بقلم - نبيل عمرو
لو أن القائمين على جائزة نوبل العالمية يقررون إضافة بند الصبر السياسي، لحازت مصر الجائزة بلا منازع، بفعل دورها في إدارة ملف غزة.
مصر ما زالت تعالج ملفات غزة وهما في واقع الأمر ملفان رئيسيان.
الأول غزة وإسرائيل، والثاني فتح وحماس.
النتائج الحاسمة أي النهائية تبدو مستحيلة، ولا يجوز تقويم نجاعة الدور المصري وضرورته على أساس إنجازها، لأن الميزة الرئيسية لهذا الدور تفرض نفسها من خلال إنجاز سياسي بالغ الأهمية، وهو مواصلة طرح الملفات على الطاولة والعمل الدؤوب، رغم المعوقات الهائلة لمعالجتها. وهذا يعني منطقيا وتلقائيا تفادي الفراغ الذي إن حدث واستبد وطال أمده فسيؤدي إلى نتائج كارثية، ليس على صعيد غزة وحدها بل على الصعيد الفلسطيني بإجماله، مع تداعيات متعبة لأقطاب المنطقة، وأولها مصر، وكذلك بصورة أخرى إسرائيل.
وإذا ما تخيلنا مغادرة مصرية ولو مؤقتة للدور، أو إبطاء وتقليص وتيرته، وذلك بفعل اليأس من تعاون الأطراف المعنية كما يجب، فإن اشتعالاً سيستمر ويتصاعد بين غزة وإسرائيل واقتتالا سياسيا وإداريا وحتى أمنيا ينشأ ويتواصل بين حماس وفتح، ما يفرض تطوراً كارثياً في حالة الانقسام يصل إلى درك استحالة إنهائه. وبداهة فإن الوصول إلى هذا الوضع سينهي ما تبقى من نفوذ للرقم الفلسطيني في معادلة السياسة والحلول، ومقدمات تحوله إلى رقم هامشي بدأت بالظهور على الأرض، حيث صار رقماً يسهل تجاوزه ما دام أهله غارقين في صراعهم الداخلي.
في حالات معينة يشاع قول إن مصر وبفعل ضعف التعامل معها ومع رؤيتها للحلول على الملفين، ستسحب يدها وتترك الأطراف تواجه أقدارها بنفسها. وأقدر أن مصر ربما تبدي غضباً بالهمس أو بالصوت المرتفع، ويقال باسمها شيء كهذا، إلا أنها لن تسحب يدها، فهي تعرف قدرها، وتعرف أنها لو أدارت ظهرها لأزمة مركبة ومشتعلة تتفاعل على بعد خطوة واحدة من حدودها، فسيؤثر ذلك سلباً على إيقاعها الأهم وهي الدولة الأم في العالم العربي، إلى جانب خسارة ركن أساسي من أركان أمنها القومي المتمثل في أخطار ستتضاعف حتما لو نشأ الفراغ واستمر، ذلك يؤدي تلقائيا إلى فتح الباب واسعا أمام أصحاب أجندات تضع إضعاف مصر وتطويق نفوذها المعنوي والسياسي والاستراتيجي، شرطاً لتطوير نفوذها وتحقيق أجنداتها، بحيث تكون غزة هي المنطلق، ونفوذ القاهرة هو الهدف.
إلا أن مصر وقد أوشكت جهودها الدؤوبة على أن تبلغ العام الثاني عشر، لا بد أن تجد وسائل فعالة لدورها وجهدها، ومصر لا تحتاج إلى من يدلها عليها لبلوغ حلول دون الاكتفاء بمجرد تفادي الفراغ.
اثنتا عشرة سنة وعدد لا يحصى من اللقاءات قد تستغرق مدة أطول من عمل لم يحسم يحسم بعد؛ فالمصريون، وخصوصا الفريق المكلف المعالجة، يعرف الوضع الفلسطيني من كل جوانبه وبأدق التفاصيل، ويعرف أكثر أن عدم إغلاق هذه الملفات على حلول إما حاسمة أو بعيدة المدى سيضع مصير غزة والمصير الفلسطيني بإجماله تحت رحمة الصراع الداخلي في إسرائيل... فهذا الطرف يريد تحسين وضعه الانتخابي بمضاعفة القصف والجثث، وذاك يريد استخدام جوع وعري وبؤس أهل غزة لغرض تسويات ذات محتوى إنساني، وبعيد كل البعد عن أي مسار سياسي يلبي ولو بعض الحقوق الفلسطينية، وذاك يريد حماس قوية في مواجهة السلطة، وضعيفة تماماً في مواجهة إسرائيل، وهناك في الجدال الدائر بشدة من يرى أن غزة يجب أن تبقى ذخراً أمنياً لإسرائيل ومفصلاً استراتيجياً يحرم الشعب الفلسطيني من ولادة دولة حقيقية له.
غزة الآن بالملايين التي تعيش حالة البؤس فوق أرضها رهينة لقذيفة تقتل إسرائيليين لتعود الأمور خلال وبعد الرد الإسرائيلي إلى نقطة الصفر من جديد.. والحالة هذه؛ فإن ترف اللقاءات والبحث عن نقاط مشتركة بين المتصارعين كي يبنى عليها هما الوصفة الأكيدة لاستمرار الكارثة.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع