توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا اللاتينية من الدبابات إلى الاقتحامات

  مصر اليوم -

أميركا اللاتينية من الدبابات إلى الاقتحامات

بقلم : عبد الرحمن شلقم

أميركا اللاتينية ميدان المعارك المفتوحة بين اليمين واليسار. وصل اليساريون إلى الحكم في عدد من دول القارة، لكن اليمين لم يهدأ قَطّ في العقود الأخيرة. قامت الجيوش بإسقاط أكثر من نظام في القارة. كانت هي قبضة اليمين الضاربة. الولايات المتحدة لم تخفِ في كثير من الحالات وقوفها وراء تلك الانقلابات، خاصة في خضم الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية. الانتخابات الديمقراطية كانت سلم اليساريين لاعتلاء السلطة، لكن الجيش نجح أكثر من مرة في إسقاط رؤساء اعتلوا كراسي الحكم عبر صناديق الانتخابات. ما جرى منذ أيام قليلة في جمهورية البيرو، وبعده في البرازيل، يعيد ما شهدته القارة منذ بدايات النصف الأول من القرن العشرين.
في البيرو جرى عزل الرئيس اليساري بيدرو كاستيو، وأحيل إلى القضاء بتهمة الفساد. تهمة الفساد هي الوصفة التي لا تغيب في الصراع السياسي، وتلاحق رؤساء اليسار. إيفون موراليس رئيس بوليفيا اليساري السابق، أسقط بتهمة الفساد. والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بعد نهاية ولايته الثانية السابقة، ألقي به في السجن بنفس التهمة.
كانت دبابات الانقلابيين في السابق هي القوة التي تضرب صناديق الانتخابات، وتُدخل الدبابات الجنرالات على أبراجها إلى قصور الرئاسة. وقد شاركت حتى الطائرات أحياناً في قصف قصور الرؤساء. في سنة 1976، أطاح الجنرال خورخي فيديلا، بالرئيسة المنتخبة إيزابيلا بيرون. واستولى على السلطة في الأرجنتين مع عصبة من رفاقه العسكريين. وشن حملة قمع واسعة وعنيفة على المعارضة التي يقودها اليسار. وشهدت الأرجنتين في عهد فيديلا عشرات الآلاف من القتلى، بينهم الكبار والصغار، وامتلأت السجون بأكثر من ثلاثين ألف مواطن، وتحولت البلاد إلى معسكر واسع للتعذيب. وفي تشيلي فاز الزعيم اليساري سلفادور اللندي بالرئاسة سنة 1970، وكان من المعارضين الأشداء للسياسة الأميركية. أعلن الرئيس الأميركي نيكسون صراحة، أن بلاده لن تتهاون في التعامل مع سلفادور اللندي، وسوف تسقطه. مارست الولايات المتحدة سياسة تضييق الخناق على الاقتصاد التشيلي، واتسع غضب الناس، وقام قائد الجيش أوغستو بينوشيه، بانقلاب ضد سلفادور اللندي سنة 1973، وطلب منه الاستقالة، وعندما رفض الرئيس، وتحصن بالقصر الرئاسي، جرى قصفه بالطيران، وقُتل ومعه بعض أنصاره. كان اللندي صورة جديدة للرمز الثوري اللاتيني، غير تلك التي مثلها كاسترو وجيفارا.
لقد وصل إلى رئاسة البلاد بانتخابات شفافة، وشرع في تنفيذ سياسة اقتصادية هدفها تحقيق العدالة الاجتماعية، ما أغضب الولايات المتحدة الأميركية. تواصل سلفادور اللندي مع قوى اليسار اللاتيني الديمقراطي؛ إذ وجد تجاوباً واسعاً في دول القارة. وسّع علاقاته مع يسار العالم الثالث، وشرع في تشكيل محور معادٍ لسياسات الولايات المتحدة الأميركية. مقتل اللندي بتلك الطريقة الدموية، ورفضه مغادرة قصره الرئاسي، وصموده بداخله حاملاً سلاحه، وتوجيه كلمة للشعب عبر الراديو والتلفزيون، جعلت منه رمزاً لمواجهة الانقلابات العسكرية في القارة كلها.
مقاومة الشعب لديكتاتورية خورخي فيديلا في الأرجنتين، وأوغستو بينوشيه في تشيلي، ونهايتهما أمام القضاء؛ فتحت الأبواب لعصر جديد في القارة، ومكنت الزعامات اليسارية من الوصول إلى سدة الحكم، عبر صناديق الاقتراع.
اليمين لم يستسلم؛ فبعد نهاية حقبة الدبابات، صارت الاقتحامات هي وجبة الاختبار.
دخل لولا دا سيلفا، زعيم حزب «العمال» اليساري، إلى القصر الرئاسي البرازيلي للمرة الثالثة بعد خروجه من السجن. الرئيس المغادر بولسونارو، اقتدى بصديقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، فلم يحضر حفل تنصيب الرئيس لولا، وقام أنصاره بالهجوم على القصر الرئاسي والبرلمان، ودوائر حكومية في العاصمة. خسارة بولسونارو بفارق ضئيل في الانتخابات، شجعت أنصاره على رفع وتيرة نشاطهم، ويعملون على تعبئة الجماهير، كما فعل اليساريون في تعبئة الشارع ضد الانقلابات في السنوات الماضية.
التضامن الذي أبداه قادة العالم مع الرئيس لولا دا سيلفا، وما أعلنه عن توجهه لمساعدة الفقراء، ومنع قطع أشجار غابات الأمازون؛ كل ذلك سيحفز لولا وأنصاره على اتخاذ موقف متشدد تجاه القوى اليمينية. لقد ولّى عهد الانقلابات، وسيطر اليسار عبر صناديق الاقتراع على قيادة أغلب دول القارة، بدعم من الجماهير، وتراجعت قوة اليمين، لكن الأزمات الاقتصادية لا تزال تضغط على أغلب شعوب المنطقة التي تندفع في أرتا هجرة طويلة نحو الولايات المتحدة الأميركية، وقد تنجذب في السنوات القادمة نحو الزعامات والأحزاب المحافظة، ويتحرك مزاجها الانتخابي نحو اليمين القريب تقليدياً من الولايات المتحدة الأميركية.
البرازيل هي القوة الاقتصادية والسياسية الكبرى في القارة، وهي مؤهلة في ظل قيادة الرئيس لولا دا سيلفا لأن تقدم نموذجاً اقتصادياً لبلدان القارة. ما يدعو للانتظار هو ما يخطط له الرئيس البرازيلي المغادر بولسونارو: هل سيكبح غضب أنصاره، ويواصل علاجه في الولايات المتحدة الأميركية بهدوء، ويُعد العدة لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة بعد ما حققه من نسبة مهمة في الانتخابات الأخيرة، أو سيدفع أنصاره إلى رفع وتوسيع وتيرة الاحتجاجات، لإرباك الرئيس لولا دا سيلفا في السنوات القادمة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا اللاتينية من الدبابات إلى الاقتحامات أميركا اللاتينية من الدبابات إلى الاقتحامات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon