بقلم - محمد المنشاوي
من حين لآخر يُطرح تساؤل فى العاصمة واشنطن حول جدوى وأهمية العلاقات الخاصة التى تجمع الولايات المتحدة بمصر. وتُطرح هذه الأسئلة عادة على هامش قيام مسئولين مصريين بزيارة لواشنطن، أو على هامش انعقاد جلسة استماع بالكونجرس حول الشأن المصرى، أو بمناسبة نشر مقال أو دراسة هامة عن العلاقات المصرية الأمريكية. وشهدت الأيام القليلة الماضية اجتماع هذه العوامل الثلاثة لتعيد تسليط الضوء على الشأن المصرى فى واشنطن بعد فترات طويلة من التركيز على قضايا أخرى تراها النخبة الأمريكية أكثر أهمية وأكثر إلحاحا.
***
وشهدت جلسة عقدتها اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى حول «الأمن وحقوق الإنسان والإصلاح فى مصر» توجيه انتقادات لسجل الحكومة المصرية. وتمت الإشارة لما تراه واشنطن تراجعا للدور المصرى فى مختلف القضايا الإقليمية، إضافة لتوجيه انتقادات لعلاقات القاهرة بكوريا الشمالية وروسيا. ورأى أغلب المشاركين فى الجلسة سواء من أعضاء اللجنة أو من خبراء الشأن المصرى أن هناك تراجعا فى الدور المصرى التاريخى تجاه قضايا شرق أوسطية رئيسية كالأزمة السورية أو اليمنية، ناهيك عن تجمد الدور المصرى تجاه القضية الفلسطينية.
وبصفة عامة أُشير للتراجع المصرى مقابل الصعود لبعض الدول الخليجية كالسعودية والإمارات فى القضايا الإقليمية.
وأجمع الخبراء الأربعة ممن تم الاستماع لآرائهم فى جدوى التحالف الأمريكى مع مصر، على أن القاهرة تتبع سياسات مستقلة، وليست بالضرورة داعمة لسياسات واشنطن سواء فى الأمم المتحدة أو تجاه توسيع العلاقات المصرية الروسية والعلاقات المصرية الصينية كذلك. وقبل عشرة أيام عقدت اللجنة الفرعية للأمن القومى التابعة للجنة الاعتمادات جلسة استماع أخرى ترأسها النائب الجمهورى من ولاية فلوريدا رون دى سانتوس، وجاءت بعنوان «التهديد الذى تشكله جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات التابعة لها للولايات المتحدة ومصالحها، وكيف يمكن مكافحتها بفعالية»، وتم التركيز على مطالب رئيس اللجنة بوضع جميع تنظيمات الإخوان على قوائم الإرهاب، قائلا إن السياسة الأمريكية فشلت فى مواجهة ما تمثله الجماعة من سلوك راديكالى، ودعمها للمجموعات الإرهابية.
***
وقبل يومين من جلسة الكونجرس حول مصر، كتبت ميشيل دون وأندرو ميلر (من الخبراء الذين أدلو بشهادتهم فى الجلسة) معا مقالا هاما فى دورية ناشيونال إنتريست قللا فيه من أهمية الدور المصرى فى خدمة المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط. وعبر الكاتبان عن أن حفاظ مصر على معاهدة سلامها مع إسرائيل لم يعد نتاج ضغوط أو إملاءات أمريكية، بل هو قرار مصرى يخدم مصالح القاهرة الاستراتيجية بالدرجة الأولى. أما عن الخدمات التى تقدمها مصر لواشنطن مثل السماح باستعمال المجال الجوى المصرى، أو تسهيل مرور السفن العسكرية بقناة السويس، فلا يعتقد الكاتبان أن ما تقدمه القاهرة من تسهيلات له قيمة كبيرة، فى ضوء وجود تسهيلات واسعة تحصل عليها واشنطن من الدول المحيطة مثل الأردن وكل الدول الخليجية. كذلك يرى الكاتبان أن الرئيس السيسى يحاول التعامل مع الولايات المتحدة وروسيا معا للحصول على فوائد من كليهما. ويعتقد الكاتبان أن الرئيس السيسى معجب بنموذج الرئيس بوتين.
***
وكذلك جاء تسليط الضوء من جديد على الشأن المصرى مصاحبا لانتهاء زيارة وفد مصرى رفيع المستوى، لواشنطن لبحث مجالات التعاون المصرى الأمريكى المشتركة.
على القاهرة أن تدرك أن عليها تقديم جديد فى تناولها للعلاقات مع واشنطن، فلم يعد من المقبول الاعتماد على المعادلة التقليدية التى حكمت علاقات الدولتين لعقود طويلة، وعلى ما يبدو أنها ما زالت مسيطرة على تصورات الكثيرين من مسئولى الملف الأمريكى فى مصر، خاصة مع عدم صلاحيتها كما أظهرت تطورات السنوات السبع الأخيرة.
التصور التقليدى ينظر على العلاقات كونها استراتيجية بجمعها دولة عظمى ذات نفوذ كبير فى الشرق الأوسط، وتمتلك مفاتيح البوابة الملكية للمؤسسات المالية الدولية من ناحية، وبين دولة إقليمية رائدة لها وزن كبير مؤثر فى مختلف قضايا المنطقة سواء فى شمال إفريقيا أو منطقة الخليج العربى والهلال الخصيب، من ناحية أخرى. تصور آخر يسيطر على رؤية الجانب المصرى وتتعلق بمعادلة «مساعدات أمريكية مقابل تعاون مصرى» حيث لعبت القاهرة دورا محددا فى محيطها الإقليمى يخدم المصالح الأمريكية مقابل تلقيها مساعدات عسكرية واقتصادية زادت على 75 مليار دولار حتى اليوم، وهو تصور يراه البعض قديما وغير صالح للاستخدام.
ما نراه بوضوح اليوم فى محيط أزمات الشرق الأوسط يؤكد أن واشنطن لم تعد تتمتع بنفس السطوة والقوة التى اعتقدت مصر أنها تملكها. ومن ناحية أخرى فليس سرا ما نشهده من زيادة المكانة الإقليمية للسعودية، وتركيا، وأحيانا أخرى اضافة لإسرائيل أو إيران.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع