توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وقائع النزاع ولا سلام في لبنان!

  مصر اليوم -

وقائع النزاع ولا سلام في لبنان

بقلم - رضوان السيد

منذ عقدٍ ونيف ينشغل العرب وبعض الدوليين بالأحداث المأساوية المتلاحقة في لبنان، واللبنانيين المنقسمين على كل شيءٍ وأمر، وهم منقسمون أيضاً على مدى اهتمام العرب والعالم بهم. ففريق يقول: لو كان العرب والدوليون مهتمين بلبنان لما تركوا الحزب المسلَّح يسيطر عليه. أما الحزب وأنصاره فيذهبون إلى أنّ العرب والدوليين مهتمون، إنما ليس باستقرار لبنان وسلامه، بل ببثّ الفتنة فيه للإضرار بالمقاومة العظيمة القابعة على أنفاسه وأنفاس العرب أجمعين!
وبغضّ النظر عن صحة هذه الوجهة أو تلك؛ فالذي يجري على الأرض، يشير إلى أنّ كل أيدي الفرقة والانقسام بل إطلاق النار هي أيدٍ لبنانية. وأكاد أجزم أنّ الدوافع الظاهرة على الأقلّ هي أيضاً لبنانية المنشأ. فسيطرة الحزب المسلّح على الأرض والمرافق وفي المؤسسات الدستورية (رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب، ورئاسة الحكومة) ما جلبت أمناً ولا استقراراً ولا سعة في العيش، ولا علاقات حسنة بالجوار والعالم!
لقد استطاع الحزب المسلَّح أن يعزل لبنان عن العالم دونما اعتراضٍ كبيرٍ على ذلك من الخارج القريب والبعيد. إنما على وقع الأحداث المتسارعة خلال سنوات عون الخمس في القصر الجمهوري، بدا الحزب المسلَّح أخيراً شديد القلق. فهو صاحب اليد العليا في النظام، ما استطاع إيقاف الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي رغم «القرض الحسن» والبواخر الإيرانية. بل إنه ما استطاع طوال نحو العام ونصف العام إقناع رئيس الجمهورية بالسماح بتشكيل حكومة، يمكن أن توضع على كاهلها المسؤوليات أو بعضها عن التعثر والتصدع ومآسي الموطنين. وهكذا فقد تسلل للمواطنين الاعتقاد أنّ الحزب والعونيين أرادوا الحلول محلّ الدولة وأنهم فشلوا في ذلك، بل إنهم إلى جانب بقية الطبقة السياسية هم الذين دأبوا على استصفاء موارد الدولة الناضبة، وحلُّوا محلَّها في الاستيلاء على المرافق التي ما عادت مداخيلها تصب في الخزينة بل في جيوبهم. وقد بدأ هذا الإدراك الشعبي لما يجري عندما انهارت الليرة، وندرت المحروقات والأدوية والأغذية، ثم بدأ رفع الدعم عنها فأُضيف إلى الندرة الغلاء الفاحش الذي لا يستطيع تحمل تكلفته معظم اللبنانيين. كانت الدولة اللبنانية إذن دولة اجتماعية، تتحمل مع المواطنين؛ لكنّ قدراتها سُلبت فانكشف السالبون بالانهيار الحاصل.
ولذلك، وفي أحداث ثورة تشرين قبل عامين، سيطر شعار «كلُّن يعني كلّن»، أي السياسيون المتحكمون في الموارد والسالبون لها. ولهذا، فإنّ الحزب (بل الثنائي الشيعي) والعونيين كانوا أشدّ المواجهين لحركة التغيير السالفة تلك، باعتبار أنهم هم المقصودون بسخط الناس وكراهيتهم.
وجاء وباء «كورونا» الذي أحدث ضيقاً شديداً وسط الانهيار، ثم جاء تفجير المرفأ الأسطوري ليقلب الموازين تماماً. وبالفعل، فإنّ هذه الضغوط الثلاثة التي لا ينفع فيها استخدام السلاح كما كان الحزب يفعل خلال تشكيل الحكومات، أخرجت الحزب عن طوره. صار الحزب ينفق على محازيبه وأنصاره بالدولار رغم أن زعيم الحزب قال إنه يريد كسر الدولار(!)، وتصدى للمتظاهرين بشعارات المجموعات الصارخة؛ شيعة شيعة، وفتح سوبرماركات لبيع السلع بأسعار مخفضة، واستورد الأدوية من إيران وسوريا وأخيراً المازوت! وما غطّت هذه الإجراءات شيئاً، حتى لدى جمهوره. لكنه وهو يقوم بذلك كلّه، وجد أن التحقيقات في جريمة تفجير المرفأ تتجه ضدّه (!) فمن الذي جلب نترات الأمونيوم، ومن أنزلها من السفينة المتهالكة، ومن خزّنها 7 سنوات بالمرفأ حيث جرى تهريب ثلثيها إلى سوريا لصنع البراميل المتفجرة، وأخيراً من الذي فجّر الكمية المتبقية؟! لقد كان معروفاً أن الحزب يسيطر على المرفأ والمطار والمعابر مع سوريا، وأنّ الموظفين الكبار بالمرفقين معظمهم عونيون وأمليون ومن أنصار الحزب. وقد اعتُقل معظم الموظفين، لكنّ القاضي البيطار اتجه للسياسيين مباشرة وترك الموظفين ربما إلى أجلٍ لاحق. ووزع أوامر وقرارات بالجلب والإحضار والقبض على عدة وزراء سابقين، وعلى رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، وهو بالطبع «شاهد ماشفش حاجة» (!)
ولا بد من استباق ردة الفعل الهائجة من جانب زعيم الحزب، بملاحظة أن وسائل الإعلام والسياسيين المسيحيين، وعلى رأسهم الدكتور جعجع قائد القوات اللبنانية، استطاعوا خلال أشهر جعل ملفّ التفجير ملفاً مسيحياً شبه خالص، كما جعلوا من القاضي البيطار بطلاً للعدالة والاستقامة، فصار المقتولون مسيحيين، أما الذين استدعاهم البيطار بتهمة ارتكاب الجريمة فمعظمهم مسلمون!
المهم طالب زعيم الحزب بإقصاء البيطار في خطابات متوالية. وعندما لم تجرِ الاستجابة للمطلب، نقل الأمر إلى مجلس الوزراء فتوقفت اجتماعاته، ثم إلى الشارع في مظاهراتٍ شعبية يقوم بها أنصار الثنائي الشيعي، وتخترق أحياء بيروت المسيحية وصولاً إلى قصر العدل. وما كانت تلك هي المرة الأولى التي تتحرش خلالها مجموعات شيعة، شيعة، بالأحياء المسيحية المحاذية للأحياء الشيعية بشرق المدينة وشمالها. ولذلك كانت الأمزجة فائرة، والفريقان على سلاحهما، فانصبّ الرصاص على المتوغلين وقُتل منهم 7، وجُرح عشرات.
في الرأي العام، بدا القاضي البيطار منتقماً للضحايا المسيحيين. أما حامي المسيحيين، حياة وكرامة وممتلكات، فيتصدى لذلك، الدكتور جعجع. وأكبر الخاسرين الرئيس وصهره حليفا «حزب الله» منذ 15 عاماً. وقد أيدا الحزب في كل حروبه، ومنها احتلال غرب بيروت عام 2008. وهكذا فإنّ نصر الله الذي خسر السنة بقتل الحريري واحتلال بيروت، خسر المسيحيين الآن نهائياً.
ظهرت الراديكاليتان المسيحية والشيعية في لبنان في السبعينات. فأما الراديكالية الشيعية السياسية والمسلحة فاستمرت في النمو والازدهار والتشعب حتى صارت عالمية. وأما الراديكالية المسيحية فانكسرت على وقع الصراع بين عون وجعجع منذ الثمانينات والإجماع العربي والدولي على إنهاء الحرب. ثم لاذَ عون بعد 20 عاماً بنصر الله وراديكاليته إبّان تعملقها، وراح يستصفي بمعاونته «حقوق» المسيحيين من السنة. وما تخرب هذا «التحالف» إلا عندما سقطت الدولة وأحس المسيحيون بالخسارة العظمى نتيجة الخضوع لعون وباسيل، ومن ورائهما نصر الله. جعجع اغتنم فرصة المرارات المسيحية فعادت الراديكالية المسيحية (المسلَّحة) للظهور، وبدأت بالقتل مثل الراديكالية الأخرى، وإلا فكيف تكون الحماية؟!
لا بقاء مع الراديكاليات، ولا سلام في لبنان معها، وهو الأمر الذي أثبته نصر الله عندما قال مساء الاثنين في 18 - 10 - 2021 إن عنده 100 ألف مقاتل! نعم، الدم يستسقي الدم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وقائع النزاع ولا سلام في لبنان وقائع النزاع ولا سلام في لبنان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon