بقلم - أسامة الغزولي
المخابرات الإسرائيلية تشيع أنه أيا كان الوضع الصحى الحقيقى للرئيس الفلسطينى محمود عباس فمن المؤكد أنه لم يعد صالحا لقيادة السلطة الوطنية. المعلق الإسرائيلى آشنيل بفيفر يقول إن الفلسطينيين يستحقون زعيما أفضل، وأن تغيير القيادة الفلسطينية ضرورى، من وجهة نظر إسرائيل، لأسباب أخلاقية وأمنية. هذا الذى قالته المخابرات الإسرائيلية ومعلقون إسرائيليون، ليس «بفيفر» إلا واحدا منهم، يعيد إلى الذاكرة أمرين:
الأول، أن قيادات إسرائيلية بارزة تقول منذ السبعينيات من القرن الماضى إن الدولة العبرية لا تجد بين الفلسطينيين من يمكن اعتباره شريك سلام، أو شخصا يمكن التفاوض معه حول مستقبل التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
والثانى، أن طاحونة الصراع العربى الإسرائيلى التهمت قامات عالية مثل أنور السادات وإسحق رابين، بل وشمعون بيريز الذى لم يقتل لكن قدراته ورؤاه حوصرت على نحو حد من قدرته على التأثير،
ولاشك أن نظريات المؤامرة نسجت كثيرا من الأساطير حول الغياب المأساوى لقيادات تاريخية عربية وإسرائيلية. ولا ننسى أن أهم معلق سياسى عربى منذ انتصاف القرن العشرين وهو المعلم الراحل محمد حسنين هيكل ظل يتحدث (منذ 1977 بالنسبة لى) عن أن مؤسس الجمهورية المصرية جمال عبدالناصر مات مسموما، واتهم بقتله شخصية رفيعة يعنى اتهامه لها ربط رحيل عبدالناصر بالاقتراب من السلام التعاقدى القائم بين مصر وإسرائيل. لا أعرف إن كان هيكل تحدث عن هذا الموضوع قبل 1977، لكن ما أذكره هو أن حديثه عنه بعد انتفاضة 1977 أكد هواجسى التى ربطت انتفاضة يناير 1977 بأمور بينها الاستعداد لما بعد السادات.
وما أريد أن أقوله هو أن مصر والأردن وإسرائيل، وهى الدول الأكثر تأثيرا على تحولات القضية الفلسطينية، حتى الآن، تأثرت فى معالجتها لتلك القضية، وبأكثر مما يجب، بالتحولات والأجندات الدولية، ولأن الشعب الفلسطينى، صاحب الحق التاريخى الثابت فى الأرض التى يدور حولها الصراع، هو أضعف أطراف هذا الصراع، فقد كانت تضحياته الاستراتيجية أفدح وأوضح. ولهذا السبب يقف كل صاحب ضمير حى حائرا مرتبكا أمام التصلب الليكودى الذى لم يقبل من الفلسطينيين حتى نزولهم بمطالبهم الإقليمية عند أقل من 22 بالمئة من وطنهم.
وفى قلب المأساة الفلسطينية تجد هذا الاستنزاف المتصل للقيادات الوطنية الفلسطينية، وآخر صوره هو إعلان إفلاس القيادة الفلسطينية الراهنة والمطالبة بمن يخلف محمود عباس. صحيح أن منظمة التحرير الفلسطينية أنهكت وشاخت. وصحيح أن قيادة شابة تطرح أسلوبا جديدا فى العمل الوطنى الفلسطينى يجسده الأسير الفلسطينى السابق يحيى السنوار، الذى يمكن أن يكون نيلسون مانديلا الفلسطينى، لكن لن يتحقق الخروج من الدائرة المفرغة التى وقع فيها النضال الوطنى الفلسطينى من أيام عزالدين القسام (والسنوار من كتائب القسام) ولن يتوقف استهلاك القيادات الفاعلة حتى يصبح الواقع الإسرائيلى – الفلسطينى هو بوصلة كل من يتصدى للخروج بنا من مستنقع الغضب والدم، وحتى تكون إملاءات الأمن الإقليمى أقوى من إملاءات النظام الدولى.
وهذا ممكن اليوم بأكثر مما كان ممكنا فى أى لحظة سبقت فى تاريخ المنطقة، خاصة بعد الخبرة الهائلة التى اكتسبتها مؤسسات صنع القرار فى مصر والأردن والسعودية والإمارات فى السنوات السبع الأخيرة، ولكن يبقى السؤال المهم: كيف يفتح قادة البلدان العربية الأربعة عيون الليكود على حقائق الوضع فى إسرائيل- فلسطين؟ كان الله فى عونهم.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع