توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب الفلسطينيين الأولى

  مصر اليوم -

حرب الفلسطينيين الأولى

بقلم : عبد الرحمن شلقم

فلسطين ميدان الحرب الطويلة العابرة للأزمان. منذ إعلان بريطانيا وعد بلفور سنة1917، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بدأت حروب سياسية ومسلحة على أرض فلسطين وحولها. قاوم الفلسطينيون المشروع الصهيوني، بالسلاح والإضرابات والمظاهرات. لكن الآخر لم يغب. الحاج أمين الحسيني الذي قاد المقاومة الفلسطينية في سنوات أربعينات القرن الماضي، توجه إلى الزعيم النازي أدولف هتلر وتحالف معه لنصرة القضية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني. كانت النتيجة الخسارة بعد هزيمة المشروع النازي. بعد صدور قرار الأمم المتحدة سنة 1947 بتقسيم أرض فلسطين بين اليهود والعرب، أعلن القادة الصهاينة تأسيس دولتهم. رفضت الدول العربية المستقلة آنذاك المشروع، وشنت حرباً على الدولة اليهودية الوليدة. لم يؤسس الفلسطينيون كياناً سياسياً له ذراع عسكرية تقاتل. تولى القادة العرب مقاومة الكيان اليهودي الجديد عسكرياً، وهُزمت الجيوش العربية. بعد هدنة رودس بين العرب وإسرائيل، ساد هدوء على الحدود. مناوشات محدودة، لكن اشتراك إسرائيل في الهجوم على مصر مع فرنسا وبريطانيا سنة 1956 حرّك القضية وأبعادها التاريخية من جديد، ومع انتشار جهاز الراديو، والتعبئة الإعلامية من «صوت العرب» للرأي العام العربي، بدأت القضية الفلسطينية تشغل العرب، ودول العالم الثالث حديثة الاستقلال، وكذلك الشعوب المستعمرة التي تقاتل من أجل الحرية.

بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، وهزيمة الجيوش العربية، بدأ مسار جديد للقضية الفلسطينية. منذ قيام دولة إسرائيل، وحتى قبل ذلك، كان الآخرون، وأعني العرب، هم من يتولَّى القضية سياسياً وعسكرياً. لكن بعد هزيمة يونيو، شرع الفلسطينيون في تأسيس منظمات لمقاومة الاحتلال، وتولوا أمر قضيتهم. لم يتراجع دور الآخرين، وبقيت القضية الفلسطينية مادة ثمينة في سوق الزعامات والصراعات السياسية العربية، ولم تغب الآيديولوجيا في استثمار القضية. منظمة «فتح» فرضت وجودها بالسلاح والسياسة والمال، وببروز قيادة ياسر عرفات بدأ العمل المسلح بعمليات فدائية واسعة وقوية ومستمرة في مختلف أنحاء العالم ضد الكيانات والمصالح الإسرائيلية، ثم تطورت إلى عمليات استشهادية، أشعلت اهتمام العالم بالقضية الفلسطينية. تراجع دور الآخرين، لكنه لم يتوقف تماماً. بدأت إسرائيل معركة من نوع جديد. بعد إخراج الفلسطينيين من الأردن، ثم من لبنان، اتجهت إسرائيل إلى تصفية القيادات الفلسطينية، وقد تمكنت بالفعل من قتل رؤوس قيادية كبيرة.
كان أمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي المهجر، معلقاً على منظماتهم وقادتها في إقامة كيان وطني لهم فوق جزء من أرضهم، لكن ذلك لم يتحقق. ظلَّت القضية الفلسطينية حية طازجة، واتسع التعاطف العالمي معها، وأدرك قادة إسرائيل أن لا مناص من إيجاد حل ما للقضية التي لا تموت.
اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، فتح كوة أمل للفلسطينيين، ورأوا في مواده اقتراباً من كيان لهم فوق جزء صغير من أرضهم المحتلة. لكن مسار التنفيذ على الأرض كشف أن مشروع أوسلو صفقة مراوغة إسرائيلية متقنة، رغم ما أبدته الولايات المتحدة الأميركية من اهتمام توج بلقاء بين ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي بيل كلنتون. في النهاية، انزاح الرأي العام الإسرائيلي من اليمين إلى يمين اليمين الصهيوني المتطرف، وتوسع حجم المستوطنات فوق الأراضي المحتلة التي طمح الفلسطينيون إلى إقامة كيانهم المأمول عليها. السلطة الفلسطينية التي أقيمت على عين الحكومة الإسرائيلية برام الله، أتت على ما بقي من أمل الشعب الفلسطيني في الحل السياسي.
في المحصلة، خاب أمل الفلسطينيين الذين يرزحون تحت قمع الاحتلال، خاب أملهم في كل الآخرين. من حرب 1948 إلى حرب 1967، إلى اتفاق «كامب ديفيد» بين السادات ومناحيم بيغن، وإلى أوسلو، وتنصيب السلطة الفلسطينية في رام الله.
اشتعلت الإرادة الفلسطينية الشعبية فوق الأرض المحتلة. انتفاضات لا تتوقف، من الحجارة إلى حرب المواجهة المباشرة بقوة السلاح مع العدو الصهيوني. القدس وقلبها المسجد الأقصى، هي القداحة التي لا تخبو شعلتها. كلما زاد التطرف اليميني الصهيوني العنصري تسابق الشباب الفلسطيني إلى ميدان المواجهة المباشرة مع قوات الجيش والأمن الإسرائيلي. اليوم تجد إسرائيل، ومعها مؤيدوها في الخارج، يجدون أنفسهم في حرب غير مسبوقة، وهي (حرب الشعب الفلسطيني المباشرة) مع المحتل العنصري. خلع الفلسطينيون ثوب الأمل في الآخر؛ البعيد والقريب، وألقوا به في حفرة العدم. كل شاب فلسطيني هو كتيبة مسلحة تتحرك في كل مكان ووقت، تواجه المستوطنين الذي يقتلون ويخطفون. يستولون على الأرض ويدمرون البيوت ويبنون مستوطناتهم فوق المزارع الفلسطينية بعد تدمير ما فوقها من شجر وحجر. اليوم ونحن نرى ونسمع ما يجري من مواجهات بين جيش فلسطيني لا تقوده قوى عربية، ولا منظمات فلسطينية، إنما قوة فلسطينية مسلحة شابة، تقودها القدس ومسجدها الأقصى. هذه هي الحرب الفلسطينية الأولى في مواجهة المشروع الصهيوني منذ تأسيسه. بعيداً عن الوهم والمبالغة، لا نقول إن قادة إسرائيل سوف يتراجعون عن تكريس احتلالهم، والتوسع في برامجهم الاستيطانية، أو إن الولايات المتحدة الأميركية ستوقف دعمها لإسرائيل، وإنما نقول إن هذه الحرب الفلسطينية لن تتوقف، بل سوف تتسع وترتفع، وسترهق إسرائيل سياسياً وعسكرياً وأمنياً. هل ستجد إسرائيل نفسها أمام خيارات إكراهية وتجنح مضطرة لمشروع سياسي تهدئ من خلاله حرب الشعب الفلسطيني الأولى معها؟ وهل سيكون المشروع طبعة جديدة ومنقحة من أوسلو، أم ورقة مراوغة، تذكي الخلافات في صفوف الشباب الفلسطيني الذي يخوض حرباً تتسع وترتفع؟
التعامل مع قيادات فلسطينية لها حساباتها التنظيمية، بل حتى الشخصية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، أسهل بكثير من التعامل مع جيش مقاتل لا تعرف من هم قادته، وما هي غرفة عملياته، وأين هي؟ حركة «حماس» تقول في بياناتها التي تصدرها بعد كل عملية مواجهة يقوم بها الشباب الفلسطينيون، إنها وراء تلك العملية بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن طبيعة تلك العمليات تؤكد أن كل من يقوم بعملية ضد القوات الإسرائيلية والمستوطنين، هو قائد وحده لها. الآيديولوجيا العاملة في فلسطين اليوم، هي الولاء للقدس ومسجدها الأقصى، وكل مقاتل فلسطيني هو منظمة بذاته.
الشعب الفلسطيني يخوض اليوم (معركته الأولى) ضد الاحتلال الصهيوني، دون وصاية أو قيادة من الآخرين، القريبين أو البعيدين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب الفلسطينيين الأولى حرب الفلسطينيين الأولى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon