توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بشاير اليوسفى»

  مصر اليوم -

«بشاير اليوسفى»

بقلم : بهاء جاهين

من أقرب ما قرأت إلى روح الشعر كتاب اكتشفته مؤخراً, متأخراً عن ميعاد صدوره, هو رواية  المبدع رضا البهات الأولى بشاير اليوسفى التى صدرت طبعتها الثانية عن دار بدائل 2015. لمحت عنوانها على غلاف جميل فأخذنى إلى بساتين الطفولة ورائحة اليوسفى البكر المشحونة بشجن الحنين. وكما يقال: الكتاب يبين من عنوانه. فتحتُ الرواية وأنا على يقين أن هذا العنوان البسيط المتوهج, كقنديل برتقالي, سيقودنى إلى حديقة جمال أدبى يسكنها الطير. الرواية الصغيرة المكثفة كقنبلة يدوية تنقسم لجزءين, الأول يحمل نفس عنوان الرواية بشاير اليوسفي, والثانى بعنوان المبدولون. يحكى الجزء الأول عن تجربة الشاب الراوى فى الجيش. ويتتبع البهات فى الكتابة تقنية تيار الوعي, حيث تبدأ الرواية بالفتى المجند ذى الأصول الريفية مسافراً بالقطار من قريته المتاخمة لمدينة المنصورة لمقر تجنيده بالسويس, فى عربة مزدحمة برفاقه العساكر وبأهل الريف, فى شتاء بعيدٍ الآن, فى آخر 1973, بُعَيد حرب أكتوبر. تصعد العربة امرأة تبيع اليوستفندى فى أوله, فتشيع فى المكان روح الألفة بين العساكر المجندين والفلاحات الشابات وفلاحة عجوز مسافرة للبحث عن ابنها الذى غاب فى الحرب ولم يزرها من زمن, حيث يشترك الجميع  فى طقس التهام الفصوص الصغيرة الغنية بالعصير.. حتى يتغير المشهد حين يمر القطار على مقابر الشهداء الذين دفنهم زملاؤهم فى صحراء السويس أثناء المعركة, فيأخذ المنظر بطل الحكاية وراويها الواقف فى النافذة - يأخذه إلى تجربة إنسانية انحفرت فى وجدانه فى الأيام الأخيرة من الحرب أثناء اقتحام الدفرسوار وحصار السويس متذكراً رفاقه الذين استشهدوا فى أحضانه. ثم يأخذنا مشهد العمارة السكنية المقصوفة وراء خندقه إلى المهجرين من مدن القناة الذين شاركوا أهل المنصورة السُكنى وأفراح الحياة  وأشجانها أثناء حرب الاستنزاف. وينتهى الجزء الأول بوقف إطلاق النار, ليأخذنا الجزء الثانى المبدولون إلى القاهرة فى النصف الثانى من السبعينيات.. ولكن قبل أن نذهب إلى هناك, يجب أن نتحدث عن مكمن الشعر فى الجزء الأول. إنها الذات الجماعية؛ الروح التى تسرى فى الآحاد المفردة فتوحدها وتُثريها, كأنها قلب واحد يدق فى عشرات بل آلاف وملايين الصدور: فى عربة القطار, وفى ذكريات المجند فى الخندق بين الجنود, وفى حوارى الطفولة والصبا والتحام أهل القناة بأهل المنصورة رغم ما كان ينشب من شجار وتزاحم, وفى وجدان المجند الراوى حين يرى أطلال بيوت السويس وما خلّفه من رحلوا وراءهم من أمارات الحياة؛ تنصهر فى ذلك الوجدان تجارب المنصورة بخيالات السويس فكأنه عاش تفاصيل صباه هنا حيث يقف الآن , تفور فى ذاكرته وخياله كل طقوس الحياة اليومية وهو واقف بين أطلال السويس ليصير الهُناك والهُنا احتفالاً واحداً بالوجود. إنها حكاية شعب متلاحم زادته توحدا وانصهارا تجربة الحرب.. ولكن ما حدث بعد الحرب حكاية أخري. فى الجزء الثانى «المبدولون», يحرص الراوى الذى سُرح من الجيش على أن يجد عملاً فى القاهرة التى قضى فيها سنوات الجامعة وأحب زميلة له, والآن يريد سُكنى القاهرة ليبنى عُش الحب. لكنّ فتاته تنكره وتتنكر له, وتنبئه شوارع القاهرة مع مرور أيام النصف الأخير من السبعينيات أن أهلها أبُدِلوا فصاروا غير ما كانوا, وأن الفردية حلت محل الذات الجامعة, فأفقرت الروح وعزلتها حتى اختنقت. فالرواية فى جزئها الأول احتفال بالحياة المصرية, حيث الكل فى واحد, رغم مرارة الحرب؛ وفى جزئها الثانى مرثية لتلك الذات الجامعة, وللأرواح الصغيرة  المعزولة التى فقدتها, فى سنوات الانفتاح وفلسفة التماس الغِنى والخلاص الفردى .. بشاير اليوسفي, التى صدرت طبعتها الأولى عام 1992, كانت حقاً بُشرى للحركة الأدبية بميلاد موهبة حقيقية سرعان ما أضافت أعمالاً متميزة.

نقلا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بشاير اليوسفى» «بشاير اليوسفى»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon