توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كافكا..وكوابيس اليقظة

  مصر اليوم -

كافكاوكوابيس اليقظة

بقلم : بهاء جاهين

 قال الأديب الكولومبى الحاصل على نوبل جابرييل جارثيا ماركيز عن التشيكى فرانز كافكا - الذى كان يكتب بالألمانية - بعد أن قرأ قصته القصيرة «المسخ» فى مرحلة مبكرة نسبياً من حياته - قال إن هذه القصة هى أول ما لفته ونبهه أنه يمكن أن يكتب بشكل مختلف. ولم يكن كافكا (1924-1883) قد حصل, فى حياته القصيرة المزدحمة بالإبداع, على جائزة نوبل؛ بل إنه مات ولم يُنشر من إنتاجه الرائد فى فن القصة والرواية إلا النذر القليل, ولم تعرفه إلا دائرة ضيقة من الكتاب والنخبة المثقفة فى مدينته براج.

مات كافكا بالسُلّ وهو فى الأربعين تاركاً كل ما كتب بين يدى صديقه وابن مدينته الكاتب ماكس برود, موصياً إياه أن يحرق كل ما لم يُنشر منه - وهو معظم ما كتب - وأما ما كان قد نُشر فأوصاه ألا يعيد نشره. ولولا أن برود قد أبى أن يشارك صديقه فى جريمة هذا الانتحار الأدبى, بل فعل العكس تماماً ونشر كل ما تركه صديقه بين يديه, لما عرف العالم كافكا, الذى أسهمت رواياته وقصصه إسهاماً عريضاً فى تأسيس حداثة القرن العشرين.

بل إن كافكا من الأدباء القلائل فى التاريخ الذين يرتبط باسمهم منهج فى الكتابة؛ وفى حالة كافكا يكاد ذلك النهج أن يكون نوعاً أدبياً قائماُ بذاته يسميه نقاد الأدب (Kafkaesque) , حيث تختلط الواقعية بمنطق الحلم, وبالتحديد الكابوس.

والبطل إنسان صغير, إنسان عادى يعطيه كافكا اسماً هو حرف واحد (ك), الحرف الأول من اسم الكاتب نفسه. يواجه ذلك الإنسان العادى الصغير مأزقاً كابوسياً غير عادى, ليس مرعباً بل مزعج وغامض، حيث هناك قوة أكبر منه بكثير, مؤسسة بيروقراطية هائلة, مثل القضاء فى روايته «المحاكمة», تواجهه وتسحقه. يجد ذلك الشخص العادىّ نفسه ذات صباح متهما بتهمة مُبهمة أمام هيئة قضائية ترسل بعض موظفيها لإلقاء القبض عليه. ويتمدد الكابوس ليجد (ك) نفسه مضطراً للترافع عن نفسه واقفاً أمام موظفى هذه المؤسسة القانونية البيروقراطية الغامضة, يسوق الحجج والبراهين إزاء تهمة لا يعرف ما هى بالتحديد, أو ينتظر فى أروقة ذلك المبنى الحكومى كالح الجدران, متشعب الأروقة كالمتاهة..

نفس المتاهة تتكرر فى روايتيه «القلعة» و«أمريكا». وفى «القلعة» البطل يحمل نفس الاسم الذى هو (ك). وهو هنا موظف صغير يصل إلى قرية تحكمها هيئة بيروقراطية كبرى تمارس مهامها من قلعة عظيمة منيعة يحاول (ك) النفاذ إليها للقيام بمهمة يزعم أن القلعة نفسها استدعته للقيام بها. إلا أن التعقيدات والمتاهات البيروقراطية تحول دون ذلك, وتأبى السماح له بممارسة ذلك العمل ويستعصى عليه دخول القلعة أو حتى حق الوجود فى القرية. ويموت (ك) دون أن تستجيب له القلعة, لكنها, وهو على سرير الاحتضار, تعلن أنه برغم أن موقفه القانونى وأوراقه لا تعطيه حق العيش فى القرية, إلا أن القلعة لظروف استثنائية ستسمح له بالحياة والعمل فى تلك القرية. وقد مات كافكا دون أن يُكمل الرواية, لكنه أسرّ بنهايتها تلك لأصدقائه.

وكذلك لم يُكمل كافكا روايته الثالثة «أمريكا», التى تتكرر فيها أيضاً تيمة الغربة وانسحاق الفرد أمام مؤسسة ظالمة وقاهرة؛ لكن روايته أمريكا تنفرد بأنها تمثل أيضاً فكرة البدء من جديد والهروب من آثام حياة سابقة إلى منحة حياة أخرى متجددة, وتعكس غرام كافكا باتساع الأراضى الشاسعة والطبيعة المفتوحة الممتدة. والبطل فيها طفل تقريباً, فهو فى السادسة عشر، وقد كبر الاسم من (ك) إلى كارل, إلا أن بطلها رغم هذا الاختلاف يواجه جوهرياً نفس الكابوس ونفس المأزق.. كما سنرى إن شاء الله فى المقالة المقبلة.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كافكاوكوابيس اليقظة كافكاوكوابيس اليقظة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon