توقيت القاهرة المحلي 21:39:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان ومسؤولوه وشرعياته!

  مصر اليوم -

لبنان ومسؤولوه وشرعياته

بقلم : رضوان السيد

بعد الهجمات التي وجهتها إيران إلى المملكة العربية السعودية مباشرة أو من خلال ميليشياتها المنتشرة في الدول العربية، خرج الأمين العام لـ«حزب الله» في ضاحية بيروت، وفي خطاباتٍ متلاحقة مُهاجماً المملكة، وزاعماً أنه انتصر عليها، وقائلاً إنّ إيران ستدمرها مع دولة الإمارات، أما هو نفسه فيعتبر أنه جندي في جيش الولي الفقيه، والولي هذا هو حسين العصر... إلى آخر معزوفته المتكررة من سنوات. ولأنّ صحيفة «نداء الوطن» التي تصدر ببيروت عنونت على أثر خطاب نصر الله الأخير: أهلاً بكم في جمهورية خامنئي! فقد حوَّلها المدعي العام إلى محكمة المطبوعات، بحجة أنها أهانت وأساءت إلى العلاقات مع الجمهورية الشقيقة! أما هجمات إيران على المملكة، وأما هجمات زعيم الحزب على المملكة، فما أجاب عنها أحد. وحتى رئيس الحكومة الذي استنكر الهجوم الأخير على المنشآت البترولية السعودية؛ فإنه لم يذكر المُهاجم، الذي ذكره الجميع بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي. وعندما وصل الأمر إلى وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، قال دون تردد: ما دمنا لا نُدين أفعال السعودية باليمن؛ فإننا لا يصح أن نُدين الاعتداءات على السعودية! ولا يكون علينا أن نستعجب من هذا العذر الذي هو أقبح من ذنب، فموقف باسيل معروف من سنوات عندما رفض استنكار الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية بإيران، ووقتها بحجة النأي بالنفس!
يستند النظام اللبناني تقليدياً إلى شرعياتٍ ثلاث: الشرعية الوطنية، القائمة على الطائف والدستور، والشرعية العربية، القائمة على توقيع لبنان منذ استقلاله على ميثاق الجامعة العربية، والتزامه بالإجماع العربي، وإفادته من نظام المصلحة العربية. ومن ضمن ذلك عمل مئات الآلاف من اللبنانيين بالمملكة ودول الخليج الأُخرى، وقيام المملكة بالذات بإعادة إعمار لبنان وبخاصة جنوبه بعد حرب عام 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل. أما الشرعية الثالثة، فتقوم على أن لبنان منذ استقلاله أيضاً عضوٌ في الأمم المتحدة، وأن هناك عدة قرارات دولية صدرت لمصلحة لبنان وأمنه وحمايته، ومنها القرار رقم 1559 الذي يمنع وجود جيوش أجنبية أو ميليشيات مسلحة على أرضه، والقرار 1701 المتخذ عام 2006 والذي أعاد الجيش اللبناني إلى جنوب البلاد، تعاونه في حماية الحدود مع فلسطين المحتلة قوات دولية، ويحظر وجود قوى مسلحة جنوب نهر الليطاني غير الجيش اللبناني والقوات الدولية.
في عهد الرئيس ميشال عون الذي بدأ في عام 2016 جرى الإخلال بشدة بالشرعيات الثلاث. أما الشرعية الوطنية؛ فإنّ الجنرال منذ عام 1989 - 1990 أعلن دائماً أنه ضد الطائف والدستور الذي اعتبره مخلاً بصلاحيات رئاسة الجمهورية وحقوق المسيحيين. وما تغير موقفه عملياً حتى بعد انتخابه رئيساً على أساس الدستور القائم. فقد تغوَّل الرئيس وصهره وزير الخارجية على صلاحيات رئيس الحكومة الذي هو رسمياً رئيس السلطة الإجرائية. وتجلَّى ذلك في انعقاد مجلس الوزراء الذي صار رئيس الجمهورية يترأسه دائماً تقريباً. كما تجلى في التعيينات القضائية والدبلوماسية والإدارية. ففي الدستور تخضع وظائف الفئة الأولى فقط للمناصفة. لكنّ الرئيس وباسيل مصران على أنّ كل وظائف الدولة ينبغي أن تكونَ مناصفة بين المسيحيين والمسلمين حتى وظائف الفئتين الرابعة والخامسة! ولأنّ المباريات التي يُجريها مجلس الخدمة المدنية لا يشكّل الناجحون من المسيحيين النصف فيها دائماً؛ فإنّ مئات الناجحين من المسلمين لم يُعينوا من سنوات، لأنّ الرئيس يرفض التوقيع عليها إلى جانب الوزير المختص ورئيس الحكومة! وهناك قطاعات مثل الدبلوماسيين وكُتاب العدل وطلاب كلية الطب بالجامعة اللبنانية، يكون الناجحون فيها غالباً أكثريتهم مسيحية؛ وهؤلاء يعيَّنون دائماً دون اعتراضٍ من أحد. وقد أدى ذلك خلال نحو السنوات الثلاث من عهد الرئيس إلى إعادة تشكيل سائر مناصب الدولة من التيار الوطني الحر، حتى دونما مُراعاة لشروط الكفاءة، وحتى اشتد التذمر من جانب القوى المسيحية الأُخرى مثل الدكتور جعجع وسليمان فرنجية وأخيراً وليد جنبلاط. وإلى ذلك أشار باسيل عندما قال مرة بضرورة تعديل الدستور بالممارسة إن لم يكن تعديل نصّه ممكناً. وإلى ذلك أشار عندما قال في ندوة: إنّ السُنة أكلوا حقوق المسيحيين وهو يريد استعادتها! وقد حوَّل رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب المادة 95 من الدستور والمعنية بالمناصفة لإعادة تفسيرها!
أما شرعية لبنان العربية فقد تصدعت لإصرار الرئيس وصهره على اتباع سياسات ضد العرب مدفوعين بالتحالف مع «حزب الله»، ومع نظام بشار الأسد. وهو الأمر الذي يبدو في كل التصريحات وكل التصرفات.
وجاء الإخلال الأكبر بالشرعية الدولية للبنان. فوجود ميليشيا «حزب الله» وسيطرتها على المرافق والمؤسسات، ووجود قواعد لسلاحها في جنوب لبنان على مقربة من الحدود، كل ذلك مخالفٌ للقرارين الدوليين رقم 1559 و1701. وقد قال ذلك الدوليون في نقاشاتهم قبل شهرين عند التجديد السنوي للقوات الدولية. وإذا نظرنا في تصريحات رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية، وحتى رئيس الحكومة، نجد لأول مرة منذ عام 2006 إقراراً من جانب المسؤولين بشرعية سلاح الحزب وإقراراً بكل دعاويه. فالرئيس يقول إنّ لبنان محتاج لسلاح الحزب لأنّ الجيش ضعيف، ومحتاج للحزب لمكافحة الإرهاب. ورئيس الحكومة يقول إنّ الحزب لا يستخدم سلاحه بالداخل رغم قتله لرفيق الحريري عام 2005. واحتلاله لبيروت بالسلاح عام 2008، والاغتيالات التي نفذها بين 2005 و2013. وقد قال رئيس الجمهورية إنّ سلاح الحزب سيظل موجوداً لنهاية أزمة الشرق الأوسط!
وبينما تتزايد سطوة الحزب وتهديداته أصلاً للدول العربية، وعَرَضاً لإسرائيل التي بينه وبينها «قواعد اشتباك» يراعيها الطرفان؛ جاء مساعد وزير الخزانة الأميركي إلى لبنان ليراقب تصفية بنك الجمّال الذي أمر الأميركيون بإقفاله لتعامُله مع الحزب، وهدَّد المسؤول الأميركي بزيادة التضييق على الحزب، ومعاقبة المشبوهين بالتعامل مالياً معه من السياسيين ورجال الأعمال والبنوك من المسيحيين والسُنة!
والمعروف أنّ لبنان يمر بأزمة مالية واقتصادية خانقة. والأمل الوحيد الباقي في دعم مشروع «سيدر» الناجم عن المؤتمر الذي رعاه الرئيس ماكرون قبل أكثر من عام. وقد مضى الرئيس الحريري إلى باريس وقابل ماكرون، ومر في طريقه على الرياض، التي نشرت الصحف اللبنانية أنها وعدت بالمساعدة، استناداً إلى تصريحٍ لمسؤولٍ سعودي. وعندما عاد الحريري إلى لبنان من فرنسا بآمالٍ متواضعة، واجهته ثورة مسيحية في مجلس النواب، لأنه ما استطاع هو ورئيس مجلس النواب تمرير قرارات بعشرات الملايين للمناطق المسيحية.
وفي خضّم هذه المأساة الكبرى، والهدر المعروف المصدر والمصبّ، والسياسات العدوانية من نصر الله وباسيل تجاه المملكة العربية السعودية: لماذا يكون على المملكة ودول الخليج الأُخرى، مساعدة لبنان؟ نحن نحمد للمملكة صبرها، لكنْ حتى الفرنسيون والأميركيون نفد صبرهم؛ ولذلك ولأننا وطنيون لبنانيون وعرب، فإننا نطالب سياسيي المملكة وإذا ظلّوا مصّرين على مساعدة هذا النظام الفاسد، أن يشترطوا عليه ما يشترطه الفرنسيون والأميركيون على الأقل!
وطنٌ تفرق أهله فتقسّما
ورجاله يتشاجرون على السما
والهر في أوطانهم يستأسدُ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ومسؤولوه وشرعياته لبنان ومسؤولوه وشرعياته



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon