توقيت القاهرة المحلي 21:19:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نتنياهو... وآيديولوجيا الاجتثاث

  مصر اليوم -

نتنياهو وآيديولوجيا الاجتثاث

عبد الرحمن شلقم
بقلم _ عبد الرحمن شلقم

يوم الاثنين الماضي نطق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما يسكن عقله من آيديولوجيا تراكمت وتجذرت منذ سنوات طويلة، وما يعمل من أجله حثيثاً مع رفاق اليمين الصهيوني، وكل قادة سياسة الاستيطان للسيطرة على كل فلسطين التاريخية. قال نتنياهو: «لا بد من اجتثاث التفكير في إقامة دولة فلسطينية». يعني مجرد «التفكير» في إقامة دولة فلسطينية، على ربع أرض فلسطين التاريخية، يستحق أن يُقتلع بالقوة. ولم يكتفِ نتنياهو بذلك، إذ أعلن عن دعمه للسلطة الفلسطينية مالياً.

نتنياهو قدم تشخيصاً استراتيجياً شاملاً وصريحاً وعلنياً، عن القضية الفلسطينية. لا لحل الدولتين، والسلطة الفلسطينية المقيمة في رام الله، لن تكون مهمتها العمل على إقامة دولة فلسطينية. إذن لماذا ستقدم الحكومة الإسرائيلية الدعم للسلطة الفلسطينية؟. ما يمكننا أن نفهمه من تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي هو أن السلطة ستكون بمثابة مختار الحارة، يهتم بشؤون الزواج والطلاق والميراث وشهادات الميلاد، ويتعاون أمنياً مع إسرائيل.

إن ما صدر عن نتنياهو أظهر الصفحة الأخيرة من سفر البرنامج الصهيوني اليميني الذي يقود إسرائيل وبكل وضوح ومباشرة. لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

الآن لا مناص من العودة إلى بداية البدايات، بعيدها وقريبها. الآن نحن أمام ما يمكن أن نسميه «المسألة الفلسطينية». تصريح نتنياهو، توَّج الحملة اليهودية الشاملة على ما بقي للشعب الفلسطيني من أرض. فالاستيطان اليهودي الذي يتوسع كل يوم، وقتل الفلسطينيين وهدم البيوت وحرق المزارع، وتصريحات ايتمار بن غفير وبتسرائيل اسموتريتش، كلها رفعت الغطاء عن كل المراوغات الإسرائيلية، وأعادت القضية الفلسطينية إلى جوهر بدايتها، وآيديولوجيا غلاة الصهيونية.

قبل كل ذلك نشر مائير كاهانا كتاباً بعنوان «يجب أن يرحلوا»، thy must go ويقصد بذلك الفلسطينيين، الذين يرى أن عليهم جميعاً أن يخرجوا من كل ما يسميه أرض إسرائيل، وكتب: «لا يوجد فلسطيني ولا عربي جيد. العربي الوحيد الجيد هو المقتول، أو الملقى به خارج أرض إسرائيل». عندما دخل مائير كاهانا إلى الكنيست الإسرائيلي عام 1984 ألقى خطاباً عن فكر الصهيونية الدينية، مستشهداً بالإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين، الذي يقول: «خذ ابنك الذي تحبه إسحق، واذهب إلى أرض المورية، وأقم هناك محرقة على أحد الجبال، التي أقول لك». ويورد كاهانا في اقتباسه من سفر التكوين: «في اليوم الثالث قال إبراهيم لغلاميه، اجلسا أنتما هنا مع الحمار لأنكما لا تريان ما أرى، أما أنا وإسحق فسنذهب إلى هناك، ونسجد ثم نرجع لكما». شبه أعضاء الكنيست بالذين لا يرون ما يرى. هم لا يرون إخراج جميع الفلسطينيين من أرض إسرائيل. بعد ذلك طرد من الكنيست لتطرفه. اليوم صار في إسرائيل آلاف من السياسيين البارزين، الذين يتجاوزون عنصرية وتطرف مائير كاهانا. أُخرج مائير كاهانا من الكنيست، والمبرر كان إحراجه لإسرائيل دولياً، وتطرفه وتشدده العنصري والدعوة لقتل الفلسطينيين وطردهم من أرضهم.

ما عُرفت بالمسألة اليهودية بدأت منذ الحكم الروماني لفلسطين، ثم أحداث السبي إلى القرون الوسطى وما بعدها. تعرض اليهود عبر عصور طويلة لأنواع من الاضطهاد. ظهرت أفكار لمعالجة ذلك. بدأت من داعٍ إلى اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، إلى من يدعو إلى إقامة دولة لهم. لم تكن فلسطين من بين الأراضي المقترحة لإقامة دولة لليهود. الأرجنتين وأوغندا وليبيا، كانت من الأماكن المقترحة. العودة لما أسموه الأرض المقدسة، فلسطين ظهرت بعد بروز التنظيمات الصهيونية. حتى في مؤتمر بازل الأول الذي نظمه تيودور هرتزل لم تطرح أرض فلسطين.

وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كان نقطة التحول. بعد المحرقة النازية اشتعلت قضيتهم، وانتهت بقرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1948 ثم الحرب العربية - الإسرائيلية. وما لحقتها من حروب بين بعض الدول العربية وإسرائيل. في حرب 1967 استولت إسرائيل على كل أرض فلسطين التاريخية. اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول)، كان المنعطف الأكبر في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي.

لم تعد «المسألة اليهودية» مطروحة في العالم. لكن برزت بقوة «المسألة الفلسطينية». شعب أُخذت كل أرضه، وتفرق بين لاجئ ومستعمَر.

طُرح حلان. دولة ديمقراطية واحدة تجمع الإسرائيليين والفلسطينيين على أرض واحدة، أو دولتان، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين. الحل الأخير تبنته الأمم المتحدة، وكذلك العرب في مبادرتهم عام 2002، وصار هذا المشروع هو المحور الذي تتحرك حوله كل الجهود السياسية الدولية. الفلسطينيون بعد اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية، مالوا إلى العمل السياسي، واستبعدوا الحل القائم على المواجهة المسلحة. منظمة التحرير عدّلت أدبياتها، وقبلت بوجود الدولة الإسرائيلية على حدود 1967.

بعد وصول اليمين الصهيوني إلى الحكم في إسرائيل، صار التوسع في إقامة المستوطنات اليهودية في أرض الضفة الغربية بالعنف، هو الشغل اليومي للحكومة الإسرائيلية. الدول العربية تعلن يومياً تمسكها بإقامة الدولة الفلسطينية على أرض الضفة الغربية، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وكذلك غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

تصريح بنيامين نتنياهو يوم الاثنين الماضي، باجتثاث فكرة إقامة دولة فلسطينية يعيد القضية كلها إلى بدايات البداية. الجيل الفلسطيني المقاوم سيكتب مسار المستقبل بقوة إرادته، ويدخل إسرائيل في حرب استنزاف طويلة ومتصاعدة. ستفرض القضية نفسها على الجميع، وأولهم اليهود في داخل إسرائيل وخارجها، وكذلك على جميع دول العالم. لم يستطع العنصريون في جنوب أفريقيا اجتثاث الشعب الأفريقي، ولا فرنسا في الجزائر ولا إيطاليا في ليبيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نتنياهو وآيديولوجيا الاجتثاث نتنياهو وآيديولوجيا الاجتثاث



GMT 20:59 2023 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ليتك بقيت صامتا لكن أفضل !!

GMT 04:28 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الخطر والألق

GMT 04:25 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

غزة وسيناريو الخروج من بيروت

GMT 04:23 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

خنادق الخوف العالية

GMT 04:17 2023 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أميركا... الأكلاف الداخلية للأزمة الشرق أوسطية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon