بقلم - أسامة الغزولي
عندما دخلت مكتب مارك تولى، الواقع على بعد عشر خطوات من فندقى لحسن الحظ، وجدت عنده الأكاديمى الأمريكى البارز وداعية التسامح الدينى بول مارشال. لم أكن قد اطلعت على أى من كتابات مارشال حول أوضاع الأقباط فى مصر. ولكنى عرفت بعد ذلك اللقاء أن بول مارشال هو مؤلف لعديد من الكتب حول أوضاع الأقليات الدينية فى العالم المسلم، وحول أوضاع الأقباط فى مصر. وبين كل ما كتبه مارشال، الذى هو اليوم من دعاة التعايش بين المسلمين وغيرهم من أبناء الديانات الأخرى، فالمقال الذى تجده على موقع معهد هدسون بعنوان An Egyptian Jew›s message to threatened Middle East Christians (رسالة من يهودية مصرية لمسيحيى العالم/3 إبريل 2014) هو الذى لاتزال أصداؤه تتردد بقوة حتى فى المؤلفات التى حازت قدرا من الاهتمام بين المعنيين بالحريات الدينية فى منطقتنا. وفى هذا المقال يحذر مارشال من أن الحضور القبطى يوشك أن ينقرض فى مصر، كما انقرض الحضور اليهودى من قبل. وقد بنى مارشال مقاله ذلك على زيارة لمصر وللمعبد اليهودى فى شارع عدلى وعلى فهم يبدو مغلوطا لرسالة وجهتها الزعيمة الحالية لبقايا الجماعة اليهودية فى مصر ماجدة هارون لمسيحيى مصر تدعوهم فيها للتمسك بالبقاء فى وطنهم. لكن الدعوة للتمسك بالبقاء فى أرض الوطن تحولت فى ذلك المقال إلى صيحة تحذير من خطر أرى أنا، كما قلت لمارشال ولمارك تُولى، أنه غير موجود.
ولو كنت قرأت هذا المقال وغيره من أعمال مارشال القديمة نسبيا لتضاعفت قوة الصدمة التى شعرت بها عندما بدأ مارك تُولى حوارى معه بهذا السؤال العجيب: هل ترى أن للأقباط مستقبلا فى مصر؟ وتلخص ردى على سؤال تُولى الصادم فى أن مصر، بمسلميها ومسيحييها، تعيش تأزما تتطلع إلى أن يتجاوزه عبدالفتاح السياسى بالنجاح فى مشروعه المتصل بالغاز الطبيعى ومشروعه المتصل بتأسيس «سلام من أجل التنمية» فى الشرق الأوسط. لكن الأهم من ردى على تُولى هو ملاحظتى أنه، هو ومارشال، مهتمان الآن بالتعايش بين مختلف الطوائف والديانات والأعراق فى منطقتنا، وأن الرؤى الكابوسية التى يعكسها مقال مارشال المشار إليه، وإن لم تختف تماما، فهى لم تعد الأساس.
وهذا تطور فى رؤية اليمين المسيحى الأمريكى للحالة الدينية والعرقية فى منطقتنا لا يقل أهمية عن التطور فى نظرته لإسرائيل، ليس باعتبارها مقدمة للمجىء الثانى للمسيح ولأهوال القيامة، بل باعتبارها نموذجا للدولة الديمقراطية فى الشرق الأوسط. والكلام عن الديمقراطية فى دولة الاحتلال والتمييز الدينى والعرقى الوحيدة فى العالم اليوم هو أيضا كلام صادم، لكن الانتقال بالمنطقة من صراعات الحدود والوجود إلى تنافس على تقديم النموذج الديمقراطى الأفضل هو تطور إيجابى، لأنه قابل للتطوير على نحو يؤسس لشراكة عربية- إسرائيلية لتأسيس ثقافة شرق أوسطية تحترم القانون والكرامة الإنسانية بهدف تحقيق «السلام من أجل التنمية».
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع