توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الموت عمل شاق»

  مصر اليوم -

«الموت عمل شاق»

بقلم : بهاء جاهين

 بهذا الاسم صدرت أحدث روايات الكاتب السورى خالد خليفة. وهى روايته السادسة، إلا أننى لم أقرأ له إلا رواياته الثلاث الأخيرة. فقبل هذه، الصادرة عن دار العين للنشر بعنوان «الموت عمل شاق» 2016، قرأت ما سبقتها، وعنوانها «لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» 2013، وقد حصلت على جائزة نجيب محفوظ ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر»، وسابقتهما «مديح الكراهية» 2008، التى تُرجمت إلى عدة لغات ووصلت هى أيضاً للقائمة القصيرة لبوكر العربية كما رُشحت لجائزة إندبندنت العالمية. وبعيداً عن هذا الاحتفاء العام، ينبغى أن أعترف بأن الروايات الثلاث طبقاً لتذوقى الشخصى تقترب من قمة الإبداع. وقد سبق أن كتبت عن »مديح الكراهية« والرواية التى تلتها، والاثنتان كانت تدور أحداثهما فى حلب، وتتناول كل منهما أسرة سورية من ساكنى حلب فى مناخ الصراع السياسى بين الدولة والإسلاميين فى السنوات القليلة التى انتهت بثورة 2011. أما رواية «الموت عمل شاق» فقد كُتبت بعد مارس 2011، وتصف الأجواء التى يعيش فى ظلها الشعب السورى الآن بعد أن وصل الصراع السياسى إلى مرحلة الاحتراب الأهلي، وبعد أن أصبح الموت حقيقة يومية عادية وشائعة، وتافهة كموت ذبابة. لكن الموت عمل شاق مشقته ما بعدها مشقة، إذا لم تتغير الحقائق الأخرى والقيم الأخرى لتصبح بنفس التفاهة، فى وجدان ما زال يحتفظ، رغم ما يدور حوله من عبث، ببعض الرومانسية وبأخلاقيات ما قبل الطوفان الذى يركب فيه الأب كتفى ولده ليحتفظ بفتحتى أنفه سنتيمترات فوق الماء.

تبدأ الأحداث بموت كهل فى دمشق، يوصى ولده وهو على سرير الاحتضار، بأن يدفنه فى مقبرة الأسرة بقرية بعيدة فى ريف حلب. ولأن ولده نبيل (وشهرته بلبل) ما زال يحتفظ داخله بوجدان غنائى ومنظومة قيم ربما كانت تصلح قبل الحرب، فقد وعد أباه بتنفيذ الوصية، ليتحول الموت فى ظل هذا الوعد من حدث تافه يحدث كل دقيقة إلى سفر مرعب تحت أهوال القصف، فى طريق طويل يقطع سوريا الحرب الأهلية, عبر كمائن عدة متعددة الهويات العسكرية والعقائدية، فى عربة ميكروباص يقودها حسين الأخ الأصغر لنبيل أو بلبل، وتجمع، للمرة الأولى من سنوات، الأخوين إضافة لأختهما فاطمة، بعد أن حولتهم الحقائق الأخيرة لغرباء. اضطرتهم لهذا ظروف الموت العاديّ، الذى عاد استثنائياً بوعد نبيل الرومانسى لأبيه بدفنه فى قريته البعيدة بجوار شقيقته، بدلاً من إيلاج جثمانه أقرب حفرة أو مقبرة جماعية بلا هوية سوى هوية الموت اليومى والتهاوى كالذباب. فى سيارة الميكروباص تلك، التى يعمل عليها ويرتزق منها حسين، يحمل الإخوة الثلاثة جثمان أبيهم ملفوفاً فى بطانية تحت حرارة الصيف، وتحت العيون المتوجسة متعددة الهويات والتى لا تتفق إلا فى توجسها ونظرتها المفتشة فى قلوب الإخوة الثلاثة وضمائرهم وأوراقهم التى تشى بالمنطقة الجغرافية والطائفة الدينية وانتمائهم المفترض إلى هذا الجانب أو ذاك من المتحاربين، تحت تلك الشمس وتلك العيون يتعفن بالتدريج جثمان الأب، بعد أن تحولت السَّفرة التى تستغرق فى الأحوال العادية ساعات إلى رحلة استغرقت عدة أيام تصاعدت خلالها رائحة التعفن التى لا تطاق لجثة تنهشها الديدان. وبعد ويلات العذاب وإصرار بلبل على احترام رغبة أبيه الأخيرة، لم يسمح الواقع بدفن الأب كما أوصى بجوار شقيقته، ولكن فى ركن بعيد وحده فى المقبرة العائلية، إلا أن بلبل دفن مع جثمان أبيه خوفه المزمن. الرواية رحلة إبداعية شائقة كما هى رحلة جغرافية كابوسية بطول سوريا الحرب الأهلية. وهى رحلة تستحق أن تقطعها أيها القارئ العزيز فى جنة إبداع تتحدث عن جحيم الحرب.

نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الموت عمل شاق» «الموت عمل شاق»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon