توقيت القاهرة المحلي 18:19:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما بعد الاستشراق.. بين العلمي والاستراتيجي

  مصر اليوم -

ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي

بقلم - رضوان السيد

خلال السنوات العشر الماضية تابعت جدالاً حامياً يدور بين المستشرقين الجدد والدارسين الجدد في الجامعات الأميركية، وموضوعه ماهية وهوية تخصص الدراسات الإسلامية. وقد نشرتُ مراجعةً نقديةً لوقائع الجدال بمجلة «التفاهم» العُمانية عام 2018 وأُخرى بكتابٍ صدر عن أعمال المؤتمر الذي أقامه «كرسي الشيخ زايد للدراسات العربية الإسلامية» بالجامعة الأميركية ببيروت عام 2019 بعنوان: «نحو إعادة بناء الدراسات الإسلامية». أما المراجعتان الثالثة والرابعة فلقد نشرتهما بمجلة: «قراءات في كتبٍ جديدة»، التي صدر عددها الأول في شهر أغسطس عام 2022 عن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.
يدور الجدال «الأكاديمي» هذا بين حوالي العشرين أستاذاً في أقسام الدين والتاريخ والعلوم الاجتماعية والشرق أوسطية، والعربية – الإسلامية. ويظهر من محاضرات الدارسين الجدالية أنّ لها أربعة أهداف بعضها علمي/ أكاديمي، وبعضها الآخر سياسي واستراتيجي، وهي: الأصول العلمية للدراسات عن الإسلام وما هي مصادرها وطرائقها البحثية، ولماذا ما تزال تُعطى في أقسام خاصة، وليس مع دراسات الأديان الأخرى.
والهدف الثاني: تفكيك ماهيات تلك الدراسات عبر مائةٍ وخمسين عاماً، وهل كانت لها مناهج ضمن ما صار يُعرف بالاستشراق، وهل ما تزال تلك المناهج والطرائق صالحةً في الأزمنة الجديدة. والهدف أو السؤال الثالث: الأزمة التي تعرضت لها دراسات الإسلام في زمن تصاعد الأصوليات وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 وما قبلها بعشرين أو ثلاثين عاماً. والهدف أو السؤال الرابع: ماذا تعني تلك الدراسات لأميركا وفي أميركا والعالم الغربي اليوم.
وبالطبع فإنّ الذي أثار تلك الجداليات في السنوات العشر الأخيرة كثافة البحوث الجديدة عن الإسلام ومواريثه ومظاهره في التاريخ والحاضر. فما عاد أحدٌ يجادل في تاريخية العلوم الإسلامية، وتأثيراتها على أوروبا في عصر النهضة وما بعد في العلوم البحتة والتطبيقية. بل يدور الجدال على الهويات الفكرية والدينية للإسلام أو الثقافة الإسلامية في التاريخ والحاضر. القائمون على الدراسات الجديدة معظمهم عربٌ ومسلمون درسوا في أوروبا وأميركا وصاروا أساتذةً في جامعات أميركا وكندا.
وهؤلاء يترسمون ميدانين أو مجالين: مجال التاريخ الثقافي الذي تظهر فيه مخطوطات قديمة جرى اكتشافها أو إعادة قراءتها وتؤدي إلى تصورات جديدة للتاريخ الثقافي الإسلامي تخالف التصورات الاستاتيكية للمستشرقين القدامى وتناقض التصورات التي انتهجها «المراجعون الجدد» المشككون في أصول الإسلام، وفي ثقافته أو ثقافاته في قرونه الأولى. أما المجال الثاني فهو دراسات الإسلام المعاصر والذي يعيد النظر في التيارات والشخصيات في عالم الإسلام في القرنين الأخيرين، وصولاً إلى قراءاتٍ أُخرى للظواهر الليبرالية والأخرى المتشددة.
أما الذين دخلوا في جدالات مع التيارات الجديدة هذه فيشككون في علمية تلك الدراسات، ويعتبرون أنها ليست أكثر من ثنائياتٍ على الإسلام قديمه وحديثه بما يؤدي إلى تبرير للأصوليات، وتجاهل لتأزماته وجنايات ناسه العنيفين على الولايات المتحدة والعالم الغربي والعالم بعامة! وهم يعللون ذلك بأن الدارسين الجدد متأثرون بكونهم مسلمين، وما يزالون يتحدثون بلغة إدوارد سعيد والآن وائل حلاّق! ويجادلهم الدارسون الجدد بأنه لا شيء من ذلك صحيح، لكنْ من حقهم كما كان من حق «المراجعين الجدد» أن يقوموا ببحوثهم العلمية المستقلة التي تتحدى المسلَّمات القديمة والجديدة.
ما حقيقة الأمر في وقائع تلك الجداليات، وهل هو استشراقٌ جديدٌ من الطرفين أو الأطراف؟ الملاحَظ أولاً أنّ المتجادلين ينتهجون طرائق مختلفة تنهل من العلوم الاجتماعية وعلوم نقد النص والعلوم الإنسانية بعامة، وهو الأمر الذي ما كان السابقون يفعلونه أو يؤمنون به. بينما ينصرف بعض خصوم تلك الدراسات إلى سلوك الجانب الاستراتيجي، ويضعون في اعتبارهم تقلبات السياسة الأميركية في علائقها المعاصرة بالعرب والمسلمين.
والدارسون المسلمون لا ينكرون المعرفة بوقائع العصر وعلائقه، لكنهم لا يفهمون كيف يؤثر ذلك سلباً أو إيجاباً على قراءتهم لنصٍ قديمٍ أو واقعة حاضرة. هم يعتبرون الأصوليات انشقاقاً في الإسلام، ويدرسون الظاهرة أو الظواهر من هذا المنظار، الذي من المفروض أن لا يزعج الساخطين على الإرهاب.
وهذا إلاّ إذا كان غضب هؤلاء منصباً على الإسلام نفسه قديماً وحديثاً. ثم إنّ النقد الذي يوجهه الدارسون الجدد للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي، هدفه تحسين العلاقات بين أميركا والمسلمين من طريق طرح أفكارٍ جديدةٍ مع ملاحظة أنّ كثيرين من الدارسين الجدد ليسوا من العرب أو المسلمين. بيد أنّ كثيرين ممن يقرأون التاريخ الثقافي الإسلامي القديم يذهبون إلى أنه لا علاقة لدراساتهم بمجريات السياسات المعاصرة سلباً أو إيجاباً بل هو استخدام لمناهج غربية في العلوم الاجتماعية والإنسانية يجدونها الأكثر ملاءمةً لتفسير النصوص المدروسة قديماً أو غير المدروسة بوجهات نظر أخرى.
هل تكون الجدالات الجارية مثمرةً في هذا المجال أو ذاك من الناحية العلمية؟ عشرات الكتب صدرت أو ما تزال تصدر وقد لا تكون لها نتائج مباشرة في الجامعات الأميركية والأوروبية. لكنّ حقل الدراسات الإسلامية في العالم العربي يعاني بالفعل من مشكلاتٍ عديدة وأرى أنّ متابعة تلك الجدالات مفيدةٌ في مواجهة قضايا الفهم والتجديد والتغيير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon