توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحاجة الماسة للخيال الأدبى

  مصر اليوم -

الحاجة الماسة للخيال الأدبى

بقلم - بهاء جاهين

 الكتابات الفانتازية واقعية؛ من حيث أنها تعكس الحاجة الماسة للخيال, الجامح, لمواجهة ثقل الحقائق اليومية ورسوخها على القلب, وأسرها للعقل فى عقال التكرار والسأم, والبياض الإسمنتى الكالح للجدران. وإن كانت الفانتازيا, أو الكتابة المغرقة فى الخيال, هى عكس الواقعية كأسلوب, فإن اللجوء إليها تعبير عن احتياج إنسانى موجود منذ القدم: فى الحكايات والأساطير وحواديت الجدات وقصص الحيوان وغير ذلك من أعمال أدبية أو فلكلورية هدفها فهم الواقع أو تفسيره, أو التكيف معه عن طريق التخفف من ثقله والهروب المؤقت من وطأته. دارت فى ذهنى هذه الأفكار وغيرها, وأنا أقرأ آخر نموذج وقع فى يدى من أعمال الفانتازيا, أو قصص الخيال الجامح الموغل فى الإغراب والعجائبية, بينما تشعر طوال الوقت وأنت تقرؤه بما يجثم فى لبه من نواة ثقيلة للواقع اليومىّ, الذى تضرب أجنحة الخيال المحلق بقوة للإفلات من أسره. هذا النموذج الذى قرأته أخيراً, باستمتاع وببعض الوجع, هو رواية «الوصفة رقم 7» للأديب والكاتب الصحفى الشاب أحمد مجدى همّام, الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية.قبل أن أنتقل إلى تفاصيل العمل, أود أن ألفت القارئ الكريم إلى أن وظيفة الفانتازيا, مهما بلغت من شطط وشطح, هى فى جوهرها وظيفة الفن كله مهما انغمست نماذجه فى دقائق الواقع وبدت مستغرقة فيه. فالفن كله تحليق فى الجمال. وكثير من الأعمال الواقعية حين تغوص بك فى المعروف المألوف فإنها تحررك من ربقته بالنقد والتهكم والتندر والدعابة, أو بكشف ما يكنزه فى باطنه من جمال لا تنتبه إليه إلا عين الأديب الفنان. وفى نفس الوقت, فإن أدب الخيال الجامح وحكاياته اللامعقولة تعكس, بمجرد اللجوء لها, الوطأة الثقيلة للواقع اليومىّ؛ وحين نتأمل عجائبها وغرائبها نجدها تنطوى فى باطنها على نفس الثنائيات الأبدية فى واقع الإنسان: من حب وكره, وقسوة ورقة, وإيثار وأنانية، وعنف وحنين للسلام والأمان.. بهذا المعنى, فإن الفانتازيا مهما شطت وشطحت, هى فى جوهرها واقعية؛ ورواية «رحلات جاليفر» لجوناثان سويفت, على سبيل المثال, لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر والمحتوى الإنسانىّ عن رواية «الحرب والسلام» لتولستوى. أما «الوصفة رقم 7» لأحمد مجدى همام فهى, كجاليفر, رحلة فانتازية, لكنها, ككل أدب إنسانىّ, سجل ساخر ومأساوى معاً للحرب والسلام فى الدنيا وفى قلب الإنسان. تبدأ الرواية بتقرير حالة عن بلد تمكن من التخلص من كل أنواع المخدرات ومن القضاء الكامل على تجارتها, وهى تقص حكاية أحد مدمنى هذا البلد, واسمه مليجى الصغير, درس الفن التشكيلى وتخرج من كليته بطلوع الروح, أما هوايته فهى إجراء التجارب العلمية فى مجال الكيمياء. وحين لا يجد ما اعتاد تعاطيه يَسخّر حياته كلها لاختراع عقار يمنحه الراحة مما يعانيه. وبالصدفة ينجح فى استزراع نبتة ذات وردات سبع يتداوى بمسحوق إحداها فيدخل فى عالم عجيب. ورغم هذا المدخل, فإن موضوع الرواية الحقيقى ليس المخدرات؛ وإنما هو نعمة الخيال وما يمنحه للإنسان من أجنحة يستطيع بها التحليق والإفلات من براثن الرتابة والهمود والملل, وما يفتحه من عوالم تثير الدهشة. وإن كانت نهاية الرحلة هى مبدؤها, والعودة إلى نقطة الصفر, وموقع البدء حيث البيت وأريكة النائم الحالم, فإن العبرة فى الرحلة نفسها, ونشوة الطيران فى العوالم التى يمنحها خيال الكاتب. نعم, تتكشف «أرض اللابوريا» التى يسافر فيها مليجى الصغير بخياله عن نفس حقائق الأرض التى نعيش فيها وطالما أراد هو الغياب عنها, إلا أن النشوة التى يمنحها الفن والخيال الأدبى المتفنن فى إبداع تفاصيل لا تشبه المألوف وعوالم لم يرتدها أحد من قبل هى الغاية والوسيلة معاً؛الرحلة والجدوى من الرحلة. من هنا تأتى الحاجة الماسة للخيال الأدبى, خاصة أدب الفانتازيا.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاجة الماسة للخيال الأدبى الحاجة الماسة للخيال الأدبى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon