توقيت القاهرة المحلي 10:11:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة العابرة للقارات

  مصر اليوم -

غزة العابرة للقارات

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

العدوان الإسرائيلي على غزة، حرَّك محطات العالم السياسية، والإنسانية والأخلاقية. تباينت المواقف عبر قارات العالم. من مصطفٍّ دون تحفظ مع إسرائيل، ومن متعاطف مع الفلسطينيين الذين تعرّضوا إلى مذبحة لم يشهدها هذا القرن من قبل.

الرأي العام في مختلف دول العالم، كثيراً ما اختلفت توجهاته مع الموقف الرسمي لحكوماته. في أفريقيا، على اختلاف دولها، كان الرأي العام والموقف الرسمي موحداً، وإن اختلفت درجات الدعم الرسمي للشعب الفلسطيني. دولة جنوب أفريقيا، وهي من الدول الفاعلة، أفريقياً ودولياً، كان موقفها الرسمي والشعبي علنياً وقوياً. أدانت العدوان الإسرائيلي، وقررت سحب دبلوماسييها من إسرائيل. المظاهرات الشعبية الداعمة للفلسطينيين، تواصلت لأيام عديدة في مدن مختلفة بجنوب أفريقيا. شهدت دول أفريقية كثيرة مظاهرات كبيرة؛ تضامناً مع الشعب الفلسطيني في غزة. الشعوب الأفريقية التي عانت قروناً من الاضطهاد تحت نير الاستعمار، وعانت من التفرقة العنصرية، كلها تتذكّر موقف الشعوب العربية التي دعّمت كفاحها الطويل ضد الاستعمار والعنصرية، وقدمت لها الدعم العسكري والسياسي والمالي. مقاطعة نظام الميز العنصري الأبيض في جنوب القارة، كان لجميع الدول العربية دور أساسي فيه. زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا، كان من أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية.

بذلت إسرائيل جهداً كبيراً، لرتق علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول القارة، وقامت بمحاولات حثيثة للحضور بصفتها مراقباً في منظمة الاتحاد الأفريقي، لكن غالبية دول الاتحاد، اعترضت على ذلك، في حين أجمعت على قبول دولة فلسطين مراقباً دائماً. حتى الدول الأفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ترتفع الأصوات الشعبية والإعلامية فيها، تأييداً وتضامناً مع الشعب الفلسطيني في غزة. دولة أوغندا التي أقامت مبكراً علاقات مع إسرائيل، تكاد تجمع وسائل الإعلام فيها على إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة.

رئيس أوغندا يوري موسيفيني، وعند اجتماعه بالعقيد الراحل معمر القذافي بطرابلس، باشره العقيد بهجوم حاد عليه، وقال له: كيف تزور إسرائيل، وتقيم علاقة عسكرية وأمنية معها، ونحن من أوصلك إلى كرسي الحكم في بلادك؟ ردّ موسيفيني: أنتم من دفعني إلى ذلك. «جيش الرب» هو عدوّنا الأول والأخطر. يحاربنا في الغابات، ويشنّ هجماته ليلاً. الدعم الكبير يأتيه من حكومة حسن البشير في السودان، لتحقيق المشروع الحضاري الذي صاغه حسن الترابي، ويهدف إلى أسلمة الدول الأفريقية، وفي مقدمتها أوغندا. وأضاف موسيفيني: نحن في حاجة ماسة إلى تقنية عسكرية متقدمة، تمكّننا من مواجهة «جيش الرب» في المعارك الليلية، وهذه التقنية المتقدمة موجودة في إسرائيل. دول أفريقية استأنفت علاقتها بإسرائيل، بعد قطعها معها إثر حرب يونيو (حزيران). الدول الأفريقية الإسلامية، ترتبط بعلاقة أخوية وروحية قوية، مع الشعوب العربية، وحتى الدول التي بها أغلبية مسيحية، تجمعها هذه العلاقة. عندما جرى تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على مشروع قرار يدين العدوان الإسرائيلي على غزة، أيّدت غالبية الدول الأفريقية قرار الإدانة. دول أفريقية كثيرة تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة، وحتى من إسرائيل، لكن رغم حاجتها الشديدة لتلك المساعدات، فإنها تؤيّد القضية الفلسطينية، ولا تتردد في التعبير عن ذلك علناً، واتخاذ مواقف رسمية في المحافل الدولية. نيجيريا الدولة الأفريقية الكبرى، يتبادل على كرسي الرئاسة فيها المسلمون والمسيحيون. وهي دولة كما يقال علمانية، وتعاني منذ سنوات طويلة من عنف تنظيم «بوكو حرام» الإسلاموي المتطرف، إلا أن النظام الرسمي فيها، لا يخفي تأييده للقضية الفلسطينية. الموقف الشعبي والإعلامي في هذه البلاد الأفريقية الكبيرة، لا يتوقف عن إعلان التعبير عن تضامنه مع شعب غزة الذي يتعرّض لعدوان إسرائيلي دموي. دول الساحل والصحراء الأفريقي، رغم ما تعيشه من اضطراب سياسي، فإن الشرائح الاجتماعية مع كل اختلافها واختلافاتها، تجمع على تضامنها ودعمها للشعب الفلسطيني في غزة. أفريقيا، هذه القارة الكبيرة الواعدة بما تمتلكه من ثروات هائلة، تجعل الدول الكبيرة والصغيرة تتدافع نحوها، تمثل مخزوناً كبيراً قابلاً للاستثمار السياسي والاقتصادي العربي. ما شهدته غزة من حرب إسرائيلية دامية، يقدم اختباراً عملياً للمواقف الرسمية والشعبية والإعلامية، على المستويَين القاري والدولي. في أميركا اللاتينية، برزت مواقف رسمية عبّرت عن تأييدها للشعب الفلسطيني في غزة، ولكن المواقف الشعبية والإعلامية، كانت في غالبيتها أعلى صوتاً، إلى حد يكاد يكون جماعياً. في القارة الآسيوية، كانت المواقف الرسمية باردة إلى حد كبير، باستثناء الدول الإسلامية، أما الإعلام فتميز في غالبيته بالموضوعية إلى حد كبير. أوروبا، خاصة شريحة كبار السن، لم تنفض غبار السنين من ذاكرتها، والوجود اليهودي الكبير في وسائل الإعلام والدوائر المالية، ما زال يحرّك رماد المحرقة النازية، وما عاناه اليهود في أوروبا عبر القرون الماضية، لكن رغم ذلك فإن المظاهرات خرجت احتجاجاً على ما ارتكبه الجيش الإسرائيلي من مذابح في غزة. وسائل الإعلام الرسمية، تميل إلى الدفاع عن إسرائيل، بحجة حقها في الدفاع عن أمنها ضد ما تصفه بـ«الإرهاب الإسلامي». لكن كثيراً من الصحف والقنوات المرئية، تستضيف شخصيات سياسية وفكرية، تقدم تحليلات موضوعية عن القضية الفلسطينية.

أستاذ تاريخ ومفكر كبير، هو ألساندرو باربيرو، وله جمهور عريض من المتابعين لمحاضراته في قناة الرأي التاريخية الإيطالية، قدم عرضاً تاريخياً طويلاً وعميقاً عن الوجود اليهودي في فلسطين، فنَّد فيه الادعاءات التاريخية اليهودية. الموقف البلجيكي والإسباني، مثلاً معطية سياسية لها ثقلها داخل الاتحاد الأوروبي، إذ عبرا عن محركات ما تشهده الأراضي الفلسطينية من صدام دامٍ من سنوات طويلة، مما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية.

لقد عبرت غزة القارات سياسياً وإعلامياً وشعبياً، وكل البشر في جميع أنحاء العالم يعيشون مع الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين في غزة، الذين تُدفن أجسامهم الممزقة تحت الركام، ويعانون من انعدام شروط الحياة.

قيل الكثير، وكُتب في كل بلدان العالم عن ما شهدته غزة المنكوبة، وصارت قبلة لقلوب المليارات من البشر. العالم سيعيش برؤية ما بعد غزة، لسنوات طويلة آتية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة العابرة للقارات غزة العابرة للقارات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon