توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الميزان السياسي الدولي

  مصر اليوم -

الميزان السياسي الدولي

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

الميزان التجاري، مصطلح يعيش في تيار الأخبار على مدى السنوات البعيدة والقريبة. العلاقة التجارية بين الدول الكبيرة المنتجة، وحركة التبادل التجاري بينها، تلعب دوراً محورياً في تشكيل العلاقات بينها، وله تأثير قوي في تشكيل العلاقات السياسية. العلاقة التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، لعبت دوراً فعالاً في رسم خطوط العلاقة بين القوتين الاقتصاديتين العالميتين، في حين لم تشكّل الموازين التجارية التأثير نفسه في العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.

اليوم صار الميزان السياسي الدولي هو القوة التي تحرّك الأحداث على سطح الأرض. تراجعت الآيديولوجيا التي كانت يوماً هي غرفة عمليات الصراع بين الشرق والغرب. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والدول التي تتحرك في مداره، وقيام الاتحاد الأوروبي، وتطور وسائل الاتصال والتواصل بين الأفراد وقوة القنوات الفضائية المرئية، برزت معطيات ناعمة لها فعلها. الولايات المتحدة، خاصة تحت حكم الحزب الديمقراطي، تعمل على تصدير فكرها السياسي المتمثل في التعددية الديمقراطية، وحقوق الإنسان وحرية التعبير، إلى آخر القائمة في الوصفة الأميركية. الصين بما حققته من قفزة اقتصادية غير مسبوقة، لعبت دوراً في إعادة طرح السؤال، هل هناك نمط واحد للنظام السياسي الذي يحقق التنمية والنهوض لكل شعوب الأرض؟

أوروبا بعدما أنجزت وحدتها، وقيام الاتحاد الأوروبي، تغيرت الموازين السياسية والاقتصادية الدولية. صحيح أن القارة العجوز، كما تسمّى، بقي الحبل السري الذي يربطها بالولايات المتحدة، خاصة في منظومة حلف «الناتو» العسكرية. أوروبا حققت توازنها القاري، ورسّخت مسارها السياسي ومجالها الأمني، بعد سنوات طويلة من الحروب القارية والعالمية. مجتمعات أوروبية جديدة حققت التقدم والرفاهية والسلم الاجتماعي لشعوبها. آسيا القارة الكبيرة، هي الخزان البشري الأكبر الذي عانى عبر القرون من الاستعمار والفقر والأمية، تخلقت فيه نمور اقتصادية كبيرة وصغيرة، من الصين والهند إلى كوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها. لكن رغم ذلك لم تنجح في تحقيق تكامل سياسي واقتصادي، عبر هيكل اتحادي كما حدث في القارة الأوروبية. تمكّنت الصين الشعبية الشيوعية من تحقيق صيغة اتحادية مع هونغ كونغ، بدولة اتحادية بنظامين سياسيين مختلفين. لا تزال الصين الشعبية الشيوعية تصر على استعادة الصين الوطنية تايوان، إلى حظيرة الأم الكبيرة، لكن بأسلوب سياسي ناعم، يحذوه الصبر. بقيت كوريا الشمالية بنظامها الشيوعي المغلق، وقوتها العسكرية الصاروخية والنووية، بؤرة مغامرة تخيف الجميع. الهند التي حققت قفزة اقتصادية وعلمية كبيرة، لا تزال تعيش بين هاجسين من القلق السياسي الكبير. جارتاها النوويتان باكستان والصين. إيران الدولة الآسيوية، حلقة قلق عابر للحدود الجغرافية والسياسية، تعمل في مجال حيوي عقائدي وسياسي متحرك، وبرنامجها العسكري الشامل الصاروخي والنووي، جعل من هذه البلاد المنتجة للبترول، بقعة تشعل المنطقة وتشغل العالم. نظامها السياسي المرتكز على مفاهيم دينية شيعية غرفها الإمام الخميني من بئر الماضي السحيق، دخلت مبكراً بُعيد ثورة الخميني في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة الأميركية، وصراعات وخصومات مع دول قريبة وبعيدة عنها. البلدان الآسيوية التي كانت يوماً جزءاً من الإمبراطورية السوفياتية، تعيش سلسلة من الاضطرابات الداخلية والصراعات مع البلدان المجاورة. الحروب بين بعض دولها لا تغيب إلا لكي تعود وتشتعل نيرانها. تركيا البلد التي كانت يوماً إمبراطورية كبرى عاشت لقرون، استعادت في العقود الأخيرة قوتها الاقتصادية والسياسية، تمتد أراضيها بين قارتَي آسيا وأوروبا، وهي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي، لكنها تبنت سياسة المجال الحيوي، في بعض بلدان الشرق الأوسط وبعض البلدان الأفريقية.

أميركا اللاتينية، قضت عقوداً طويلة في دوامة قلق سياسي وعقائدي واقتصادي. من حلم الوحدة بين دولها الذي عاشه الزعيم السياسي سيمون بوليفار. قاد معارك حقق فيها استقلال فنزويلا، وبوليفيا، وكولومبيا، والإكوادور، والبيرو وبنما عن الإمبراطورية الإسبانية. تحقق استقلال هذه البلدان، لكن فشلت الوحدة. عاشت القارة اللاتينية سنوات طويلة في صراح داخلي وخارجي. لم يغب حلم الثورة والحرية، وكان العداء للولايات المتحدة هو الحاضر في آيديولوجيات القوى الثورية الحالمة. من سيمون بوليفار إلى تشي جيفارا وفيديل كاسترو وغيرهما إلى السياسي والزعيم البرازيلي، لولا دا سيلفا، لم تنجح القارة اللاتينية في تحقيق صيغة تعاون تأسيسي أو تكاملي بينها. القارة الأفريقية، لها خصوصيتها التاريخية والجغرافية والجيو - سياسية وتكوينها الديموغرافي. القارة الأفريقية مساحة واسعة بها كل شيء. اجتمعت الدول الأوروبية سنة 1984 في برلين وقررت تقاسم البلدان الأفريقية فيما بينها. الثورة الصناعية الشاملة في البلدان الأوربية، جعلت الحاجة إلى المواد الخام ضرورة حياتية. كانت القارة الأفريقية يوماً مصدراً لليد العاملة المحركة للإنتاج في الزراعة، فسِيق آلاف الأفارقة مكبلين إلى الولايات المتحدة الأميركية، آلات تزرع وتحصد وتعمل مسخّرة في البيوت. بعد اجتماع برلين الأوربي، تدفقت القوات الاستعمارية الأوروبية إلى قارة أفريقيا. ارتكب الألمان في كلٍ من ناميبيا وتنجانيقا، صنوفاً مرعبة من الاستعباد والقهر والتعذيب. وتحرك الفرنسيون نحو شمال أفريقيا فاحتلوا الجزائر وفرضوا الوصاية على تونس، ولحقهم الإيطاليون في استعمار ليبيا، حيث مارسوا حرب الإبادة وفتحوا المعتقلات التي قضى فيها الآلاف. في جنوب القارة هيمن البريطانيون والهولنديون وفرضوا نظام المَيز العنصري (الأبرتهايد). في غرب القارة وجزء من شرقها هيمن البرتغاليون. لم تشهد قارة أخرى في العالم ما عاشته القارة الأفريقية من استعمار استعبادي وعنصري. بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في ستينات القرن الماضي، بدأت مرحلة الاستقلال في القارة. رحلت القوات العسكرية الأوروبية من بلدان القارة، لكن الاقتصاد الأوروبي الذي قام على سياسة مؤتمر برلين، ظل له ظلاً سياسياً في أغلب بلدان القارة. استقلت البلدان، لكن الدولة لم تقم في أغلبها، وبقي النظام الاجتماعي القبلي القديم هو المسيطر. قامت منظمة الوحدة الأفريقية في بداية عقد الستينات من القرن الماضي، نجحت في تعبئة القارة في محاربة نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا، وفي أواخر تسعينات القرن الماضي، حل الاتحاد الأفريقي محل منظمة الوحدة الأفريقية، لكنه لم ينجح في مواجهة ما تعانيه القارة من حروب أهلية وحركات إرهابية مؤدلجة.

هذا العرض الطويل لحال العالم اليوم، كان قراءة واسعة لمكونات عالمنا المعاش بجذورها القديمة وأغصانها الحديثة. الميزان السياسي الدولي له مشتركات مع مفهوم الميزان التجاري، وله الكثير مما يخالف ذلك. الميزان الأول يحكم المعايير في العلاقات السياسية بين الدول منفردة وبين التكتلات والمجموعات السياسية، أما الميزان الثاني فيقوم على حجم التبادل التجاري بين الدول. العالم اليوم يعيش حالة فوضى واسعة لا يغيب عنها العنف المسلح، الذي ينذر بصراعات واسعة وطويلة المدى. منظمة الأمم المتحدة التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الأمل في تأسيس ميزان سياسي لضبط العلاقة بين دول العالم وتكريس حالة السلام العالمي، لكن ما تشهده كل قارات العالم من اضطرابات يدق نواقيس تلوح بكل ما هو مرعب وخطير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الميزان السياسي الدولي الميزان السياسي الدولي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon