توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الميليشيات والداء الذي لا مخرج منه!

  مصر اليوم -

الميليشيات والداء الذي لا مخرج منه

بقلم: رضوان السيد

عندما احتلّت ميليشيا الحزب المسلَّح بيروت عام 2008 قال مسؤولٌ أمني كبير في دولة خليجية: هذا حدثٌ تقشعرُّ له الأبدان! إذ هذه هي المرة الثانية التي يجري فيها احتلال العاصمة اللبنانية؛ أما في المرة الأولى فإنّ الجيش الإسرائيلي كان هو الذي احتلّ بيروت. ومنذ ذلك الحين (2008) لا يزال الحزب المسلَّح مسيطراً ليس على بيروت فقط بل على كل لبنان! وما جرى على بيروت يجري مثله في العراق منذ عام 2010 وفي ليبيا منذ عام 2012. وهناك فروقٌ بالطبع لكنها ليست جوهرية، إذ تسيطر في لبنان ميليشيا واحدة، أما في العراق وليبيا فتسيطر عشرات الميليشيات. وفي الدول الثلاث حكومات لا تزال قائمة؛ بل إنّ في ليبيا حكومتين لا واحدة، وظل الجيش موحداً في العراق ولبنان، أما في ليبيا فصار هناك جيشان والعياذ بالله. وليس من المفيد الاستمرار في ذكر الفروق لأنّ ذلك لا يغيّر شيئاً في الواقع. فالميليشيات هي الحاكمة والسياسيون في الحكومات والرئاسات يعملون عندها. بل وفي الدول الثلاث للميليشيات ثم للسياسيين قوى خارجية تساندها وتدافع عنها. وفي الدول الثلاث حصلت انتفاضات شعبية للخلاص، لكنّ الميليشيات أخمدتْها وظلّ الوضع كما كان عليه حتى بعد انتخاباتٍ امتلكت مطامح تغييرية في كلٍ من لبنان والعراق! وقد يعرض السؤال ماذا يفعل الجيش المفروض أنه مع سلطة الدول؟ والجواب أنّ الجيش في ليبيا حاول ضرب الميليشيات لكنه عجز عن ذلك؛ في حين لم يحاول الجيش في العراق ولبنان تحدّي الميليشيات القوية الإيرانية التنظيم والتسليح والإمداد.
يشتعل الوضع في كلٍ من ليبيا والعراق الآن، ويسقط عشرات القتلى من الأطراف المتصارعة. وقد حاولت هذه المرة حكومة شرق ليبيا التي شكّلها البرلمان اللاجئ بالشرق الاستيلاء على العاصمة طرابلس عن طريق ميليشيا بالغرب الليبي أيضاً، لكنّ الميليشيات الأخرى بالعاصمة صدّتْها، فأعلن رئيس حكومة الوحدة (تأمَّلوا: الوحدة!) بطرابلس الغرب هزيمة الانقلاب! أما في العراق فإنّ المشكلة أكثر تعقيداً لأنّ مقتدى الصدر المنتصر في الانتخابات الذي عجز عن تشكيل حكومة أغلبية (مع السنة والأكراد) سحب نوابه من البرلمان، ثم دفع جماهير التيار لاحتلال البرلمان، والعبث في المنطقة الخضراء، فأجابه خصومه إيرانيو الهوى من الإطار التنسيقي بحشد جماهيرهم في مقابل جمهوره. ثم تبين فجأة أنّ الصدر ليس حراً أيضاً في مواجهة نظام الملالي، إذ إنّ مرجعه الديني السيد كاظم الحائري الإيراني أعلن عن خضوعه لولاية المرشد الأعلى علي خامنئي والتخلّي عن الصدر الذي فاجأ خصومه وحلفاءه باعتزال العمل السياسي نهائياً (!). وعندما اشتدّ غضب جمهوره واستولى على مقر رئاسة الحكومة بالمنطقة الخضراء واجهه مسلّحو الإطار التنسيقي بالرصاص كما واجهوا الثوار الشباب عام 2019، وبعد تبادلاتٍ كثيفة بالنيران سقط بنتيجتها عشرات القتلى (أكثرهم من أتباع الصدر) طلب الصدر كما طلب خصومه من أتباعهم الانسحاب من المنطقة الخضراء ومن الشارع! لقد كان المطلوب للعراق النجاح في تشكيل حكومة توافقية أو أكثرية، أما الآن فصار المطلوب منع الحرب الأهلية بين الشيعة الحاكمين بالبلاد منذ الاحتلال الأميركي عام 2003!
ماذا تفيد هذه التفاصيل؟ المقصود بها التوصل إلى استنتاج عدة أمور؛ أولها أنّ الميليشيات حيثما حلّت تمنع قيام الدولة. فالسلطة (الشرعية) بحسب ماكس فيبر (1864 - 1920) تملك وحدها حقَّ الإرغام، أي استخدام العنف من أجل فرض النظام، إنما عندما تتعدد السلطات أو تتعدد الجهات التي تحمل السلاح، فلا يبقى هناك مجالٌ للتفكير في دولة أو سلطة واحدة على الجميع. وثاني تلك الأمور أنه في كلا البلدين (بل وفي لبنان وسوريا واليمن!) هناك تدخلات خارجية إقليمية ودولية. والمتدخلون (مثل الإيرانيين والأتراك والروس والأميركان) ليسوا بنفس القدرة على التأثير بالداخل، لكنْ حتى أضعفهم يستطيع الحيلولة دون الاستقرار، ودون استتباب الأمر لطرفٍ واحد. فحتى «داعش» الذي انهزم عام 2018 ولم يعد له داعمون لا يزال يقوم بهجماتٍ في العراق وسوريا؛ فكيف بالأطراف المسلَّحة أو السياسية التابعة لقوى إقليمية أو دولية تصرُّ كلٌّ منها على الاحتفاظ بمناطق نفوذها وبخاصة في البلدين العربيين الغنيين بالبترول؟! وثالث تلك الأمور أنّ القوى الدولية اليوم منقسمة على حدّ السيف، وكذلك الإقليمية التي تريد الإفادة من تلك الانقسامات. وما آن الأوان بعد والصراعات جارية للجلوس إلى طاولة للتفاوض. وخلال ذلك تجد القوى السياسية والميليشياوية في البلدين، أنّ كثافة تحركاتها تعطيها الأمل في أن تظلَّ فاعلة ومؤثرة عندما يئين أوان الحلول، وبخاصة أنّ أي حلٍ يظلُّ غير ممكن إن لم يقترن بإزالة الميليشيات أو نزع سلاحها. وقد قام اللبنانيون بحلّ الميليشيات في نهاية الحرب الداخلية، لكنهم أُرغموا على الإبقاء على سلاح «حزب الله»، بحجة أنه يقاتل إسرائيل لتحرير الأرض؛ لكنّ الحزب المسلَّح الذي لم يحرر أرضاً سُرعان ما احتلّ بيروت، باعتبار أنّ الاستيلاء على السلطة بالداخل أسهل من التحرير بكثير! والأمر الرابع أنه في البلدان المضطربة منذ عقدٍ أو عقدين، ما أمكن قيام حياة سياسية وتكوُّن سياسيين طبيعيين، والسياسيون الذين تكوَّنوا هم من قادة الميليشيات أو من رجال الأعمال المتحالفين معهم والمعروفين من جانب القوى الإقليمية والدولية، وهؤلاء لا يميلون إلى الإصغاء حتى لنتائج الانتخابات إنْ جرت. والأمر الخامس والأخير أنه في الأزمات التي كانت تحدث في بعض الدول العربية فإنّ العرب الكبار كانوا يتدخلون للوساطة. وقد فعلوا ذلك في لبنان وسوريا وليبيا واليمن. إنما بسبب طول الأزمات والتدخلات الكبرى من الخارج مثل الغزو الأميركي للعراق، والتدخلات الإيرانية والروسية والتركية في سوريا، ضعُف دور الوسيط العربي حتى كاد ينعدم؛ وهذا علاوة على العداء للعرب الذي يشيع في الأوساط التي تدعمها إيران في عددٍ من دول الاضطراب!
لقد كانت الجامعة العربية حامياً أو وسيطاً، وكان النظام الدولي حامياً أو وسيطاً. واليوم يشتد الصراع بين أطراف النظام الدولي، ويقتصر تدخل العرب الكبار على ما يحفظ أمنهم القومي المباشر. ولذلك تتكاثر النداءات العربية والدولية للأطراف المتنازعين أن يلقوا السلاح ويتحاوروا ويصونوا بلدانهم من القتل والدمار والانقسام، لكنْ لا حياة لمن تُنادي.
وهناك ملاحظة أخيرة وهي استخدام أطراف وجهات السلاح للغة الدينية بكثافة. وهي لغة تصعّد النزاعات، لأنّ الجميع يدّعون العقائدية ويعلنون عن عدم التنازُل. وقد أظهرت الانتفاضات الشعبية في عدة بلدانٍ عربية أنّ هذه اللغة صارت ممجوجة وكاذبة. إنما كيف يتصرف المتصرفون مع أُناسٍ حجتهم الأبرز الرشاشات ولا يجلسون على الطاولة إلا مع أمثالهم لتقاسم الغنائم.
لا بديل عن الدولة الوطنية بمواصفاتها المعروفة عربياً وعالمياً. لكن كيف يتجدد أملٌ بالدولة والمسلَّحون المُعادون لها هم المتحكمون؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الميليشيات والداء الذي لا مخرج منه الميليشيات والداء الذي لا مخرج منه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon