بقلم - محمد المنشاوي
أرجأ قاضٍ فيدرالى بالعاصمة واشنطن يوم الثلاثاء الماضى إصدار الحكم على مايكل فلين ــ مستشار الأمن القومى السابق للرئيس دونالد ترامب ــ فى تهم تتعلق بالكذب بشأن اتصالاته مع الروس، والعمل لصالح تركيا دون تسجيل نشاطه كلوبى محترف طبقا للقوانين الأمريكية. واعتبر القاضى إميت سوليفان أن تصرفات فلين تعتبر بمثابة «خيانة» وأشار إلى أنه مستعد لإصدار حكم قاس بحقه، وقال إن جريمة فلين كمسئول بارز فى البيت الأبيض تتجاوز تلك التى ارتكبها مساعدو ترامب الأقل مرتبة أثناء الحملة الانتخابية، وقال القاضى لفلين «لقد بعت بلادك». وكان المحقق روبرت مولر، وهو الذى يقود التحقيق فى التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية 2016، قد اقترح عدم الحكم على فلين بالسجن بسبب كذبه على المحققين بشأن علاقاته مع موسكو وذلك بسبب تعاونه فى التحقيقات.
***
لكن وبعيدا عن المتاعب القانونية لفلين، فقد اتخذ الجنرال السابق موقفا متطرفا من قضايا العرب والمسلمين أثناء الحملة الانتخابية. ونشر فلين كتابا فى خضم الحملة الانتخابية الرئاسية بعنوان «ساحة الحرب: كیف يمكن الانتصار فى الحرب العالمیة على الإسلام الراديكالى وحلفائه». ويعد الكتاب مانیفستو عسكريا سطحيا للغاية لتصورات الرجل والتى يبدو أنها أقنعت بشدة الرئیس ترامب لدرجة تعیینه فلین فى المنصب الهام فى عملیة صنع السیاسة الخارجیة والأمنیة للولايات المتحدة، وذلك على الرغم من اعتراض الكثیر من الأصوات المقربة من ترامب. ويقضى مستشار الأمن القومى معظم وقته مع الرئیس أكثر من أى مسئول آخر فى الإدارة الأمريكیة. وعلى الرغم من أن الرئیس يدير العملية ويتخذ القرار النهائى ويتحمل المسئولية، فإن الخبرات التاريخیة تؤكد محدودية قدرات بعض الرؤساء، وبلا شك يقع ترامب ضمن هذه الفئة. وتزداد هنا أهمية دور مستشار الأمن القومى فى صنع القرارات التى تخص قضايا الأمن الخارجى والداخلى، وأن يسهم فى خلق خیارات متعددة، إلى جانب قیامه بالإشراف على القرارات التى يتخذها الرئیس. ومنذ صدور قانون عام 1947 الذى قنن المنصب، وتأكیده على قربه من الرئیس وعلى عدم وجود تدخل للكونجرس فى الاختیار أو فى الموافقة على اختیار الرئیس، شغل المنصب عدد من أهم صانعى السیاسة الخارجیة الأمريكیة فى العصر الحديث من أهمهم هنرى كیسنجر وبرنت سكوكروفت وزبینیو بريجنسكى وكولن باول.
يعتقد الجنرال فلین، وهو الذى عمل كرئیس للمخابرات العسكرية الأمريكیة بین عامى 2012 ــ 2014 أن الولايات المتحدة منخرطة بالفعل فى حرب دينیة، وأن أمريكا تخسر هذه الحرب حتى هذه اللحظة. ويقول فلین «نحن فى حرب عالمیة، إلا أن عددا قلیلا فقط من الأمريكیین يدركون ذلك، ولا يعرف هؤلاء طريقة الانتصار فى هذه الحرب». ويعرض فلین لتصور مخیف عن العالم يبدأه بضرورة «تدمیر الجیوش الجهادية الإسلامیة»، وضرورة القضاء على حلفاء أعدائنا من الدول مثل روسیا والصین وإيران وغيرهم. ويؤمن كذلك الجنرال فلین أن الحرب الدينیة ضد الولايات المتحدة لیست شیئا جديدا، ومن خلال خبرته فى القتال والعمل المخابراتى فى جرينادا وهايتى والصومال وأفغانستان والعراق، يريد فلین «تطبیع الحروب المقدسة» التى يرى أن بلاده اضطرت للانخراط فيها. ويقول فلین «أنا أعرف أعداءنا أكثر من معظم خبرائنا، وأنا شديد الخوف من أن نخسر». ولا يتوقف هجوم فلین على الراديكالیین المتطرفین بل يشمل فى بعض الأحيان كل المسلمين وحضارتهم التاريخية، إذ يقول «علینا أن نتوقف عن الشعور بالذنب لتسمیة أعدائنا كما هم كقتلة متطرفین مدفوعین بحضارة فاشلة».
***
ولا تتوقف الحرب لدى فلین على الانتصار العسكرى، بل تتخطاه لضرورة تحقیق «الانتصار الأيديولوجى»، وعن ذلك يتحدث قائلا «علینا طرح سؤال إذا ما كان صاحب الجلالة غیّر موقفه وانحاز للجانب الآخر فى الحرب المقدسة؟ ومن المنطقى وبعد انتصاراتنا فى الماضى والتى جاءت نتیجة مباركة الرب أن نسأل، ألا تعد هزيمتهم دلیلا على أن عقيدتهم تم رفضها من الرفیق الأعلى».
فى فبراير من 2016، غرد الجنرال فلین قائلا إن «الخوف من المسلمین منطقى»، وطالب متابعیه بنشر تغريدته. وفى أغسطس وصف فلین الإسلام بالسرطان، وظل يردد أن الإسلام ھو «فكر سیاسى يستتر خلف الدين». وتتطابق هذه الكلمات مع ما يحلم به قادة التنظیمات الإرهابية الراديكالیة من أهداف استراتیجیة متمثلة فى العمل على تعمیق الخلافات بین المسلمین من ناحیة وبین الغرب وخاصة أمريكا، من ناحیة أخرى. ويزيد ما طالب به فلين من تعميق أزمة الثقة بین المسلمین وأمريكا. من ناحیة أخرى وبدلا من التنديد باستفحال ظاهرة الإسلاموفوبیا، والتى زادت على أثرها أعداد الهجمات والمضايقات على المسلمین وأماكن عبادتهم فى الولايات المتحدة منذ وصول ترامب للحكم قبل عامين.
يندد فلین بظاهرة سماها «الإسلاموفیلیا» وهى الحالة التى يعامل فيها البعض المسلمین كأطفال لا يجب توبيخهم، ويقصد هنا الفئات التى ترى ضرورة عدم الزج ببقیة المسلمین فى الحرب على الإرهاب، وأنه لا يجوز الحكم على أكثر من ملیار ونصف من المسلمین بناء على تصرفات فئة قلیلة من مئات أو آلاف من أبنائه. وبعیدا عن ضرورة القضاء على «الجهاديين الإسلامیین» ينادى فلین بضرورة القضاء على حلفائهم فى الوقت ذاته. ويضع عدة دول فى خانة الأعداء على رأسهم روسیا وإيران كدول قائدة للتحالف مع الجماعات الإرهابية. وانتقد الجنرال الرئیس أوباما لتساهله الواسع مع الخطوات الروسیة والإيرانیة المهددة للأمن القومى الأمريكى. وينكر فلین أى إمكانیة أن تصبح روسیا شريكا فى الحرب على الجهاد الإسلام ويقول «حريا بنا أن نتذكر أن روسیا لم تستطع القضاء على الجهاديين داخل حدودها، إضافة لتحالفها وتآمرها مع إيران».
***
قد تبرئ المحاكم فلين وقد لا يسجن على خلفية كذبه بخصوص إخفاء اتصالات متكررة مع السفير الروسى، وقبوله مبلغ 350 ألف دولار من تركيا للضغط لصالحها داخل واشنطن، من المؤكد أنه سيزج به إلى سلة مهملات التاريخ.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع