توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المبادرة الاستراتيجية المصرية والمصلحة العربية

  مصر اليوم -

المبادرة الاستراتيجية المصرية والمصلحة العربية

بقلم: رضوان السيد

كانت مصر قد أعلنت قبل أسبوعين عن مبادرةٍ بشأن الوضع في ليبيا، تدعو لوقف النار فوراً، والعودة إلى مؤتمر برلين لإنفاذ المقررات التي جرى التوافق عليها حول اللجنتين العسكرية والسياسية. ومنذ ذلك الحين، بل منذ شهرٍ ونيِّف، وبفعل التدخل التركي لصالح حكومة «الوفاق»، وتغير الوضع العسكري على الأرض؛ دأبت حكومة فائز السراج على رفض الحلّ السياسي، والعمل على استعادة كل أراضي ليبيا كما أعلنوا! والمعروف أنه باستثناء سِرت؛ فإنّ كل الشرق الليبي والجنوب ومناطقهما ما استعادها الجيش الوطني من الحكومة، وإنما حرّرها من التنظيمات الإرهابية الداخلية والخارجية، في قتالٍ استمرّ لأكثر من عامين. وخلال تلك الفترة كانت حكومة «الوفاق» منهمكةً بتهدئة الصراع بين ميليشيات طرابلس، وميليشيات مصراتة. وخلال ذلك أيضاً سيطرت على سرت (التي حررتها حكومة السراج من «داعش») وعلى الهلال النفطي ميليشيات محلية وعصابات قطّاع طرق كانت تتجر بالبترول وبالمهاجرين الأفارقة مع بعض السماسرة وأذرع الحكومة الإيطالية. ولذلك نهض الجيش الوطني وحرَّر سرت والهلال النفطي، وتقدم نحو طرابلس، ثم حصل التدخل العسكري التركي مع عشرات الألوف من المرتزقة السوريين الواقعين تحت رحمة تركيا في بلادهم وفي ليبيا الآن على حدٍ سواء.
منذ العام 2017 صار واضحاً أنّ الحلَّ السياسي ما عاد ممكن التنفيذ، لأنه مثلما حصل في سوريا يوشك أن يحصل في ليبيا. فقد تدخلت عدة دولٍ أوروبية إلى جانب «الوفاق» أو إلى جانب الجيش الوطني، وأحياناً إلى جانب إحدى الميليشيات المحلية الواصلة إلى بعض النقاط على الشاطئ. لقد حصل التقسيم عملياً بين الشرق والغرب، وبقيت هناك مماحكات واحتكاكات على نقاطٍ في الوسط والجنوب. وما أنقذ وحدة الأرض الليبية غير سيطرة الجيش الوطني على الهلال النفطي، الذي يشكّل نقطة التقاءٍ وإمكان توحيد، لأنّ جميع الأطراف محتاجة إليه.
إنّ التفويت العربي الأول الذي حصل في ليبيا يتمثل في عدم الاهتمام الحقيقي بالمسار الدولي، الذي تصدّع ثم انهار تماماً بعد آخِر إنجازٍ لغسّان سلامة في مؤتمر برلين. أما التفويت الثاني فهو عدم قدرة الدول العربية المجاورة لليبيا على الإجماع على خطة لإنقاذ الوضع ولو كانت دعم المسار الدولي. فالجزائر كانت تميل لحكومة الوفاق، بينما تميل مصر للجيش الوطني والبرلمان. أما تونس في زمن الغنوشي فصار يهمها بقاء ميليشيات «الإخوان» الذين يتجمعون في طرابلس على الولاء الحزبي، ويعيشون على ثروات البلاد، مثل حوثيي اليمن في الولاء السلالي والإيراني، ويأملون استمرار الجمود والحرب الداخلية إلى ما لا نهاية!
من 3 أو 4 سنوات، يبحث إردوغان عن نصيبٍ في الثروات البترولية والغازية بالمتوسط، التي حصلت مصر وإسرائيل وقبرص واليونان على أنصبةٍ فيها. وازداد حنقه من مصر لأنها عملت تحالفاً وصناعات غازية. وبإعراض الجزائر في أواخر أيام الرئيس بوتفليقة، وميل الغنوشي و«الإخوان» في كل مكان إلى الزعيم الجديد إردوغان، والضيق الهائل الذي تُعاني منه حكومة الوفاق؛ كلُّ ذلك، وعلى رأس العوامل تدخلية إردوغان وعدوانيته المشهودة، جرت تلك الاتفاقيات مع السراج، وزحف الإردوغانيون وميليشياتهم لحماية حكومة طرابلس، واستعادة السيطرة على الهلال النفطي الليبي، بعد الاتفاق التركي - السراجي على البحث عن الطاقة في البحر الليبي أيضاً!
بعد المبادرة السلمية المصرية، التي أيدتها الدول الكبرى، ورفضتها حكومة «الوفاق» ورفضها إردوغان الذي لم يرَ سبيلاً لوقف النار إلا بعد الاستيلاء على سرت والجُفرة (الهلال النفطي)! ذهب الرئيس المصري إلى قواعد الجيش المصري بالصحراء الغربية وأعلن عن إرادة مصر بسبب مصالح أمنها الوطني، ووحدة ليبيا واستقرارها، وأمن الأمة العربية - التدخل من أجل وقف النار، وحماية سرت والجفرة باعتبارهما خطاً أحمر. هي مبادرةٌ استراتيجيةٌ مصريةٌ ما حدث مثلها منذ تدخل التحالف العربي باليمن عام 2015. وبالطبع ما قام المصريون بهذا الهجوم الاستراتيجي إلا بعد مشاوراتٍ واسعةٍ عربية ودولية. وقد لقيت المبادرة السياسية - العسكرية حماساً من جانب دول التحالف الخليجي، وعلى رأسها السعودية. حتى الولايات المتحدة التي يقال إن عسكرييها مترددون بسبب الوجود الروسي إلى جانب حفتر، يرون ضرورة الوقف الفوري للنار على الخطوط الحالية.
إنّ القبول الدولي بالمبادرة المصرية مهم. إنما الأهمّ إقدام الدولة العربية الأكبر شعباً وجيشاً وقدرات على وضع القوة على طاولة المفاوضات عندما يتعلق الأمر بأمنها الوطني، والأمن القومي للجوار والعرب أجمعين. ليبيا هي جوارٌ واستمرارٌ لمصر براً وبحراً. وعندما كان الجيش الوطني الليبي يتقدم بالوسط والجنوب، كان يقبض على إرهابيين يأتون من الصحراء المصرية بعد عمليات إرهابية، ويعودون إليها للغرض نفسه. ولذا لا يمكن أن تسمح مصر بتهديد أمنها، لا من جانب الإرهاب، ولا من جانب الأتراك.
ما بقي طرفٌ متوسط الحجم أو كبير في الإقليم والعالم إلا تدخل في العالم العربي، لقضم الأرض، ولشرذمة الشعوب وقتلها وتهجيرها، ولنشر الميليشيات المسلَّحة في كل مكانٍ فيما يشبه أن يكونَ حروباً أبدية. لقد بلغ من جرأة الإيرانيين أنهم منذ سنوات يتحدثون عن الاستيلاء على 4 عواصم عربية. أما إردوغان فتذكّر ممتلكات السلطنة العثمانية ومناطق نفوذها التي يريد استعادتها واستصفاء ثرواتها في سوريا والعراق والآن في ليبيا.
وفي أزمنة التصدع والتعب يجد الغُزاةُ غالباً بالدواخل مَنْ يتبعهم ويستنيم لسيطرتهم. وقد يعذر أحدنا أو يفهم استغاثات الضعفاء والنساء والصغار، ولو فترة. بيد أن ما لا يمكن فهمه أو تبريره أن يتحول العمل عند الغريب المجتاح إلى آيديولوجيا أو دين، مرةً بحجة نُصرة المقاومة، ومرةً بحجة التماثل الديني أو الطائفي أو المذهبي. هذه مبرراتٌ لا يمكن قبولها ولا فهمها، فليسكت العجزة والخونة لأوطانهم ولعروبتهم ولاستقلال وحرية إنسانهم ومستقبل أطفالهم. لا يمكن أن يتحول الزمن العربي الحالي إلى زمن للميليشيات المخربة والعميلة، بل لا بد أن يستعيد انتظامه واستقراره واستقلاله. وهذا هو المعنى الاستراتيجي للمبادرة المصرية العربية في ليبيا.
واليمن هو خاصرة الخليج ومصر على المحيط والبحر الأحمر. وهو أصل العرب، ويستحق استعادة الاستقرار والاستقلال والعيش الهادئ، وسوية الدولة، وهويتها العربية والإنسانية.
بين مصر والسعودية تتجذر القيادة العربية الجديدة للمشرق العربي والخليج في مواقع المسؤولية الشاملة، ومواقع تجديد تجربة الدولة الوطنية العربية في زمنها الجديد. وبالطبع فإنّ الصعوبات كبيرة وكثيرة بسبب تراكم التحديات والمشكلات وتداعياتها، وبسبب الاستقطابات في المجال الإقليمي والمجال الدولي، لكنّ المصريين والسعوديين قرروا الحفر في الصخر لصون البلدان وحماية كرامة الإنسان العربي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة الاستراتيجية المصرية والمصلحة العربية المبادرة الاستراتيجية المصرية والمصلحة العربية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon