بقلم - محمد المنشاوي
بدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أسبوعه صباح الاثنين الماضى بتغريدتين قال فى الأولى «لم يستطع الديمقراطيون العثور على أى دليل يربط بين حملة ترامب بروسيا حتى بعد إدلاء جيمس كومى بشهادته.. لا يوجد تواطؤ». وأشار ترامب فى تغريدته الثانية إلى أنه «حتى إذا كان هناك تجاوز فى أمر يتعلق بتمويل الحملة الانتخابية، فهذه مخالفة مدنية بسيطة سيكون مسئولا عنها المحامى مايكل كوهين وليس الرئيس». إلا أن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية سى آى آيه جون برينان له رأى آخر، إذ رد عليه بالقول «عندما ترسل مثل هذه التغريدات تجعلنى متأكدا أنك تدرك أنك تواجه متاعب وأنك تدرك أنه من المستحيل تجنب العدالة الأمريكية». وتعكس هذه المواجهات تسارعا فى التطورات المتعلقة بالتدقيق القانونى فى مواقف ومخالفات الرئيس ترامب بدءا من تجاوزات حملته الانتخابية فيما يتعلق بالتواصل مع روسيا ومخالفة قانون تمويل الانتخابات، وصولا لموقفه من مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى.
وقد طالب المدعى العام بمقاطعة مانهاتن بنيويورك بسجن المحامى مايكل كوهين، وهو الذى أشرف لأكثر من عشر سنوات على أعمال ترامب، ويعرف تفاصيل حياة الرئيس الخاصة والعامة. وكشف بيان المدعى العام تورط مباشر للرئيس ترامب وأعضاء بحملته الرئاسية فى أعمال منافية ومخالفة للقانون تتعلق بتقديم أموال لامرأتين جمعتهما علاقات جنسية بترامب قبل سنوات من أجل أن يلتزما الصمت حتى لا تتأثر سلبا حملته الانتخابية. وقدم المبالغ المالية للسيدتين محامى ترامب حينذاك مايكل كوهين، وبموافقة مباشرة من ترامب، وهو ما يعد مخالفة صريحة لقوانين تمويل الحملات الانتخابية. كما شهد الأسبوع الماضى الكشف عن قائمة من أكاذيب اقترفها مدير الحملة الرئاسية الأسبق لترامب السيد بول مانورت على السلطات الفيدرالية. وكان مانفورت قد توصل لصفقة مع فرق التحقيق تعهد خلالها بقول كل الحقائق التى يمتلكها مقابل عدم توجيه اتهامات له. إلا أن إخلال مانفورت وكذبه على المحققين يؤكد وجود علاقات مشبوهة أشرف عليها مانفورت نفسه أثناء رئاسته لحملة ترامب وتتعلق بالتواصل غير القانونى مع الروس وكذب بخصوصها.
***
دفع موقف الكثير من قادة مجلس الشيوخ الجمهوريين المخالف لموقف الرئيس دونالد ترامب من خلاصة تقرير وكالة الاستخبارات المركزية (سى آى إيه) والذى يريط ولى العهد السعودى بعملية مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى إلى دعم احتمال ابتعادهم عنه فيما يتعلق بالتحقيقات حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة لعام 2016. وتزايدت أحاديث أعضاء فى الكونجرس حول مساءلة محتملة للرئيس ترامب لا تقتصر فقط على علاقات مشبوهة غير قانونية تتعلق بعلاقاته وعلاقة حملته الانتخابية بروسيا، بل تمتد لتشمل تورطه فى مخالفات قانونية ترتبط بقوانين تمويل الحملات الانتخابية، إضافة لشبهات وجود علاقات تجارية خاصة تؤثر فى موقفه من إدانة ولى العهد السعودى.
ويؤكد أعضاء من الحزبين الجمهورى والديمقراطى يمثلون مجلسى الكونجرس، النواب والشيوخ، إمكانية تعرض ترامب لمساءلات قانونية. وأكد السيناتور الجمهورى من ولاية فلوريدا، ماركو روبيو أن «لا أحد فوق القانون والمحاسبة. لو خالف مسئول القانون يجب أن يواجه المساءلة القانونية مثله مثل أى مواطن. وإذا كنت فى منصب كبير ولديك سلطات واسعة مثل الرئيس، فهذا ينطبق عليك أيضا». كما أشار عضو مجلس النواب جيرالد نادلر إلى احتمال أن يواجه ترامب مساءلات قانونية تدفع به للسجن إذا ثبت أن الأموال التى قال محاميه السابق، مايكل كوهين، إنه جرى دفعها لأشخاص لالتزام الصمت تمثل انتهاكا لقواعد تمويل حملته الرئاسية. وسيترأس نادلر اللجنة القضائية فى بداية الشهر القادم عندما تبدأ دورة الكونجرس الجديدة والتى يسيطر فيها الديمقراطيون على أغلبية مجلس النواب.
وتعهد كذلك الرئيس القادم للجنة الاستخبارات بمجلس النواب آدم شيف بالتحقيق فى علاقات الرئيس ترمب وعائلته مع السعودية، على خلفية موقف ترامب من مقتل جمال خاشقجى. وجدير بالذكر كذلك الإشارة إلى أن تحقيقات المحقق الخاص روبرت موللر المتعلقة بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تنظر فى علاقات كوشنر واتصالاته مع شخصيات أجنبية من دول عدة بينها السعودية وما إذا كانت أثرت فى مسار السياسة الخارجية الأمريكية. ودفع ذلك مستشار ترامب السابق ستيف بانون للتعبير عن القلق إذ ذكر لصحيفة واشنطن بوست أن «عام 2019 سيكون عام حرب لا هوادة فيها، والرئيس محاط بدائرة من المستشارين السذج وغير المؤهلين لمثل تلك المعارك. سيستغل الديمقراطيون تحقيقات موللر فى حين أن الرئيس لا يستطيع الثقة أو الاعتماد على الحزب الجمهورى الذى لا يدرك قادته أهمية وضرورة الدفاع عن الرئيس».
***
لا أحد يعرف ما فى حوزة المحقق مولر حتى الآن، ويزيد ذلك من التكهنات حول ما وصلت إليه التحقيقات الجارية منذ أكثر من عام ونصف. إلا أنه من المتوقع أن يحمل مولر الكثير من الدلائل على انتهاكات قانونية لفريق ترامب الانتخابى وربما مخالفات لترامب نفسه. وستوقع أيضا إدانة ترامب بإعاقة العدالة على خلفية موقفه من التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسى وإقالة مدير إف بى أى السابق «جيمس كومى»، إلا أن تبعات ذلك ستكون سياسية حيث لن يدين مجلس الشيوخ ترامب ويعمل على إقالته. قد يتغير إذا ما ظهرت دلائل تؤكد طلب ترامب مساعدة روسية تضر بمنافسته فى الانتخابات هيلارى كلينتون، وهو ما سيدعم من وجود تواطؤ من جانب ترامب، وفى هذه الحالة سيصعب الدفاع عنه من جانب أعضاء الكونجرس الجمهوريين.
وهكذا يبقى السؤال الهام يتعلق بمدى معرفة المرشح ترامب عن التواصل مع الروس من أجل دعم حظوظه الانتحابية وهو السؤال الذى لو كانت إجابته بنعم، سيتم توجيه اتهامات خطيرة للرئيس بالتواطؤ مع قوة معادية للتأثير فى نتائج الانتخابات. ويعتقد الكثير من الخبراء القانونيين أنه إذا وصلنا لهذه النتيجة فمن المحتمل أن يضطر ترامب للتقدم باستقالته بدلا من تعرضه للمحاكمة.
نقلا عن الشروق القاهرية