توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العروبة: من الاستتباب إلى التصدع!

  مصر اليوم -

العروبة من الاستتباب إلى التصدع

بقلم: رضوان السيد

للوعي مسارب غريبة. فقد تذكرتُ أخيراً ما أصاب وعينا العربي وواقعنا العربي في ثلاث مناسبات؛ إقبال مجموعة من المسيحيين في لبنان على إقامة مؤتمرٍ للمسيحية «المشرقية» لبحث قضية حماية المسيحيين في ديارنا في الحاضر والمستقبل! والمناسبة الثانية: إقبال النادي الثقافي العربي في بيروت على تنظيم مؤتمر لبحث مسألة تجديد الفكرة العربية. أما المناسبة الثالثة فهي تشكيل اللجنة الدستورية السورية (بمساعي الروس والإيرانيين والأتراك!) بعد تأخر عامين، وأنّ من موضوعات البحث بين أطراف اللجنة تغيير اسم الجمهورية العربية السورية بحيث تزول منها الخصيصة الثانية: العربية، بعد زوال الخصيصة الأولى: الجمهورية في عهد مُلك آل الأسد!
أما المسيحية المشرقية التي ينعقد مؤتمرها في أواسط أكتوبر (تشرين الأول) برئاسة جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية في لبنان؛ فإنّ رعاته ينكرون أن يكون هدفه حماية المسيحيين من المسلمين؛ لكنْ من حقهم أن يبحثوا في ضمانات الحاضر والمستقبل بسبب الأعداد المتضائلة، وبسبب الراديكالية الإسلامية الطالعة والتي تهددهم بالقتل والتهجير!
أما مؤتمر النادي الثقافي العربي، والذي يشارك فيه مفكرون من لبنان ومصر والمغرب وفلسطين، فهو لا يكاد يُظهر رجاءً، حتى يعودَ فيضع شروطاً صعبة لا يتوافر معظمها في أي مكان!
بيد أنّ الأعمق والأفدح دلالة بين المناسبات الثلاث هي اللجنة الدستورية السورية لتعديل الدستور الحالي (كما يقول النظام)، أو تغييره (كما يقول المعارضون للنظام). فالذين اختاروا هذا المدخل لحلّ الأزمة، والخروج من الحرب بعد ثماني سنوات مخيفة، هم: الروس والإيرانيون والأتراك! وما تدخلت السلطة العظيمة في سوريا إلاّ أخيراً، وغالباً لإيهام الليونة والانفتاح لا أكثر. بيد أنه إذا كانت المقدمات مخيفة، فلا شكّ أنّ النتائج ستكون مخوِّفة أكثر. والمقدمات تتمثل في أنّ رُعاة اللجنة والفكرة هم الروس والإيرانيون والأتراك. وهؤلاء مختلفو الأهداف والمقاصد. فالروس يهمهم ما حققوه من تقدم استراتيجي بالمشاركة في الحرب في سوريا. والإيرانيون يهمهم جمع العراق وسوريا ولبنان تحت مظلتهم وبواسطة الميليشيات التي خلقوها في الدول الثلاث. والأتراك يهمهم إبعاد الأكراد عن حدودهم. وهناك طرفٌ رابعٌ لا يُذكر لكنه يعتمد على الضمانات الروسية والأميركية وهو الطرف الإسرائيلي، الذي لا يزعجه بقاء بشار الأسد، بل يزعجه الوجود الإيراني المتعاظم في سوريا. وبالطبع، وما داموا جميعاً ليسوا مهتمين بإنفاذ القرار الدولي رقم 2254 للتغيير؛ فهم ليسوا حريصين على أن توسم الدولة القومية في سوريا بأنها عربية. بل إنّ القوميين السوريين الموجودين في لبنان والمعششين في النظام وخارجه بسوريا يسرهم بالطبع أن تختفي صفة العروبة عن إمبراطورية آل الأسد الطائفية وما شئتَ فصِفْ واذكر ولن تكونَ مخطئاً! ما عاد النظام يردُّ يدَ لامِس. وقد سرّه تكاثف المصالح فيه ومن حوله لأنّ ذلك يفيد في بقائه. وبالطبع في هذه الحالة التي هو عليها تصبح القومية نكتة، وبخاصة أنّ الطرف الإيراني المشارك بقوة في وجود النظام وبقائه، عدوٌّ للعروبة، بقدر ما هو عدوٌّ للإسلام السني، وقد قال لي كاتب إيراني معارض قبل سنوات: هناك تماهٍ بين العروبة والعرب والسنة في أذهان ملالي إيران! لقد استفاق الأمين العام للجامعة العربية إلى ضرورة ضبط السلوك الإيراني في سوريا وما وراءها: فهل يسهّل ذلك نجاح خطط أهل آستانة؟ الثمن سيكون هائلاً، وهو ليس مادياً فقط؛ بل لأنّ العرب لن يستطيعوا العودة إلى سوريا مع الحضور الإيراني الهائل. أما الشعب السوري الذي تهجَّر نصفه فلن يستفيد أبداً. وقبل أسابيع كان حسن نصر الله يملي شروطاً على سكان بلدة القصير السورية الذين هجَّرهم عام 2014 من منازلهم بحجة أنهم تكفيريون! فماذا عن حمص وحلب وحماة واللاذقية وطرطوس وإدلب ومعرة النعمان... إلخ.
وعلى أي حال، وفي ظل هذه الظروف، أين ستجد العروبة منفذاً في الجمهورية «العربية» السورية سابقاً؟!
ولنأتِ إلى مؤتمر المسيحية المشرقية. المسيحيون وبخاصة الأرثوذكس هم في الأصل دعاة العروبة الأوائل، ومعظمهم اليوم - بعد أن تغيرت البلاد ومن عليها - في سوريا من أتباع بشار الأسد، وفي لبنان من أتباع التيار الوطني الحر. والطريف أنّ الفكرة المشرقية هي في الحاضر في رعاية جمعية أميركية متطرفة. لكنّ المسيحيين اللبنانيين ولأول مرة في تاريخهم الحديث يعادون الولايات المتحدة وفرنسا، وينضوون تحت لواء إيران و«حزب الله». وأخيراً روسيا. وقد طلب رئيس الجمهورية اللبنانية من الرئيس بوتين قبل شهور أن يشمل بحمايته سائر المسيحيين، كما يحمي الأرثوذكس!
إنّ هذا «الخيار» الجديد هو خيارٌ خاسرٌ حتماً، كما خسر الخيار الإسرائيلي أواخر سبعينات القرن الماضي. إنما هل هناك مسوِّغ لهذا الانقلاب في الوعي والواقع؟ البراغماتيون يقولون لنا صراحة: قد تحطم الوعي العربي للأكثرية السنية تحت وطأة الجهاديات، ونحن خائفون بعد أن تخلى الغرب عنا أيضاً، فلا نجد مظلة للحماية المؤقتة على الأقل إلاّ في جانب ما تسمونه أنتم تحالف الأقليات!
في كل حقبة، تكون هناك مغامرة مارونية فيها مجازفة. ويكون هناك معارضون لها في الوسط المسيحي، أقوياء أو متوسطو القوة. فكميل شمعون كان له معارضون مسيحيون، وكان له أصدقاء عرب. وبشير الجميّل اهتم أول ما اهتم بعد انتخابه بالمصالحة مع العرب. هذه المرة أنصار الخيار العربي بين المسيحيين قلة. وعلى أي حال، فقد كان الدكتور فارس سعيد من الشجاعة بحيث دعا إلى مؤتمر مسيحي عربي بباريس يجمع شخصيات من سائر الدول العربية. وهو يذهب إلى أنه إنما يراعي بذلك الانتماء الحقيقي للمسيحيين، والمصلحة الباقية لهم.
فلنصلْ إلى خلاصة واستنتاج. لقد فشلت تجربة الدولة الوطنية العربية، وفي سوريا والعراق ولبنان على وجه الخصوص. وكان للأنظمة التي تحمل دعاوى البعث الاشتراكي العربي دورٌ بارزٌ في هذا الفشل. وعندما حاولت الشعوب الخلاص من تلك الأنظمة، حمتها في وجه شعوبها - وهي الأنظمة التي تدعي العلمانية - الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وصارت الميليشيات الموالية لإيران وذات الوعي الطائفي والمذهبي سلطاتٍ ودولاً، تفتخر بالتبعية للولي الفقيه، وتنشر القتل والتهجير وتدمير العمران. وما وجدت حرجاً في ادعاء حماية الأقليات في المشرق العربي، بل وحماية القضية الفلسطينية. وهذا كله سمك لبن تمر هندي، كما يقول المَثَل، لكنه قائمٌ الآن، ولا خلاصَ منه في المدى القريب، وبخاصة إذا أضفنا إليه البُعدين التركي والإسرائيلي!
لقد أراد النادي الثقافي العربي في بيروت خوض التجربة الصعبة، التي تكاد تدخل في اللامفكَّر فيه، حسب تعبير محمد أركون: تجربة تجديد الفكرة العربية، باعتبارها الإطار الجامع والمشترك والذي لا بقاء للدول الوطنية والمجتمعات العربية من دونه. وهذا هو اقتناع نخبة من الشيوخ والكهول التي يهوّلُها تردّي الواقع العربي. فيا للعرب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العروبة من الاستتباب إلى التصدع العروبة من الاستتباب إلى التصدع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon