توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التدويل» بين المخاطر والفُرَص

  مصر اليوم -

«التدويل» بين المخاطر والفُرَص

بقلم: رضوان السيد

لا يخشى العرب، دولاً وأفراداً ومفكرين وجمهوراً، مصطلحاً وواقعاً كما يخشَون: التدويل. وهو يعني بالنسبة لهم جعل أمنهم الداخلي والخارجي في مهب تجاذبات التدخلات الدولية والإقليمية. ويرجع ذلك لأمرين: واقعة قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين بقرارٍ أُممي عام 1948. والأمر الآخر الاعتقاد أننا ضعفاء في عوالم الدول الكبرى، وأن تطلُّبَ قرارٍ دولي أو الاضطرار للخضوع له يعني استمرار المشكلة وزيادة الاضطراب، أو الارتهان له؛ فضلاً عن تهالُك إدارات الدول، والخسائر الهائلة في الإنسان والعمران.
إن هذا التوجس، وتلك الواقعة في فلسطين، غَذّا في السنوات العشر الأخيرة الأمرين معاً. إذ صَدرت عشرات القرارات الدولية بشأن مشكلاتنا نحن العرب، بما لم يعرفه العالم في أي منطقة منه على مدى عقود. ورغم نحو العشرين قراراً يختلط فيها السياسي بالإنساني؛ فإن أياً من المشكلات لم تجد حلاً. لقد كان المؤرخ البريطاني الراحل أريك هوبسباوم يقول: إن ثلثي القرارات المتخذة في مجلس الأمن لا تجد طريقها للتنفيذ.
إن الذي ينبغي النظر فيه أولاً بالنسبة للعقد الأخير؛ أن الفرقاء المتنازعين بالدواخل العربية حاولوا حلّ المشكلات فيما بينهم بالحسنى أو بالقوة وفشلوا في ذلك، فتدخلت دول الجامعة العربية وشكّلت لجاناً وأرسلت مبعوثين، وعندما لم يفد ذلك أيضاً، لجأ العرب أو الدولة المعنية أول دول كبرى لمناداة مجلس الأمن. ولكي يكونَ المقصود واضحاً فإن الدول الكبرى نفسها وفي كثيرٍ من الأحيان لا تريد الوصول إلى قرار دولي لتأثير ذلك على مصالحها أو لأنها غير معنية. لكنْ إذا جرى التوصل لقرار فإنه يكون متسماً بقدرٍ كبيرٍ من التوازُن الذي قد ينصب لصالح الاستقرار في البلد المعني. والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها القرار رقم 1701 بشأن الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» على الأرض اللبنانية بإدخال الجيش للجنوب مع القوات الدولية عام 2006، إذ قوّى الدولة اللبنانية من جهة، وأتاح لجنوب لبنان استقراراً ما عرفه منذ أواخر الستينات من القرن الماضي. وما يقال عن لبنان يقال عن سوريا والقرار رقم 2254، إذ هو يتيح للشعب السوري فسحة مشاركة وحرية من خلال دستورٍ جديد وترتيبات أُخرى للسلطة. وبالطبع فإن الجهات المتدخلة في سوريا ما ساعدت في إنفاذ القرار، لكن روسيا وهي متدخل رئيسي وجدت نفسها أخيراً بحاجة إلى نوعٍ من الاستقرار في سوريا، فعادت علناً على الأقل للتعاون في إنفاذ القرار.. في أحيانٍ كثيرة لا تنجح القرارات في تهدئة الأوضاع، لكن الأطراف الكبرى على الأقل تجد نفسها في حاجة إليها ولو بعد حين. إن أهمية القرارات الدولية أنها (وبسبب الحاجة للتصويت بمجلس الأمن) لا تفترض وجود طرفٍ منتصر وآخر مهزوم، بل تشترع للحل السياسي الذي يحضر فيه الجميع. وبالطبع ففي حالتين مثل سوريا واليمن سيجد الأسد والحوثيون أنه لا مصلحة لهم في ذلك، لأنهم يريدون البلاد لهم وحدهم، وهذا بعد الثورة السورية، وذاك بعد الثورة اليمنية.
إنه بقدر ما يمكن الحكم عليه فإن المصالح الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية والأوروبية ليست مهددة إذا حصل حل سياسي بمقتضى قرارٍ دولي في اليمن أو سوريا أو العراق أو ليبيا أو لبنان!
فمن أين يأتي التعقيد المانع للحلول إذن في حال التدويل؟ يأتي من الأطراف الأصغر أو الأطراف الإقليمية المتدخلة في بلدان الاضطراب. وفي الحالة الحاضرة للدول الأربع أو الخمس التي ذكرناها؛ فإن الصعوبات الرئيسية الحائلة دون «الحل السياسي» تأتي من جانب إيران وتركيا. وبالطبع فإن لكلٍ منهما تحالفات أو اتفاقيات أو ارتباطات مصالح مع الدول الكبرى الصانعة للقرارات في مجلس الأمن، والساعية عندما تنضج الظروف لإنفاذها. ولننظر على سبيل المثال إلى روسيا التي عملت ثلاثياً مع إيران وتركيا في الأزمة السورية. لكننا رأينا روسيا أخيراً تصطنع ثالوثاً آخر مع تركيا وقطر، وهذا فضلاً عن الرابوع غير المعلن مع إسرائيل. وما أعنيه أن للدول الكبرى مصالح مستقرة واستراتيجية، لكنْ ليست لديها تحالفات مستمرة وأبدية.
كان إردوغان خائفاً على الأمن التركي من الظهور الكردي بالداخل وعلى الحدود في سوريا والعراق. ولذلك تدخل بقوة في سوريا، وتكاثرت غارات طيرانه في العراق. لكن مشروعه (الاستراتيجي) نما إلى حدود الاصطدام مع مصر باعتباره زعيماً لمشروع الإسلام السياسي، ومع الأوروبيين لأنه يريد حصة وافية من النفط والغاز بشرق المتوسط، واعتبر تركيا دولة عظمى ترسل مرتزقة سوريين مساكين إلى ليبيا وأذربيجان، وتستطيع وهي عضو في حلف الأطلسي أن تشتري سلاحاً متطوراً من روسيا الاتحادية. كل هذه المغامرات وجهت بانسدادات بالداخل ومع الخارج توشك أن تدمر الاقتصاد التركي الذي كان مزدهراً. ولذلك يستدير إردوغان ويراجع كما يبدو، وليس لأنه تجاوز حدود القدرة فقط؛ بل ولأنه تجاوز حدود المصلحة الحقيقية.
أما القوة الإقليمية الأُخرى وأعني بها إيران، فلا يبدو أن سياساتها تجاه جهات تدخلها العربية قد تغيرت أو قابلة للتغيير في الأمد المنظور، رغم الضغوط والقرارات الدولية. إذ كل بلدٍ تدخلت فيه وتسببت في اضطرابه وتخريبه، تعتبره مجالاً حيوياً وحقاً وواجباً، ومرة باسم التشيع، ومرة باسم الاندفاع نحو البحر المتوسط، أو البحر الأحمر أو المحيط. ومرة ثالثة باسم تحرير فلسطين، ومرة رابعة من أجل إزعاج الولايات المتحدة.
بعد عشر سنواتٍ وأكثر من «التدويل» الاضطراري أو الأقلمة المهلكة، تميل الدول الكبرى ويميل جمهور الدول المعنية (مثل العراق واليمن ولبنان)، إلى استعادة الاستقرار. وتصمد في هذا الاتجاه وتتقدم بالمبادرات السلمية كل من مصر (في ليبيا) والمملكة العربية السعودية (في اليمن). وهكذا يتبلور نوعٌ آخر من «التدويل» الذي يعني الانفتاح على العرب وعلى المجتمع الدولي. ونحن اللبنانيين - والحق يقال - ما وجدْنا في «التدويل» إلا الاستقرار والحفاظ على الوحدة، واستعادة الوطن والدولة. فالذهاب إلى العرب أتى لنا باتفاق الطائف، والاستقرار وإعادة الإعمار، والتدويل الدولي حمانا من إسرائيل، وأخرجنا بالقرار الدولي رقم 1559 من السيطرة السورية، ونحن نأمل أن نخرج به (وقد بادر البطريرك الراعي إلى المطالبة به) من الانهيار الشامل الذي تسبب فيه التنظيم الإيراني المسلح الذي علّق الدستور، وعزلنا عن العرب والعالم، وحوّل شبابنا إلى مهاجرين أو زعران يسدون الطرقات!
لا خوف من التدويل اليوم، بل الخوف من البقاء معزولين وجائعين، وتحت سيطرة التنظيمات المسلحة التي تعيث فساداً فيما تبقى من عمراننا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التدويل» بين المخاطر والفُرَص «التدويل» بين المخاطر والفُرَص



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon