توقيت القاهرة المحلي 07:08:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استرحام الذين لا يرحمون!

  مصر اليوم -

استرحام الذين لا يرحمون

بقلم - رضوان السيد

ستة أحداثٍ لافتة هذا الأسبوع في العالم العربي، وهي جميعاً لا تبعث على الاطمئنان، ربما باستثناء الحدث الجزائري: مشهد نساء «داعش» والأطفال وهم يخرجون من الباغوز إلى بواغيز أُخرى. وعودة المظاهرات إلى درعا السورية. وحماسة الزعماء العراقيين للمزيد من الانضواء في الجيب الإيراني تحت أنظار روحاني واستحسانه. ومبادرة بوتفليقة في الجزائر. وتركّز الهجمات على أهل السنة في لبنان باعتبارهم الطائفة الوحيدة المتهمة بالفساد في وطن الأرز الخالد. وإصرار الرئيس السوداني على البقاء في منصبه رغم تخلّي كل الجمهور عنه بمن في ذلك الميرغني! 
مشهد نساء «داعش» مأساوي بالفعل. فأكثرهنّ لا يزلن متمسكات بحلم «الدولة الإسلامية»، رغم أنه حلم كابوسي. لقد جئن من كل الأصقاع. وتزوجت كلٌّ منهنّ عدة مرات. وعشن ظروفاً غير إنسانية، وما فارق معظمهنّ ذلك الكابوس. وإذا تجاوزْنا المشهد الهستيري، فستكثر التساؤلات: هل صحيحٌ أنّ الدين الإسلامي يقتضي كلَّ ذلك؟! وهذا سؤالٌ أجاب عنه ملايين المسلمين بأنه غير صحيح وغير سليمٍ وجنوني. إنما السؤال أنّ هؤلاء وإنْ كانوا قلة ضئيلة جداً، فكيف يمكن الخلاص إسلامياً وعربياً من هذه المصيبة؟ وإذا التفتنا للمشهد القريب، كيف تجمّع هؤلاء، ومن أين أتوا، ولماذا أدخلتهم السلطات التركية وأقدرتْهم على التسلح والسرحان وفرض النموذج؟ إردوغان زعلان لأنّ السلطات المصرية تحاكم قتلة النائب العام المصري، لكن ألا يستحق هؤلاء البائسون والواهمون نظرة شفقة منه أيضاً، وقد تجمعوا بسماحٍ وأحياناً بطلبٍ من المخابرات التركية؟! ستظل الأسئلة تتكاثر بشأن ظاهرة «داعش»، لكنْ لا بد أن يُسأل الأتراك والإيرانيون والنظامان السوري والعراقي، وهم الفرقاء الرئيسيون الذين إن لم يكونوا قد أوجدوا الظاهرة فإنهم أفادوا منها بكل سبيل. أما التداعيات الناجمة عن ظواهر الميليشيات فستظل عبئاً على العرب لآمادٍ وآماد؛ وبخاصة أنها تزداد انتشاراً رغم الهزائم والمقاتل في كل مكان.
أما مظاهرات مدينة درعا السورية فإنّ أسبابها لا تقلُّ غرابة. هؤلاء الناس متعبون، وقد قُتل نصفهم أو تهجّر. لكنّ بشار الأسد ما رثى لحالهم، وعاد لنشر تماثيله وتماثيل والده في الأنحاء، كأن شيئاً لم يحدث. الأسد يريد أن تبقى شواهد الإذلال حاضرة، والناس يفضّلون التعرض للقتل والتهجير من جديد على أن يروا تماثيل حكامهم الخالدين.
مشهد درعا إذن هو مشهد البشر الذين لا يستطيعون القبول بانتهاك إنسانيتهم بعد حياتهم. وما يحدث في العراق عكس ذلك تماماً. فالمفروض أنّ سلطات جديدة منتخبة قامت بعد الهزتين: هزة «داعش»، وهزة الأكراد. لكنّ السلطات العراقية، ومدن العراق التي تُعاني من نقص الكهرباء والماء والأعمال؛ تخضع للابتزاز الإيراني. العراق أغنى الدول العربية بالبترول، يستورد الكهرباء والمشتقات النفطية من إيران، ويشتري منها السلع بالعملة الصعبة. ويجري اغتيال كل من يرفع صوته مطالباً بالحياة الكريمة والحرة من إيران ومن الميليشيات. لماذا يحصل ذلك؟ لأنّ لإيران يداً في وصول كل منهم إلى منصبه، وللحرية والكرامة ثمن لا يريد معظم السياسيين العراقيين دفعه!
وقد عاد الرئيس الجزائري إلى بلده من المستشفى السويسري. فتخلّى عن الترشيح للعهدة الخامسة، وشكّل حكومة جديدة، وأنشأ لجنة للحوار الوطني كلّف بها الدبلوماسي المعروف الأخضر الإبراهيمي. ومع أنّ ذلك ما أرضى المتظاهرين، إنما هذه بداية واعدة يستطيع المتظاهرون الشباب الإسهام في إنجاحها ولو من طريق استمرار الضغوط في الشارع.
بيد أنّ ما حصل في الجزائر، ما حدث مثله في السودان الذي يحكمه الجنرال البشير منذ العام 1989، حيث يقول الرئيس للناس الذين في الشارع: لا وصول للسلطة من دون انتخاباتٍ بعد سنة أو أكثر، وإنه لن يترشح. إنما ما الفرق بين اليوم والغد، لماذا لا يفعل كما فعل سِوار الذهب، الذي أسقط النميري، وأجرى انتخابات وغادر السلطة. كل الوقت، ومنذ التسعينات يُجري الجنرال البشير كل الانتخابات الممكنة وغير الممكنة، وينجح فيها كلها بالطبع. فكيف سيصدق الشباب أنّ الانتخابات ستجري، وستكون حرة. إنّ الذي أخشاه مع طول مدة التوتر والتظاهر أن تقيم بعض الأقاليم النائية والثائرة أصلاً سلطاتها الخاصة بها، وتستعر الانفصاليات مثلما حدث مع جنوب السودان. وإذا استبعد أحدٌ ذلك؛ فإنّ انفصال الجنوب كان غير متصوَّر، لولا البشير والترابي وأمثالهما!
وفي لبنان قصة أُخرى. فـ«حزب الله» مسيطرٌ على القرار العسكري والسياسي والإداري. وهو متحالفٌ مع رئيس الجمهورية. وإدارة الدولة مفككة وفاسدة. ورئيس الحكومة الذي فقد معظم سلطاته بين نصر الله وعون، يأمل في استنهاض الأوضاع الاقتصادية والمعيشية من طريق القروض التي وعدت بها الدول في مؤتمر «سيدر» الباريسي. لكنّ الحزب يقول إنه ضد مؤتمر باريس، وإنّ أولويته هو وعون مكافحة الفساد. وهو وعون يذهبان إلى أنّ مكافحة الفساد ينبغي أن تبدأ من العام 1993 تاريخ تولِّي رفيق الحريري والد سعد الحريري لرئاسة الحكومة. وقد شنّ الجميع حملة على «فساد» الرئيس السنيورة الذي تولى رئاسة الحكومة بين العامين 2005 و2009؛ بينما المعروف أنّ الفساد الهائل إنما وصل إلى ذروته في العهد الحالي. ولكي يؤكدوا أنّ الفاسدين هم السنة فقط ومنذ أيام رفيق الحريري؛ فقد شنوا حملات على ستة أو سبعة وزراء وموظفين كبار كلهم من المسلمين السُّنة. ما عاد هناك طرفٌ معارض قوي لسلطة الحزب وعون غير الطرف السني. ولكي لا تتطور المعارضة، وتكتسب أبعاداً وطنية؛ فإنهم يريدون إشغال السنة بأنفسهم والدفاع عن سمعتهم، بدلاً من الالتفات إلى شرور الدويلة التي أقامتها الميليشيات، والفساد والإفساد للدستور وللحياة السياسية والاقتصادية، والذي يمارسه سياسيو الحزبيات والطائفيات المسيطرة.
وبالطبع، ليس ما ذكرته هو كل ما في العالم العربي من مشكلات. فهناك اليمن وهناك ليبيا وهناك الصومال. ولكل أزمة أو حربٍ في أي بلد أسبابها الخاصة. لكنْ: ما هو الجامعُ المشترك في كل الأزمات؟ الجامع هو الميليشيات وثقافتها المعادية للدولة والاستقرار وانتظام الحياتين الخاصة والعامة. وفي العراق وسوريا ولبنان واليمن هي الميليشيات ذات التوجه الإيراني . وهي أيضاً الميليشيات «المتأخونة» في ليبيا. ورجالات الدول وسياسيوها في هذه الأصقاع إما يعملون عند الميليشيات، وإما يخطبون ودَّها من أجل الوصول للمنصب بالتنسيق معهم. فمن أين يأتي الفَرَج ما دام حاميها حراميها، ويرضى القتيل وليس يرضى القاتل!

 

نقلًا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استرحام الذين لا يرحمون استرحام الذين لا يرحمون



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon