بقلم - محمد المنشاوي
ما يجرى فى مصر بخصوص انتخابات 2018 الرئاسية لا يلقى اهتماما كبيرا فى واشنطن، وعلى الرغم من أهمية الشأن المصرى، وعلى الرغم من أهمية الموقف الأمريكى، إلا أن ما يجرى بمصر هو شأن داخلى صرف تتابعه عن بُعد دوائر واشنطن الرسمية وغير الرسمية.
وحتى كتابة هذه الكلمات لم يخرج أى تعليق رسمى من الإدارة الأمريكية حول الأحداث المتسارعة فى القاهرة بخصوص الانتخابات الرئاسية سوى كلمات تقليدية غير هامة جاءت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر ناورت «نتابع الوضع فى مصر عن كثب ونحن على اطلاع على القبض على سامى عنان ونتابع التقارير بشأن ذلك». ثم تابعت قائلة «نؤيد عملية انتخابية ذات مصداقية فى وقتها فى مصر، ونعتقد أن الانتخابات تتضمن منح الفرصة للمواطنين للمشاركة بحرية فى الانتخابات. ونعتقد أن ذلك ينبغى أن يشمل معالجة القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمى والتعبير أيضا». كلام تقليدى بيروقراطى خلاصته أنه شأن مصرى خالص.
ويمكن تفهم ذلك الموقف التقليدى من تصريحات خرجت قبل أيام أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس للقاهرة والتى جاء فيها «أن التعاون بين الولايات المتحدة ومصر لم يكن أبدا أفضل حالا على ما هى عليه اليوم». نعم قد تبدو الولايات المتحدة من بعيد بالنسبة للكثيرين كقوة فاعلة مهمة فى التأثير على شكل ومستقبل الحكم فى مصر، إلا أن الواقع اليوم، كما كان الواقع خلال آخر عمليتين انتخابيتين رئاسيتين، تلك التى أتت بمحمد مرسى والأخرى التى أتت بعبدالفتاح السيسى، تُظهر أن واشنطن لا تملك أى كروت حقيقية للتأثير فى هذه الانتخابات، أو فى هوية المرشحين فيها.
***
وتجمع علاقات ممتازة بين الرئيس السيسى وإدارة دونالد ترامب. من هنا لم تكترث واشنطن كثيرا برد الفعل المصرى المهادن لقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، بل واستقبل السيسى ورحب بنائب ترامب الذى يعد من أكثر حلفاء إسرائيل فى التاريخ الأمريكى نظرا لتطرفه الدينى، وتبنيه لكل مواقف الصهيونية المسيحية التى تنكر أى حقوق للفلسطينيين فى أراضيهم سواء تلك التى اُحتلت عام 1948 أو بعد حرب 1967 أو بعد ذلك حتى. من ناحيته يضغط ويدفع ترامب الدول العربية للتبنى سياسات تقربها من عدوها التاريخى إسرائيل. ولا يكترث ترامب كثيرا للتفاصيل ولا يعترف بأهمية تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، فقط ينظر للمنطقة من نظارة رجل الأعمال والمستثمر العقارى الذى يجد حلا توافقيا لأى معضلات جيوستراتيجية عن طريق صفقات تتبادل بمقتضاها الأطراف أراض ومصالح تعكس قوتها النسبية على الأرض. ويدرك ترامب أن العرب ومصر فى أسوأ لحظات ضعفهم فى التاريخ المعاصر مما جعل بعض المحليين يكتبون ويُنظرون لما يُطلق عليه اليوم فى أروقة واشنطن «تحالف عربى إسرائيلى» لمواجهة إيران و«صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية. وخلال زيارته للبيت الأبيض العام الماضى، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى على دعمه للرئيس دونالد ترامب فى سعيه لحل قضية القرن، وتكرر نفس الكلام فى مناسبات أخرى. إلا أن الكثيرين داخل الدوائر الأمريكية لا يعتقدون أن أمام مصر ما تقدمه فى هذه الفترة الحرجة والصعبة من تاريخها، وذلك يرجع لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بضعف الاقتصاد المصرى وعدم استقراره واستمرار تدهوره.
وثانيا يتعلق باستمرار تدهور الأوضاع الأمنية فى شمال سيناء وامتدادها فى بعض الحالات لما وراء سيناء. ويضعف ذلك كله من أهمية الدور المصرى التقليدى المساند للفلسطينيين. بل يسمح ذلك ويشجع واشنطن وتل أبيب أيضا على طلب أن يكون لمصر دور ضاغط لدفع الفلسطينيين بقبول ما يُقدم لهم.
***
يقلق واشنطن أن تجرى انتخابات رئاسية فى مصر أو أن تكون استفتاء، فالديمقراطية المصرية لم تكن أبدا على سلم أولويات أى من حكام البيت الأبيض سواء أثناء حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين.
يقتصر الاهتمام الجاد بديمقراطية مصر على ما تذخر به واشنطن من مؤتمرات وندوات ودراسات لسيناريوهات الحكم والاستقرار فى مصر. نعم يهم واشنطن هوية ساكن القصر الجمهورى فى القاهرة مخافة أن يكون عدوا للمصالح الأمريكية، إلا أن هذا يعكس فقط قوة وأهمية مصر ودورها الاستراتيجى للمصالح الأمريكية على الرغم من اندثاره، ولا يعكس قوة فعلية تتمتع بها الولايات المتحدة فيما يتعلق بمستقبل حكم مصر.
الحقيقة أن مصر هى أكبر دولة من حيث السكان فى الشرق الأوسط بملايينها الذين تعدو المائة، وما لديها من أكبر جيش بالمنطقة وثانى أكبر اقتصاد، إضافة إلى دورها الثقافى الرائد. فمصر هى مصدر الفكر السياسى العربى المعاصر، كما أنها مصدر الفكر الراديكالى المتطرف. وبالتالى فإن الاهتمام بها فى الدوائر الأمريكية المختلفة مبرر، ومتابعة ما يحدث فيها، وفى مستقبلها هو شىء مهم لواشنطن وللعالم كله.
فى السابق كنت أتوجه كثيرا لمسئولين ودبلوماسيين أمريكيين بالسؤال حول تصورهم لمستقبل الحكم فى مصر، وتقديراتهم الشخصية إن وجدت، وخلصت المناقشات إلى تأكيد أن واشنطن لم ولن تتدخل فى اختيار الرئيس القادم لمصر، ولن تساعد أو تشارك فى ترجيح كفة اسم مرشح أو فريق على آخر. والحقيقة هى أنها لا تستطيع ذلك إن أرادت! وما ينطبق على الماضى القريب ينطبق اليوم على انتخابات 2018. إلا أن العلاقات المصرية الأمريكية تحكمها مصالح وحسابات وتوازنات عديدة. لذا فالبراجماتية هى التى تحكم اهتمام واشنطن بمستقبل الحكم فى مصر. من هنا لا تكترث واشنطن الرسمية بما جرى للمرشح هذا أو ذاك حتى لو كان ذا خلفية عسكرية ممن تعرفهم واشنطن جيدا كرئيس الأركان الأسبق سامى عنان أو غيره.
نقلا عن الشروق القاهرية