بقلم : أسامة الغزولي
عاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى إنعاش آمال الكوريين الشماليين فى حوار قد ينهى الحصار الخانق المحيط بوطنهم منذ عقود. وقد تعجب كثيرون من مراوحة الرئيس بين رفض لقمة مع الرئيس الكورى الشمالى واستجابة لدواعى الحوار وإنهاء واحد من أقدم وأخطر مصادر التوتر الدولى. وذكَّرتنا بوليتيكو الأمريكية، تعليقا على تصرفات محيرة سبق إليها الرئيس، فى مقال لها بعنوان «هل هناك منهجية فى جنون ترامب؟»، الثانى من مايو، بما قاله أحد شخوص مسرحية «هاملت» عن أمير شكسبير الساحر الذى تحمل المسرحية اسمه عندما قال عن ذلك الأمير: «وإن كان هذا جنونا فيبقى أنه ينطوى على منهجية». وتكتسب العبارة أهميتها الدرامية من أن هاملت نجح فى ادعاء الجنون لكن حكمته بقيت قادرة على اختراق حجب الجنون المصطنع.
من المؤكد أن ترامب ليس الأمير الساحر، لكنه يتظاهر أحيانا بما يذكرنا بهاملت الذى تصنّع الجنون وهو فى منتهى التعقل ويعرف ما يريد. ولا أدل على صحة ما نقول من أن هذا الرئيس نجح فى النزول بمعدل البطالة فى بلاده إلى مستوى لم تعرفه أمريكا منذ العام 1969. ليس هذا فحسب بل إن إنجازاته الاقتصادية نزلت بمستوى البطالة بالنسبة للسود والأمريكيين من أصول لاتينية والشباب تحت 18 سنة إلى مستوى لم تعرفه أمريكا من قبل. إذن الرجل ليس متخبطا وليس عنصريا وإن أوحى بذلك. لماذا يوحى بذلك أصلا، هذه مسألة شرحتها بوليتيكو منذ تولى الرئاسة وموجزها أنه يسترضى غلاة المتعصبين البيض الذين أهملتهم وأرهقتهم سياسات رؤساء سابقين.
نعود لكوريا الشمالية لنقول إن تردده السابق واللاحق قد يبدو غير مسؤول، لكنى أشرت فى مقال فى الحياة اللندنية نشر بتاريخ 21 إبريل 2017، بعنوان«الأزمة الكورية: هل النهاية السعيدة مستبعدة؟» إلى ضرورة النظر إلى كل ما يصدر عن الرئيس الأمريكى، بخصوص الأزمة الكورية وغيرها، على اعتبار أن تصرفات كل رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة «محكومة بضوابط ومؤثرات مؤسسية بالغة القوة».
لكن هذا ليس كل شىء. فقبل عام من الآن كان العالم يحسب حساب مخاطر (حقيقية؟ مزعومة؟) مصدرها أسلحة الدمار الشامل فى سوريا. وهذه تكفلت بها فى إبريل الماضى ضربات جوية شنتها الولايات المتحدة وأهم حليفتين لها منذ الحرب الكونية الأولى، وهما بريطانيا وفرنسا. وفوق ذلك، فقد كان العالم (وربما لم يزل) يحسب حساب الترسانة النووية الكورية الشمالية، وقد شهد صحفيون أجانب، وفقا لما نقلته سكاى نيوز وأسوشيتد برس، تدمير موقع اختبار نووى فى شمال شرق كوريا، واليوم تتحدث الصحافة الأمريكية عن تفكيك بطىء ومتواصل للترسانة النووية الكورية الشمالية.
وهكذا، فنحن نمضى باتجاه عالم قد يصبح- رغم كل ما يحيط بنا الآن- أكثر أمانا. نزع الفتيل الكورى الشمالى حال إنجازه سيكون خطوة واسعة باتجاه ذلك الهدف المراوغ. وهنا لابد لى من الإشارة إلى أن زعيم ماليزيا العائد مهاتير محمد قال لى فى العام 2002، فى مكتبه فى كواللمبور وبحضور مقدمة البرامج التلفزيونية نسرين بهاء والمخرج عبدالحكيم عامر، عندما كنا نعمل ثلاثتنا فى شبكة إيه آر تى، وقبل أن نبدأ تسجيل حوار معه حول الشرق الأوسط: الكوريون الشماليون لا يريدون حربا. هم يريدون الخبز. ليعطهم العالم خبزا وسيعطونه، فى المقابل، قدرا معتبرا من راحة البال.
وهذا ما يمضى باتجاهه دونالد ترامب اليوم
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع