توقيت القاهرة المحلي 09:06:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة

  مصر اليوم -

فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

من الذي أنهك الآخر، فلسطين أم الزمان؟ منذ ولادة الدنيا، جاء معها توأمها الروحي الدامي، الأسطورة (فلسطين)، حيث تعانقت أنوار الأديان السماوية، وتصادمت العقائد بالعقل والعضل. غابت فلسطين كثيراً عن الشفاه والآذان، لكنها بقيت في الضمائر والوجدان. حطب الصراع الذي لا يحترق، وإن حرق القرون في آتون الحروب الساخنة والباردة بين الأقوام والأديان. لكل حلقة من مسيرة البشر بؤرة تشد إليها العقول والضمائر. منذ بداية خمسينات القرن الماضي بدأت قضية فيتنام تزجي الحطب للحرب الباردة بين العملاقين في شرق الدنيا وغربها. تحولت إلى انفجار عالمي على المستويين العسكري والإنساني بعد تدخل الولايات المتحدة بقوتها العسكرية الضاربة ضد الفيتكونغ، قوات فيتنام الشمالية الشيوعية بقيادة هوشي منه المدعومة من الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي. أصبحت تلك الحرب ناقوساً يضرب أسماع العالم سياسياً وإعلامياً، وتحولت إلى هاتف إنساني عبأ الدنيا ضد الولايات المتحدة. كان لذلك الناقوس صوت عاصف داخل الولايات المتحدة ذاتها. وبمرور الأيام والشهور تقهقرت القوات الأميركية ومعها قوات فيتنام الجنوبية، واندفعت قوات الفيتكونغ نحو سايغون عاصمة الجنوب، ورضخت أميركا وانحنت لعاصفة السلام وإنهاء الحرب، وتوحدت فيتنام بشمالها وجنوبها تحت قيادة الحزب الشيوعي، وطويت صفحة كبيرة من حرب دامية رهيبة بين الشرق والغرب، لكنها أبقت سطورها ناطقة في التاريخ والضمير الإنساني. تلك حلقة من التاريخ خلت، وأخذت معها بؤرة تجمع حولها تعاطف ملايين البشر من كل الدنيا، لكنها ساهمت في صناعة المصافحة التاريخية بين الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وفتحت باب الترحاب لمرحلة من حالة سلام موصوف بين الشرق والغرب.

ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي الطويل، كانت انتفاضة شدَّت العقول والضمائر الإنسانية عابرة للجغرافيا والحدود القومية والدينية. تلك الثورة التي دفعت فيها الجزائر أكثر من مليون شهيد كانت مفتاحاً لباب الاستقلال في الكثير من الدول الأفريقية.

غابت عن سطح الاهتمام الإنساني العام قضية سياسية تقرع الضمير بمطرقة الإعلام يومياً إلى أن انفجر نضال شعب جنوب أفريقيا ضد العنصرية، وأصبح نيلسون مانديلا الاسم الذي يدخل البيوت والضمائر عبر وسائل الإعلام التي شهدت تطوراً غيَّر حواس البشر.

قضية فلسطين ولدت في مهد القرن العشرين بوعد بلفور وكبرت بين صمت وصخب. تدفقت أحداث ودماء، وتغيرت خرائط السياسة والقوى التي واصلت رسمها بقوة السلاح والمصالح والتوازنات والصدام بين محاور وتحالفات لم تتوقف منذ الحرب العالمية الأولى إلى الحرب الثانية وارتداداتها السياسية والعسكرية والمالية، وكذلك الثقافية على مستوى العالم. كان قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين سنة 1947 بين اليهود والعرب فوهة نار لحرب لم تطل، استولى فيها اليهود على رقعة أوسع من تلك التي فوق خريطة التقسيم. القدس التي جعلها القرار الأممي منطقة دولية استولى اليهود على الجزء الغربي منها، لكن اليهود المتشددين رفضوا قرار التقسيم وكانت عيونهم وعقولهم نحو القدس الشرقية، حيث بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي يعتقدون أن الهيكل اليهودي يربض تحته. من 1948 إلى 1967 غابت قضية فلسطين عن طوفان السياسة الدولية وصوت الرأي العام الدولي، لكن القضية الفلسطينية لم يخفت صوتها في الضمير والصوت والعقل الفلسطيني والعربي. جيل جديد من الفلسطينيين وُلد من رحم المعاناة في مخيمات اللاجئين والشتات، يأس من الأمل في الجيوش العربية التي هتفت الأناشيد والخطب الحماسية بقرب زحفها الكاسح لتحرير فلسطين. انطلق العمل المسلح، داخل الأراضي المحتلة وأعمال متنوعة خارجها، أدانها الكثير، لكنها أعلنت عن وجود مأساة اسمها فلسطين. كانت منظمة فتح بقيادة ياسر عرفات هي الطليعة المسلحة وصارت سياسية أيضاً. بعد أن قالت غولدا مائير: لا يوجد شيء اسمه فلسطين أو شعب فلسطيني، فرضت المقاومة هذا الاسم على خريطة العالم السياسية وبدأ الرأي العام ووسائل الإعلام العالمية يتحدث تعاطفاً، بل وتأييداً للقضية.

من مؤتمر مدريد إلى أوسلو، أصبح العمل السياسي عبر المفاوضات مع إسرائيل أداة أخرى من أدوات المقاومة وخياراً كبر مع كثافة الأحداث.

وُقّع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية أميركية. اعترفت إسرائيل بالمنظمة، واعترفت المنظمة بدولة إسرائيل. الاتفاق كان ملغوماً وغامضاً. أجلت القضايا الأساسية وهي: الدولة الفلسطينية، واللاجئون والقدس، والمستوطنات والحدود، إلى ما سُمّي الحل النهائي. أخذ الفلسطينيون شيئاً واحداً اعتبروه إنجازاً ونصراً، وهو ـ السلطة الوطنية في غزة والضفة.

جرت الانتخابات وفازت حركة حماس، وترأست الحكومة، لكن الصدام بين الجسمين، «فتح» و«حماس» انفجر بسرعة وغادرت السلطة غزة.

اليوم، وبعد أن اعترف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأوقف الدعم المالي للسلطة، وتوسعت إسرائيل في بناء المستوطنات بلا كابح، وأصدرت قانوناً أساسياً بيهودية الدولة، أصبح «أوسلو» في غياهب الموت. السلطة الفلسطينية في سياسة نتنياهو مجرد بلدية شكلية تدير شؤون الخدمات الفلسطينية، تضبط الأمن في الضفة. وأصبحت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بقعاً متناثرة فوق جلد نمر، تراها إسرائيل مجرد حَوارٍ يحكمها مخاتير تحت رعاية بلدية رام الله.

غزة... تحت سلطة «حماس» ترفض كل ما هو في رام الله من حكومة ونظام، ولا ترى مساحة للتصالح أو حتى التفاهم معها. هي تؤمن بآيديدولوجيا إسلامية إخوانية ترفع شعار التحرير من البحر إلى النهر، وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل.

إسرائيل ومعها الولايات المتحدة لهما استراتيجية واضحة، وهي، إنهاك السلطة في رام الله بقطع المساعدات المالية، ومحاصرة نشاطها السياسي الدولي وتوسيع الشقة بين الأطراف الفلسطينية، وجعلها جسماً هزيلاً يذوي مع مرور الزمن. الرئيس محمود عباس هو آخر الشخصيات في القيادة الفلسطينية التاريخية، والمجهول قادم من بعده وفقاً للرؤية الإسرائيلية، والدولة الديمقراطية الواحدة التي تجمع اليهود والعرب فوق أرض فلسطين وبحقوق وواجبات متساوية، طمرها تراب الزمن. تسرب أخيراً أن أحد العرب أعاد طرحها على الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رد ساخراً: إن ذلك يعني أن يكون رئيس وزراء إسرائيل بعد سنوات قليلة اسمه محمد. الوصفة الاقتصادية المقدمة إلى غزة ذات لون إنساني، تهدف إلى (مأسسة الانفصال) بين جناحي فلسطين الضفة وغزة، باستثمار المعاناة الكارثية التي يعيشها الغزيون وتقديم مشروع اقتصادي برّاق يجعل من القطاع مساحة للرخاء من خلال سوق حرة مزدهرة يهفو إليها حلم الفلسطينيين، وتتراجع هبَّات المواجهة مع إسرائيل.

المصالحة بين طرفي الجسم الفلسطيني، مسيرة طويلة، من لقاء مكة إلى الخرطوم وجولات كثيرة في القاهرة، أكدت أنها ركض وراء ما يمكن أن نسميه حلماً مراوغاً. ما يفرق الطرفين أكثر وأقوى بكثير مما يجمع. لقد تراكمت حجارة الخلاف الذي وصل إلى حد الصدام الدامي، وفرضت السلطة عقوبات على غزة التي اعتبرتها تحالفاً مع إسرائيل ضدها. التهدئة التي تعني هدنة طويلة المدى بين إسرائيل و«حماس»، ستجعل القطاع إمارة فلسطينية بلون إسلامي مدجن بقوة الانفراج الاقتصادي.

ذلك هو الحل النهائي الذي تدفع وتندفع نحوه إسرائيل، والعداوة الحادة بين الأطراف الفلسطينية تصنع الحجارة التي تبني الجدار العازل بين السلطة و«حماس».

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة فلسطين من أوسلو إلى التهدئة والمصالحة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon