت عرفات منذ عودته إلى الوطن حتى دفنه تحت ترابه، كانت هنالك عوامل قوية ومنطقية تدفعه إلى التحمل، أهمها أن الشعب الفلسطيني الذي قاده عرفات من المنفى، يريده أن يواصل المسيرة رغم كل صعوباتها، فحصل في الاستفتاء الذي تم على «أوسلو» تحت عنوان الانتخابات الرئاسية والتشريعية، على 88 في المائة من أصوات الناخبين الفلسطينيين، يقابلها 100 في المائة من دول العالم تسابقت في إظهار دعمها للعملية السياسية التاريخية؛ بل وتبنيها لها؛ بحيث لم يبق زعيم ذو وزن إلا وزار أرض التجربة، ودشن الوضع الجديد الذي وجد عرفات نفسه فيه. غير أن الأمر فيما يتصل بالدعم الكاسح للفلسطينيين وللعالم، كان بحاجة إلى تدقيق أكثر لفهم المغزى الحقيقي لما حدث. الفلسطينيون صوتوا بما هو قريب من الإجماع، ليس على نصوص «أوسلو» والتزاماتها التي لم يقرأوها أصلاً، وإنما صوتوا على ثقتهم بالزعيم التاريخي الذي انطبع في ذاكرتهم على أنه بطلهم القومي، وكذلك على وعود «أوسلو»، وكانت مغدقة فيما يتوق الفلسطينيون إليه، وهو التخلص وإنْ تدريجياً من الاحتلال وويلاته، والتنعم بوضع جديد يجسدون فيه حلمهم المُلح وهو إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، مع انبثاق فرصة معقولة لحل قضية اللاجئين.

كانت السنوات الأولى لتطبيقات أوسلو حاضنة لتناقض بين الآمال والواقع، وكل يوم جديد في التجربة أفرز على عكس المتوقع وحتى المقرر زيادة متنامية في المتشككين في نجاح التجربة، وتناقصاً ملحوظاً ومتسارعاً في المؤيدين، ولا أعني هنا مجرد الطبقة السياسية الرسمية؛ بل الشعب.

وفي حالة من هذا النوع لا بد أن يأتي حدث يرجح بصورة نهائية السلب على الإيجاب، الحدث هو اغتيال رابين الذي قاد إلى سقوط سدنة التجربة من الجانب الإسرائيلي، ليحل محلهم خصوم هذه التجربة الذين لم يخفوا تطلعهم لإجهاضها، ولو اضطرارياً من داخلها، فوجد الفلسطينيون أنفسهم يتعاملون مع من هم أكثر شراسة في إبعاد أي إمكانية لتقدم سياسي لمصلحة الحقوق الفلسطينية. ولكي تكتمل معادلة الضد سقط فلسطينيو «أوسلو» في انتخابات عامة، فاز فيها من أعلنوا أنهم ما دخلوا الانتخابات إلا لتدمير «أوسلو» من داخلها، ومنذ ذلك الوقت وحتى قبله بكثير، دخلت آمال السلام التي نثرت في بدايات «أوسلو» نفقاً مظلماً لا يرى الفلسطينيون منه ولو مقدار بوصة واحدة مما سيحل بهم.

بعد خمس وعشرين سنة، بقيت «أوسلو» وتلاشت وعودها، بقيت الالتزامات التي قيدت الفلسطينيين، وانتهت الالتزامات التي قطعها الإسرائيليون في البدايات، وكل يوم تبتعد فيه إمكانيات السلام الموعود يتذكر الفلسطينيون ما قاله رئيسهم الحالي محمود عباس، في مرافعته التاريخية حول «أوسلو» وما ستفضي إليه.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوابيس «أوسلو» من الأيام الأولى كوابيس «أوسلو» من الأيام الأولى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon