توقيت القاهرة المحلي 11:08:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كافكا..وكوابيس اليقظة

  مصر اليوم -

كافكاوكوابيس اليقظة

بقلم : بهاء جاهين

 قال الأديب الكولومبى الحاصل على نوبل جابرييل جارثيا ماركيز عن التشيكى فرانز كافكا - الذى كان يكتب بالألمانية - بعد أن قرأ قصته القصيرة «المسخ» فى مرحلة مبكرة نسبياً من حياته - قال إن هذه القصة هى أول ما لفته ونبهه أنه يمكن أن يكتب بشكل مختلف. ولم يكن كافكا (1924-1883) قد حصل, فى حياته القصيرة المزدحمة بالإبداع, على جائزة نوبل؛ بل إنه مات ولم يُنشر من إنتاجه الرائد فى فن القصة والرواية إلا النذر القليل, ولم تعرفه إلا دائرة ضيقة من الكتاب والنخبة المثقفة فى مدينته براج.

مات كافكا بالسُلّ وهو فى الأربعين تاركاً كل ما كتب بين يدى صديقه وابن مدينته الكاتب ماكس برود, موصياً إياه أن يحرق كل ما لم يُنشر منه - وهو معظم ما كتب - وأما ما كان قد نُشر فأوصاه ألا يعيد نشره. ولولا أن برود قد أبى أن يشارك صديقه فى جريمة هذا الانتحار الأدبى, بل فعل العكس تماماً ونشر كل ما تركه صديقه بين يديه, لما عرف العالم كافكا, الذى أسهمت رواياته وقصصه إسهاماً عريضاً فى تأسيس حداثة القرن العشرين.

بل إن كافكا من الأدباء القلائل فى التاريخ الذين يرتبط باسمهم منهج فى الكتابة؛ وفى حالة كافكا يكاد ذلك النهج أن يكون نوعاً أدبياً قائماُ بذاته يسميه نقاد الأدب (Kafkaesque) , حيث تختلط الواقعية بمنطق الحلم, وبالتحديد الكابوس.

والبطل إنسان صغير, إنسان عادى يعطيه كافكا اسماً هو حرف واحد (ك), الحرف الأول من اسم الكاتب نفسه. يواجه ذلك الإنسان العادى الصغير مأزقاً كابوسياً غير عادى, ليس مرعباً بل مزعج وغامض، حيث هناك قوة أكبر منه بكثير, مؤسسة بيروقراطية هائلة, مثل القضاء فى روايته «المحاكمة», تواجهه وتسحقه. يجد ذلك الشخص العادىّ نفسه ذات صباح متهما بتهمة مُبهمة أمام هيئة قضائية ترسل بعض موظفيها لإلقاء القبض عليه. ويتمدد الكابوس ليجد (ك) نفسه مضطراً للترافع عن نفسه واقفاً أمام موظفى هذه المؤسسة القانونية البيروقراطية الغامضة, يسوق الحجج والبراهين إزاء تهمة لا يعرف ما هى بالتحديد, أو ينتظر فى أروقة ذلك المبنى الحكومى كالح الجدران, متشعب الأروقة كالمتاهة..

نفس المتاهة تتكرر فى روايتيه «القلعة» و«أمريكا». وفى «القلعة» البطل يحمل نفس الاسم الذى هو (ك). وهو هنا موظف صغير يصل إلى قرية تحكمها هيئة بيروقراطية كبرى تمارس مهامها من قلعة عظيمة منيعة يحاول (ك) النفاذ إليها للقيام بمهمة يزعم أن القلعة نفسها استدعته للقيام بها. إلا أن التعقيدات والمتاهات البيروقراطية تحول دون ذلك, وتأبى السماح له بممارسة ذلك العمل ويستعصى عليه دخول القلعة أو حتى حق الوجود فى القرية. ويموت (ك) دون أن تستجيب له القلعة, لكنها, وهو على سرير الاحتضار, تعلن أنه برغم أن موقفه القانونى وأوراقه لا تعطيه حق العيش فى القرية, إلا أن القلعة لظروف استثنائية ستسمح له بالحياة والعمل فى تلك القرية. وقد مات كافكا دون أن يُكمل الرواية, لكنه أسرّ بنهايتها تلك لأصدقائه.

وكذلك لم يُكمل كافكا روايته الثالثة «أمريكا», التى تتكرر فيها أيضاً تيمة الغربة وانسحاق الفرد أمام مؤسسة ظالمة وقاهرة؛ لكن روايته أمريكا تنفرد بأنها تمثل أيضاً فكرة البدء من جديد والهروب من آثام حياة سابقة إلى منحة حياة أخرى متجددة, وتعكس غرام كافكا باتساع الأراضى الشاسعة والطبيعة المفتوحة الممتدة. والبطل فيها طفل تقريباً, فهو فى السادسة عشر، وقد كبر الاسم من (ك) إلى كارل, إلا أن بطلها رغم هذا الاختلاف يواجه جوهرياً نفس الكابوس ونفس المأزق.. كما سنرى إن شاء الله فى المقالة المقبلة.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كافكاوكوابيس اليقظة كافكاوكوابيس اليقظة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon