بقلم - نبيل عمرو
دق الرئيس ترمب المسمار الأخير في العلاقات السياسية الرسمية بين إدارته والقيادة الفلسطينية، بحيث لم يبقَ من هذه العلاقة إلا بعض قنوات ضيقة، يمر منها دعم وتنسيق أمني، ربما يتلاشى في أي لحظة.
بعض الفلسطينيين الذين تعودوا على الاستناد إلى الجدار الأميركي، يخترعون لأنفسهم نوافذ أمل، إن لم تعد شهر العسل الوهمي إلى سابق عهده، فهي ربما تخفف من ثقل القطيعة والجفاء، والتي وصل أخيراً إلى عداء أكثر شراسة من عداء اليمين الإسرائيلي.
رهانان أراهما لا يفيان بالغرض، يجري تداولهما في أوساط الطبقة الفلسطينية الرسمية: أن يسقط ترمب، إما بتفوق كاسح لخصومه في الكونغرس بعد الانتخابات النصفية الوشيكة، وإما أن يدان قضائياً؛ بحيث تصبح إقالته تحصيل حاصل، وكلا الرهانين إلى جانب أنهما غير مضمونين، فإن قراءة موضوعية لما يمكن أن تفعله أميركا حال غياب ترمب تبدو ضرورية، لترشيد الرهانات وعدم الوقوع في خطأ الحسابات.
دعونا نفترض أننا صحونا ذات يوم قريب، وإذا بترمب في بيته أو ينتظر محاكمة قضائية، فما الذي ستفعله الإدارة الجديدة؟
الأصح هنا أن يشار إلى الذي لن تفعله، فهي أولاً لن تلغي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولن تعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، ولن تفتح الخزانة الأميركية على مصراعيها لإنقاذ «الأونروا»، والإغداق على السلطة الفلسطينية، ولن تعتذر عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ولن توجه إنذاراً لإسرائيل بوقف الإجراءات الاستيطانية والإلحاقية في القدس وغيرها، وستؤكد على اعتبار أن قانون القومية الذي سنه الكنيست كنظام أساس وإن كان ليس نموذجياً، فإنه شأن إسرائيلي داخلي تماماً، كما قالت السيدة موغيريني للسيد أيمن عودة بعد الاجتماع التاريخي به قبل أيام.
إذن أصل الحكاية ليس ترمب، وإنما قوة التأثير الإسرائيلي في القرارات الأميركية المتصلة تحديداً بالشأن الفلسطيني.
لو تمت الإطاحة بترمب، وهذا احتمال يوازيه بدقة بقاؤه حتى انتهاء ولايته، فإن قلوب الفلسطينيين ستبرد، مثل قلوب غيرهم ممن ألحقت قرارات ترمب وسياساته أذى بمصالحهم، وعلى رأس هؤلاء فيما يبدو الدولة العملاقة المسماة الصين، وعلى نحو متفاوت الدول الأوروبية التي تتزامل مع ترمب في منظومة الأطلسي، وحتى المكسيك وكندا ستشعران بالراحة، والاستفادة الأكيدة ممن يخلفه إذا كان أعقل منه.
الخاسر تماماً سيظل الفلسطينيين، الذين لا يمتلكون أوراقاً ضاغطة، كتلك التي يمتلكها من ألحق بهم ترمب الأذى الاقتصادي أولاً والاستراتيجي أخيراً.
يسود الأوساط السياسية الفلسطينية شعور لا تكفي اللغة لتبديده، وهو ما الذي تبقى ليفعله ترمب قبل «الإطاحة به»؟ وهل إغلاق المكتب في واشنطن سيكون البند الأخير في بنك الأهداف الأميركية ضد الفلسطينيين؟
يبدو أن ما تبقى سيكون الأخطر، وهو تطبيق مبدأ «سنفرض صفقة القرن، رضيت القيادة الفلسطينية أم أبت، تعاونت أو لم تتعاون»، وهذا المبدأ ربما يجرد الفلسطينيين في حال تطبيقه من قوى فعّالة، كانت تستند إليها في كل المنعطفات الصعبة، وما أكثرها في حياتهم.
حتى الآن الأمر مجرد خوف وخشية وقلق، وربما يكون أخطر من ذلك لو بقي ترمب على موقفه، فكل أمر سلبي لا يمكن استبعاده مع هذا الرجل.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع