توقيت القاهرة المحلي 09:13:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عالم يركض كما نراه... هل نلحق به؟

  مصر اليوم -

عالم يركض كما نراه هل نلحق به

بقلم : عبد الرحمن شلقم

العقد الثاني من هذا القرن، رسم صورة الزمن الجديد الذي نعيشه، والآتي القريب في الأفق الإنساني، بكل ما فيه. القرن العشرون كان زمن الحروب العالمية والآيديولوجيا، والعلم والحداثة وما بعدها. أوروبا هي القائد في كل شيء، بشرقها وغربها، والولايات المتحدة الأميركية، بوصلة القوة العسكرية والمالية. الصين الجديدة بلا ماو تسي تونغ، ألقت رداء الآيديولوجيا الحمراء الحالمة، ودخلت الزمن الجديد، بحواس وعضلات أخرى. دخلت بيوت الدنيا بما كبر وما صغر من المنتجات، وأبدعت ترمومترها الخاص لقياس المناخ السياسي والعسكري والاقتصادي الدولي. أميركا اللاتينية من أحلام سيمون بوليفار بتوحيد القارة، وتحويلها ولاياتٍ متحدةً لاتينية، إلى لحيتي غيفارا وكاسترو الثوريتين، وخليفة السابقين هوغو تشافيز الرئيس الفنزويلي الراحل، الذي أبدع في سياسة تحويل، أغنى بلد في القارة اللاتينية، دولةً يفرّ سكانها بحثاً عن كسرة خبز. ذاك زمن الأحلام الرمادية القاتلة. انهار الكيان الشيوعي، ومعه آيديولوجيته الاشتراكية الديكتاتورية، وسادت الرأسمالية برأسيها الأميركي والأوروبي. القارة الأفريقية تحررت من الاستعمار، ومن الهيمنة العنصرية في جنوبها، ولكن آفة الانقلابات العسكرية التي أصابت الكثير من دولها، ولم تغب عنها الحروب الأهلية، ظلَّت أرض الأطماع الاستعمارية الجديدة. دخلت اليوم في دوامة الصراع الروسي - الغربي والتركي والصيني. الفقر والجفاف وفرار شبابها إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، ومنهم من انخرط في المنظمات الإرهابية المتطرفة التي يتوسع وجودها بقوة في مختلف أنحاء القارة.

ماذا عن منطقتنا، التي صار اسمها يترجرج مع حركة الزمن؟ هناك من يسميها، العالم العربي، أو المنطقة العربية، أو البلدان الناطقة بالعربية، أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بُعيد بداية سنوات الاستقلال في المنطقة، بدأت أسئلة تطرق رؤوس النخب السياسية والمثقفة، وبعد استيلاء حركة الضباط الأحرار على السلطة في مصر، وبروز الرئيس جمال عبد الناصر زعيماً عربياً، اندفع وراء زعامته، قطاع واسع من الجيل العربي الجديد، وكانت الوحدة المصرية - السورية، تعبيراً عملياً عن إمكانية تجسيد الحلم القومي العربي في الوحدة. انهارت الوحدة بعد سنوات قليلة. صوتان جديدان جمعا بين الآيديولوجيا والحلم السياسي، عبّر عنهما اللسان الإعلامي الجديد، الراديو. التقدمية والرجعية خطّا الطول والعرض في تصنيف الدول العربية من المحيط إلى الخليج. بعد هزيمة يونيو (حزيران) الكارثية، تكسرت الأحلام ومعها الكلام، وتمزقت خرائط رسمها زمن رمادي كان حطبه الخطاب والشعار والنشيد والهتاف.

بعد هزيمة يونيو، تلاشى الحلم القومي الوحدوي، وهبّت ريح المد السياسي الديني. لكن بقايا الآيديولوجيا القومية، اجترحت صيغاً أكثر اعتدالاً في مشروعاتها الوحدوية. اتحاد الجمهوريات العربية الذي ضم كلاً من ليبيا وسوريا ومصر، لكنه غَـرُب بسرعة، والاتحاد العربي الذي ضم كلاً من اليمن ومصر والأردن والعراق. لكنه كان مجرد عنوان لقصيدة شعر سياسية حالمة، تبخرت مع أول صباح. توحّد اليمنان شمالاً وجنوباً، لكن الحرب كانت أسرع وأقوى، وانفصل الشقيقان. العراق وسوريا اللذان حكمهما حزب واحد، اعتنق مبدأ الوحدة، تحوّلا ألد عدوين في المنطقة. اتحاد المغرب العربي، ضم دولاً لا يجمعها شيء، سوى الجغرافيا. الجمهورية الإسلامية الموريتانية، المملكة المغربية، الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، الجمهورية التونسية، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. والوحدة الليبية - المغربية الثنائية.

هذا الاستعراض التاريخي المسهب، يكشف حالة القلق السياسي الذي ساد المنطقة في زمن يتحرك فيه العالم. القضية الفلسطينية، كانت القدّاحة التي تشعل ضمير ومشاعر عامة الشعوب العربية، لكن مع مرور السنوات، كانت تزداد تعقيداً، وكل التيارات السياسية، جعلت منها عنواناً سياسياً شعاراتياً انتهازياً، من القوميين إلى الإسلاميين. المشروع الوحيد الذي نجح وعاش، وحقق سلاماً وتعاوناً واستقراراً، كان مجلس التعاون الخليجي. لماذا نجح، ولم يغرُب؟ لم يتأسس هذا الكيان على شعارات قومية أو اندماجية، بل على تعاون بين دول لها هوياتها الوطنية، وسيادتها وأسلوب حكمها وإدارتها، والهدف هو التعاون الثنائي والجماعي. هناك مشتركات اجتماعية وثقافية وتاريخية بين هذه الدول، وفّرت له حمولة تعاون موضوعية، من دون سقف متخيل يتجاوز الممكن الواقعي.

اليوم، تشتعل نيران الحروب الأهلية، في أكثر من بلد عربي، وكلها نتاج إدارات سياسية، لم تعرف طبيعة العالم الذي نعيشه اليوم. العلم والبحث العلمي، مراكز البحوث، والتصنيع وتطوير الاقتصاد، والعلاقات الدولية المتوازنة المبنية على المصالح المتبادلة، هي أعمدة الكيانات الوطنية. أوروبا لم تؤسس اتحادها الكونفدرالي، بشعار القومية الأوروبية، أو بآيديولجيا يمينية أو يسارية أو دينية. الاتحاد الأوروبي يضم دولاً بروتستانتية وكاثوليكية وأرثودوكسية. لقد تعلّم الأوروبيون من مآسيهم الدموية من الحروب الطويلة، التي أشعلها التطرف الوطني والديني. اندمجوا في عصر خلقوه وخلقهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم يركض كما نراه هل نلحق به عالم يركض كما نراه هل نلحق به



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon