بقلم - رضوان السيد
كان اجتماع القمة في مجلس التعاون الخليجي شديد الجدية، وقد تمكن الملك سلمان بن عبد العزيز من إنجاز ثلاثة أمور: عقد الاجتماع، وعرض سائر الملفات الخليجية والعربية، والاستناد في ذلك كله، إلى المصالح والمرجعيات. فموقف المملكة ما تغير في سائر الملفات ومنها ضرورة مجلس التعاون، وضرورة إقامة القوة العسكرية المشتركة للدفاع عن الجميع، وتحديد الأخطار التي تتهدد الخليجيين والعرب الآخرين.
بيد أنّ هذه الجدية بسائر منافذها ومرتكزاتها، والتي لم يعترض عليها أحد من المشاركين، ما أمكن الذهاب معها، إلى أن القرارات التي وافق عليها الجميع، ستذهب إلى التنفيذ أو تتخذ مساراً مستقبلياً واعداً. فعلى سبيل المثال: كيف ستكون الاستجابة لمبادرة إقامة الجيش الخليجي، والتي جرى الحديث كثيراً فيها من قبل ومن الذي سيتجاوب مع القضايا التي كانت أساس قيام مجلس التعاون مثل الوحدة الجمركية، ووحدة النقد، والتنسيق في السياسة الخارجية. إذ المعروف أنّ هذه الموضوعات طُرحت من قبل، وظلّت المملكة في طليعة المبادرين والموافقين عندما كان الآخرون يطرحونها. وصحيح أنّ دولة قطر هي التي تقف بالفعل خارج السرب، لكنّ هناك عدم تقدم في إنفاذ القرارات أو السعي لذلك. وحجة الجميع في هذا الجمود التمسك بالسيادة وبالقرار الحر. وهذه ليست حجةً كافيةً إلا إذا كانوا لا يعتبرون القوة المشتركة ضرورية، ولا تنظيم أو صُنع السوق الخليجية ضرورية.
فالحقيقة أنّ الأمر يتجاوز الجمود أو التريث أو التردد، إلى تفصيل التعطيل أو الاستغناء أو السير في مساراتٍ أخرى. هناك حالةٌ من الانقباض وسوء المزاج أو حتى الإحساس بالعجز، ثم التذمر من أنهم لا يرون في هذه الخطوة أو تلك ضرورةً أو فائدة رغم وضع تواقيعهم على بنود البيان الختامي.
وهذا الأمر لا يشمل مجلس التعاون الخليجي وحسْب. بل إنّ المجلس بسبب عزم المملكة لا يزال يستطيع الاجتماع على الأقلّ، والتحدث علناً على الأقلّ، وبلغةٍ واحدة. وهو الأمر الذي لا يحصل مع الجامعة العربية، ولا المفوضيات الفرعية واللجان التابعة لها. ولا على مستوى العلاقات الثنائية بين الدول، أو على مستوى معالجة مشكلات الحروب الداخلية المندلعة علناً أو سراً في مشارق العرب ومغاربهم. وعلى سبيل المثال فإنّ العاهل المغربي الملك محمد السادس وجّه دعوةً إلى الجزائر لمعاودة الحوار وليس بشأن الصحراء فقط؛ بل في سائر الملفات. لكنّ الجزائريين لم يكلفوا أنفسهم الإجابة على هذا الانفتاح بالقبول أو الرفض أو طلب الاستمهال والتريُّث!
ولنذهب إلى العراق الذي احتفل منذ أيام بالانتصار على «داعش». وهذا يعني أن استقراراً من نوعٍ ما قد تحقق. لكنّ رئيس الوزراء عبد المهدي الذي تولّى المنصب بالتوافُق، يبدو الآن عاجزاً وحكومته غير مكتملة، ووزيرا الداخلية والدفاع اللذان اقترحهما، أدّى ترشيحهما إلى اتهامه بالتحيز لأنصار إيران. ويمكن أن يقال هنا إنها يمكن أن تكون أزمة سياسيةً عادية تحدث في أحسن الديمقراطيات. لكنها لو كانت كذلك لما قال العبادي رئيس الحكومة العراقية السابق، الذي انتصر على «داعش»، إنّ إيران أقْصتْهُ عن تولي رئاسة الحكومة مرةً أخرى. وهذا يعني أن فالح الفياض المرشح من المالكي لتولي الداخلية، والذي انشقّ عن كتلة العبادي بعد الانتخابات، إنما قام بذلك لإضعاف العبادي لأن إيران لا تريده. ويعني أيضاً أنه لا تزال لإيران يدٌ طُولى ليس في القوى الأمنية والعسكرية والحشد الشعبي فقط؛ بل وفي طريقة تشكيل الحكومة وأشخاص الوزراء. فالأزمة هي من صنعٍ إيراني: إمّا الاستيلاء على الحكومة مثلما حصل في مؤسساتٍ أخرى، أو لا حكومة.
وما يحصل بالعراق، حصل ويحصل مثله في لبنان، والذي يستولي «حزب الله» الإيراني الهوى والقيادة على القرارين السياسي والعسكري فيه. فسعد الحريري يحاول منذ قرابة السبعة أشهر تشكيل الحكومة، وكلما انحلّت عقدة، ظهرت عُقدةٌ أخرى، وآخِرها ظاهراً عقدة الوزير السني الذي يريده الحزب، ولا يريده الحريري زعيم السُنة، حتى الآن. وكل يوم تقوم الصحف والقنوات بقياس لأمزجة الأطراف الثلاثة: رئيس الجمهورية، وسعد الحريري، وحسن نصر الله. الرئيس ساعة مع الحريري، وساعة مع نصر الله. أما نصر الله فهو في نظر الصحف: زعلان جداً؟ من الحريري، لكنه حتى الآن لا يريد الاستغناء عنه! ولا أحد يعرف إلى متى يستمر مزاج السيد على هذا التفكُّر! وكُتّاب الصحف من أنصاره يقولون إنّ المشكلة سخيفة، والسيد لا يهتم لأنه منصرفٌ لمناضلة العدو الصهيوني على الحدود. وطريقة نضاله بعد الصواريخ التي يكدّسها استعداداً للمواجهة: حفر أنفاق على الحدود لإزعاج الصهاينة، ولكن هل الجيش اللبناني على الحدود لم يشعر بها، بينما القوات الدولية شعرت، والجدال مشتعل، ولبنان بلا حكومة لأن الإيرانيين لا يريدون إلا إذا كانت الأكثرية الحكومية من سائر الطوائف تحت يدهم!
ولدينا إلى جانب دولتَي «استقرار الغلبة» في العراق ولبنان، ثلاث حروب مشتعلة، لإيران في اثنتين منها اليد الطولى: سوريا واليمن وليبيا. وليبيا محيِّرةٌ بالفعل. إذ كيف يقبل زعيم الحكومة الشرعية التي صنعها الدوليون، أن تظلّ النواحي الليبية، ومن بينها العاصمة، محكومة من الميليشيات؟! وتتوسط إيطاليا المتضررة من الهجرة إلى أراضيها من خلال الفوضى الليبية، نعم تتوسط بين المشير حفتر المسيطر في شرق ليبيا، ورئيس الحكومة العتيد، دونما نتيجةٍ حتى الآن.
ودي ميستورا مبعوث الأزمة السورية والذي يغادر منصبه الآن أيضاً، يقول إن الصفحة طُويت، وهناك صفحة جديدة! ما الذي طُوي ما دامت 40 في المائة من الأراضي السورية تحت سيطرة الأكراد والمعارضة السورية المسلحة وتركيا وأميركا. وفي مناطق سيطرة النظام الاسمية، يسود الروس والإيرانيون! وقد حصل الانفراج في نظر الأسد لأنه استطاع كما قال تسريح بعض القوات التي قاتلت لخمس سنوات تحت لوائه، لأن الذين خضعوا أخيراً لسيطرته يمكن تجنيدهم بدلاً من الذاهبين!
ولا يزال اليمنيون المحاصرون من كل جانب بالحرب وبالمجاعة، يترجَّون الوصول في مفاوضات السويد إلى إطلاق سراح بعض منكوبيهم من معتقلات ميليشيا الحوثي. وعلى ذلك، يقول غريفيث المبعوث الدولي إلى اليمن، إنّ مشكلتي تعز - ثاني أكبر المدن اليمنية - والحديدة شديدتا التعقيد. والأولى محاصرة من أربع سنوات من الميليشيا والثانية لا تزال في قبضة الحوثي! أما دولة قطر فتفتخر بأنها تمكنت من إيصال أموال إلى حماس من طريق مطار بن غوريون، وتتوسط مع نتنياهو من أجل فتح مطار في غزة لإراحة السكان من الاضطرار للذهاب إلى مصر!
كيف لا يكون الملك السعودي كبير العرب جاداً ومهموماً؟ وكيف سنتمكن من استقبال الجديد، وسط هذه الأجواء الخانقة لحكمة الشيوخ وعزائم الشباب وآمالهم؟
يقول المؤرخون إنه في زمن الحروب الصليبية كان المتنافسون على السلطة يتنافسون أيضاً على استدعاء الصليبيين لنصرتهم على بعضهم. فبشرى لكم يا ناس أنّ الإيرانيين جاءوا دونما استدعاءٍ ولا رجاء. فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.
نقلًا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع