توقيت القاهرة المحلي 20:18:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جرائم تثير حساسيات دينية!

  مصر اليوم -

جرائم تثير حساسيات دينية

بقلم - رضوان السيد

ما انتبه الرأي العام في العالم العربي كثيراً لقضيتين تتعلقان بالإسلام في تونس وفرنسا. بل ما أثار الرأي العام الجرائم المرتكبة ضد الفتيات في مصر والأردن. فهناك شابٌّ قتل طالبة بجامعة المنصورة، وآخر قتل زوجته الثانية لأنه بعد خلاف بينهما هددته بإخبار الزوجة الأولى. أما في الأردن فإنّ شاباً قتل فتاةً بالجامعة أيضاً لأنها رفضت الزواج به. في مصر قُبض على قاتل الفتاة الجامعية وحُكم عليه بالإعدام بعد اعترافه وتمثيله للجريمة. وما تزال الجريمتان الأُخريان قيد المحاكمة.

لقد ذُعر الرأي العام بمصر والأردن لهول جرائم القتل ضد النساء. وما تعاطف أحدٌ مع القتلة. لكنّ «شيخاً» خطر له التصريح بأنّ الفتيات يحرّضن على أنفسهنّ عندما لا يلبسن ملابس محتشمة ولا يتحجبن! وقد أثار ذاكَ التصريحُ سخط كل النساء، وفئات واسعة في الرأي العام. إنما ارتبط ذلك بنقاشٍ مستعِرٍ حول معنى الاحتشام والحجاب والنقاب ومشروعيتهما أو فرضيتهما. إذ فَهِم كثيرون أن الفقيه المعمَّم أو غير المعمم إنما كان يبرر عمليات القتل ضد النساء اللواتي تتعرض كراماتهنّ وحيواتهنّ للانتهاك والعدوان من دون مسوِّغٍ، وهي جرائم لا ينبغي قبولها أو تبريرها بأي شكلٍ كان.

منذ قرنٍ ونيف تستمر النقاشات الحامية بشأن الحجاب بين المتدينين والهيئات الدينية من جهة، ودعاة حرية المرأة وكرامتها من جهةٍ أُخرى. وفي حين يختلف ذوو الشأن الديني في التفاصيل بين الحجاب والنقاب، فإنّ المدافعين عن حرية المرأة يعتبرون المسألة مبدأ لا يجوز التفريط فيه أو التلهي بتفاصيل المشروعية بين غطاء الرأس أو ستر الوجه!

ما حقيقة الأمر؟ الواقع أنّ القضية ما عادت قضية حرمةٍ أو حِلّية، بل هي أعرافٌ وتقاليد أتى عليها الزمان ويريد المحافظون التشبث بها، فيحتجون لذلك بالقرآن وتقاليد السلف، في حين ينقسم الناس إلى فريقين: فريق يرى أنّ الإصلاح الديني لأكثر من قرنٍ قضى في هذه المسألة لصالح المرأة، ولا يجوز الرجوع عن ثمرات حركة الإصلاح، بينما يرى الفريق الآخر أنّ الزمانَ تجاوز كل هذه المسائل، سواء أتعلق الأمر بفهم القرآن أو لحماية التقاليد. والمعروف أنّ نصف القرن الأخير والذي شهد متغيرات كبيرة وفهماً آخر للدين والقيم يعتبر أنّ حجج المحافظين وتعللاتهم ما عاد لها مكان. وبخاصةٍ أنّ ثمانين بالمائة من الفتيات يغطين رؤوسهنّ ويلبسن ملابس شديدة الاحتشام.

ولذا، ففضلاً عن التفلت الفظيع لدى الشبان العابثين، فإنّ القضاء ما عاد كافياً، وصار من الضروري حدوث تغيير ثقافي كبير يدعم حريات المرأة وكرامتها. وخصوصاً أن التحجب الكثيف لدى النساء في مجتمعاتنا، مثل كشف الرأس، هو تعبيرٌ عن وعي المرأة بذاتها وحرياتها. فلنترك تلك الأوهام بشأن القدرة على تجميد المجتمع في قالبٍ واحد. وعلى الهيئات الدينية مسؤولية كبرى لجهة التأثير على الجمهور بهذا الاتجاه. فعندما لا تعرض الهيئات على المجتمعات حلولاً ومخارج معقولةً، فهي تتحمل جزءاً من المسؤولية ليس لدى المجتمعات، بل وتجاه الدين والتدين والقدرة على الاستيعاب والضبط.

ولنذهب إلى قضية تعدد الزوجات. لقد صارت لها صيغ كثيرة. لكنّ الوضع واحد: الجمع بين زوجتين أو ثلاث، سواء علمت الزوجة الأولى بذلك أم لم تعلم. وفي هذا الصدد عمل الإصلاحيون المسلمون كثيراً أيضاً، وقالوا جميعاً بكراهية التعدد أو تحريمه، لأنّ التعديد يعني خصوماتٍ طاحنة، وعذاباً للأولاد، وحيوات أُسرية مفككة.

وهناك تستطيع الدول أن تؤثر بالتربية الاجتماعية وأحياناً بالقانون، كما فعل الرئيس بورقيبة وإصلاحيون آخرون. إنما لولا أعمال الإصلاحيين لما تمكن بورقيبة من الإقناع بتطوير مدونة الأحوال الشخصية. الجرائم جرائم، والحريات حريات. والجرائم ضد النساء لأي سبب ما عاد يمكن احتمالها. فلنصغ لقضية الحرية، وللحياة الأُسرية السليمة، أو يبقى الظلم واقعاً بالدين وبالمجتمع.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرائم تثير حساسيات دينية جرائم تثير حساسيات دينية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon