توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما بعد الاستشراق.. بين العلمي والاستراتيجي

  مصر اليوم -

ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي

بقلم - رضوان السيد

خلال السنوات العشر الماضية تابعت جدالاً حامياً يدور بين المستشرقين الجدد والدارسين الجدد في الجامعات الأميركية، وموضوعه ماهية وهوية تخصص الدراسات الإسلامية. وقد نشرتُ مراجعةً نقديةً لوقائع الجدال بمجلة «التفاهم» العُمانية عام 2018 وأُخرى بكتابٍ صدر عن أعمال المؤتمر الذي أقامه «كرسي الشيخ زايد للدراسات العربية الإسلامية» بالجامعة الأميركية ببيروت عام 2019 بعنوان: «نحو إعادة بناء الدراسات الإسلامية». أما المراجعتان الثالثة والرابعة فلقد نشرتهما بمجلة: «قراءات في كتبٍ جديدة»، التي صدر عددها الأول في شهر أغسطس عام 2022 عن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.
يدور الجدال «الأكاديمي» هذا بين حوالي العشرين أستاذاً في أقسام الدين والتاريخ والعلوم الاجتماعية والشرق أوسطية، والعربية – الإسلامية. ويظهر من محاضرات الدارسين الجدالية أنّ لها أربعة أهداف بعضها علمي/ أكاديمي، وبعضها الآخر سياسي واستراتيجي، وهي: الأصول العلمية للدراسات عن الإسلام وما هي مصادرها وطرائقها البحثية، ولماذا ما تزال تُعطى في أقسام خاصة، وليس مع دراسات الأديان الأخرى.
والهدف الثاني: تفكيك ماهيات تلك الدراسات عبر مائةٍ وخمسين عاماً، وهل كانت لها مناهج ضمن ما صار يُعرف بالاستشراق، وهل ما تزال تلك المناهج والطرائق صالحةً في الأزمنة الجديدة. والهدف أو السؤال الثالث: الأزمة التي تعرضت لها دراسات الإسلام في زمن تصاعد الأصوليات وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 وما قبلها بعشرين أو ثلاثين عاماً. والهدف أو السؤال الرابع: ماذا تعني تلك الدراسات لأميركا وفي أميركا والعالم الغربي اليوم.
وبالطبع فإنّ الذي أثار تلك الجداليات في السنوات العشر الأخيرة كثافة البحوث الجديدة عن الإسلام ومواريثه ومظاهره في التاريخ والحاضر. فما عاد أحدٌ يجادل في تاريخية العلوم الإسلامية، وتأثيراتها على أوروبا في عصر النهضة وما بعد في العلوم البحتة والتطبيقية. بل يدور الجدال على الهويات الفكرية والدينية للإسلام أو الثقافة الإسلامية في التاريخ والحاضر. القائمون على الدراسات الجديدة معظمهم عربٌ ومسلمون درسوا في أوروبا وأميركا وصاروا أساتذةً في جامعات أميركا وكندا.
وهؤلاء يترسمون ميدانين أو مجالين: مجال التاريخ الثقافي الذي تظهر فيه مخطوطات قديمة جرى اكتشافها أو إعادة قراءتها وتؤدي إلى تصورات جديدة للتاريخ الثقافي الإسلامي تخالف التصورات الاستاتيكية للمستشرقين القدامى وتناقض التصورات التي انتهجها «المراجعون الجدد» المشككون في أصول الإسلام، وفي ثقافته أو ثقافاته في قرونه الأولى. أما المجال الثاني فهو دراسات الإسلام المعاصر والذي يعيد النظر في التيارات والشخصيات في عالم الإسلام في القرنين الأخيرين، وصولاً إلى قراءاتٍ أُخرى للظواهر الليبرالية والأخرى المتشددة.
أما الذين دخلوا في جدالات مع التيارات الجديدة هذه فيشككون في علمية تلك الدراسات، ويعتبرون أنها ليست أكثر من ثنائياتٍ على الإسلام قديمه وحديثه بما يؤدي إلى تبرير للأصوليات، وتجاهل لتأزماته وجنايات ناسه العنيفين على الولايات المتحدة والعالم الغربي والعالم بعامة! وهم يعللون ذلك بأن الدارسين الجدد متأثرون بكونهم مسلمين، وما يزالون يتحدثون بلغة إدوارد سعيد والآن وائل حلاّق! ويجادلهم الدارسون الجدد بأنه لا شيء من ذلك صحيح، لكنْ من حقهم كما كان من حق «المراجعين الجدد» أن يقوموا ببحوثهم العلمية المستقلة التي تتحدى المسلَّمات القديمة والجديدة.
ما حقيقة الأمر في وقائع تلك الجداليات، وهل هو استشراقٌ جديدٌ من الطرفين أو الأطراف؟ الملاحَظ أولاً أنّ المتجادلين ينتهجون طرائق مختلفة تنهل من العلوم الاجتماعية وعلوم نقد النص والعلوم الإنسانية بعامة، وهو الأمر الذي ما كان السابقون يفعلونه أو يؤمنون به. بينما ينصرف بعض خصوم تلك الدراسات إلى سلوك الجانب الاستراتيجي، ويضعون في اعتبارهم تقلبات السياسة الأميركية في علائقها المعاصرة بالعرب والمسلمين.
والدارسون المسلمون لا ينكرون المعرفة بوقائع العصر وعلائقه، لكنهم لا يفهمون كيف يؤثر ذلك سلباً أو إيجاباً على قراءتهم لنصٍ قديمٍ أو واقعة حاضرة. هم يعتبرون الأصوليات انشقاقاً في الإسلام، ويدرسون الظاهرة أو الظواهر من هذا المنظار، الذي من المفروض أن لا يزعج الساخطين على الإرهاب.
وهذا إلاّ إذا كان غضب هؤلاء منصباً على الإسلام نفسه قديماً وحديثاً. ثم إنّ النقد الذي يوجهه الدارسون الجدد للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي، هدفه تحسين العلاقات بين أميركا والمسلمين من طريق طرح أفكارٍ جديدةٍ مع ملاحظة أنّ كثيرين من الدارسين الجدد ليسوا من العرب أو المسلمين. بيد أنّ كثيرين ممن يقرأون التاريخ الثقافي الإسلامي القديم يذهبون إلى أنه لا علاقة لدراساتهم بمجريات السياسات المعاصرة سلباً أو إيجاباً بل هو استخدام لمناهج غربية في العلوم الاجتماعية والإنسانية يجدونها الأكثر ملاءمةً لتفسير النصوص المدروسة قديماً أو غير المدروسة بوجهات نظر أخرى.
هل تكون الجدالات الجارية مثمرةً في هذا المجال أو ذاك من الناحية العلمية؟ عشرات الكتب صدرت أو ما تزال تصدر وقد لا تكون لها نتائج مباشرة في الجامعات الأميركية والأوروبية. لكنّ حقل الدراسات الإسلامية في العالم العربي يعاني بالفعل من مشكلاتٍ عديدة وأرى أنّ متابعة تلك الجدالات مفيدةٌ في مواجهة قضايا الفهم والتجديد والتغيير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon