توقيت القاهرة المحلي 19:05:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

5 يونيو... النكسة التي تمضي ولا تمضي

  مصر اليوم -

5 يونيو النكسة التي تمضي ولا تمضي

بقلم : عبد الرحمن شلقم

اليوم الغائر في التاريخ وفي دواخل العرب. 5 يونيو (حزيران) الذي يمر ولكن لا يرحل. يوم هبط على كل العرب من المحيط إلى الخليج كابوس نار من حيث لم يعلموا أو يفهموا. حرب خاطفة شنتها دولة إسرائيل التي لا يتعدى عدد سكانها من يعيشون في مدينة مصرية متوسطة الحجم، ومساحتها 22 ألف كم2.
قيل كثير عن حرب يونيو (حزيران)، وصدرت حولها مئات الكتب بلغات شتى، وأطلق عليها أكثر من اسم: هزيمة، نكسة، مؤامرة، خيانة، بل هناك من قال إنها مسرحية سياسية أعدت مشاهدها بإتقان داخل مصر وسوريا وخارجهما. وقوى دولية أساسية كانت في عمق خضمها، وتحديداً الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية.
هل كانت 5 يونيو (حزيران) مجرد هزيمة عسكرية، مثلها مثل ما شهده العالم من معارك عبر التاريخ انتهت بمنتصر ومهزوم، أم كانت لها خصوصية تجعلها مختلفة عما سجله التاريخ من معارك، من حيث الدوافع والترتيبات والحسابات، وما نتج عنها من تغييرات سياسية هائلة في المنطقة العربية والشرق الأوسط بكامله؟
دخلت دول عربية ثلاث الحرب ضد إسرائيل التي شنت هجوماً جوياً كاسحاً على المطارات المصرية، ودمرت أغلب الطائرات، واندفعت قواتها البرية مجتاحة صحراء سيناء دون مقاومة تذكر. دخلت سوريا الحرب، وكذلك الأردن. لا خلاف على أن مصر هي من دقَّ ناقوس المواجهة مع إسرائيل، عندما أغلقت مضائق تيران، وطلبت سحب قوات الأمم المتحدة المتمركزة بين البلدين منذ حرب القناة سنة 1956. قالت سوريا إن حشوداً إسرائيلية على حدودها، وحركت مصر قواتها إلى سيناء؛ أصبحت الحرب أمراً واقعاً لا مفر منه، ولم يبقَ إلا يوم الانفجار.
في ستة أيام، هُزمت الجيوشُ العربية، واحتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة. كيف حدثت تلك الكارثة الرهيبة بهذه القوة والسرعة المذهلة، وأصيبت الجيوش العربية الثلاثة بسكتة صاعقة؟ كتب عن ذلك وتحدث شخصيات مصرية سياسية قيادية، وأبرزهم عبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم وحسين الشافعي وأنور السادات، أعضاء مجلس قيادة الثورة المصري السابقين، في مذكراتهم ولقاءاتهم في وسائل إعلام مختلفة.
عبد اللطيف البغدادي، في الجزء الثاني من مذكراته، أرجع ما حدث إلى الصراع على السلطة بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر؛ سيطر عامر بالكامل على القوات المسلحة، وحولها إلى إقطاعية له أدارها بطريقة العمدة أو شيخ العرب، وسلم قيادتها إلى الموالين له الذين أغدق عليهم المزايا، ولم يدخل في تفاصيل المهام اليومية، ضف إلى ذلك تواضع قدراته وخبراته العسكرية، فقد كان قبل توليه قيادة الجيش المصري برتبة صاغ؛ أي رائد.
حاول جمال عبد الناصر مرات ومرات أن يبعده عن قيادة الجيش، ولكنه فشل، منذ 1962 إلى 1967، والتدخل في اليمن أضعف الجيش المصري إلى حد بعيد. اتفق مع البغدادي في ذلك زميلاه حسن إبراهيم وكمال الدين حسين. ابتعد ثلاثتهم عن الحياة السياسية، وكتبوا رسائل إلى عبد الناصر ينبّهونه فيها إلى خطورة الوضع في البلاد، ويطالبونه بإصلاح الوضع، ومواجهة الفساد والانحرافات السياسية، بل انتقدوا ما ساد البلاد من صراع على السلطة بين عبد الناصر وعامر، وتفرد الرئيس في اتخاد القرارات المصيرية. ردَّ عبد الناصر على رسائلهم بعقوبات طالتهم وأسرهم، بل وأقاربهم.
حسين الشافعي، نائب الرئيس عبد الناصر، قال إن الهزيمة كانت بسبب مؤامرة خارجية اشترك فيها أميركا والسوفيات، وخيانة داخلية قادها وزير الدفاع آنذاك شمس بدران، وقال إنه تأكد من ذلك عند ترؤسه لمحكمة الثورة التي عقدت لمحاكمة من شاركوا في محاولة الانقلاب على الرئيس عبد الناصر بعد الهزيمة، وإقالة المشير عبد الحكيم عامر.
اللواء جمال حماد، وهو من الضباط الأحرار البارزين، ومن كبار القادة العسكريين الذين تلقوا دورات عسكرية في الاتحاد السوفياتي، أرجع الهزيمة إلى التخريب المتعمد للجيش المصري، حيث تولى وزارة الدفاع ضابط بسيط لا قدرة ولا خبرة عسكرية له، وهو شمس بدران. واستشهد بحالته هو شخصياً، حيث كان قائداً أستاذاً بالكلية العسكرية، وفوجئ يوماً عندما قرأ في صحيفة «الأهرام» تعيينه محافظاً لكفر الشيخ، كما عين أحد الضباط الأكفاء سفيراً بالصين، من دون سبب أو مبرر؛ عين كثير من الضباط في الإدارات الحكومية والشركات والسفارات لأنهم ليسوا من أهل الثقة، أو أن وزير الدفاع لا يستلطفهم. وتحدث اللواء حماد عن غياب التدريب الجاد على الأسلحة الحديثة التي حصلت عليها مصر من الاتحاد السوفياتي.
وفي سوريا، كان الوضع أسوأ؛ الانقلابات التي لا تكف عن التوالد أفرغت الجيش من الكوادر العسكرية القادرة المؤهلة، وصار الولاء السياسي والانتماء الحزبي والطائفي معيار المكان والمكانة في الجيش.
أما الأردن فلها جيش صغير محترف، وقد اضطر الملك حسين لتوقيع معاهدة دفاع مشترك في آخر شهر مايو (أيار) مع مصر بعد جفوة سياسية، وبرر الملك حسين ذلك بالضغط الشعبي العارم في الأردن الذي كان يطالب بالدخول في المعركة.
في المقابل، كان الجيش الإسرائيلي يستعد منذ حرب 56 لتلك المعركة. الجنرال موشي دايان حصل على كل وثائق تلك الحرب من بريطانيا وفرنسا، وكلف فريقاً من العسكريين والخبراء لدراستها، واستخلاص خطة تفصيلية منها للحرب الآتية. ذهب دايان إلى فيتنام في أثناء الحرب الأميركية معها، ودرس تفاصيل سير المعارك، وما يمكن أن يستفيده منها في معركته الآتية مع العرب. قرر دايان أن تعتمد المعركة أساساً على القوات الجوية. فرضه الجنرالات الإسرائيليون على رئيس الوزراء ليفي أشكول، ليعين وزيراً للدفاع ضمن حكومة وحدة وطنية.
لقد تغيرت الحقائق على الأرض؛ إسرائيل وسعت مساحتها خمس مرات، وأكملت احتلال فلسطين التاريخية، وقدمت صورة جديدة لها في العالم، وصارت قوة إقليمية أساسية. وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل والأردن، تغيرت كل موازين الصراع: عقدت عشرات اللقاءات والمؤتمرات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن ثقل هزيمة يونيو (حزيران) ظلَّ شاخصاً ضاغطاً لا يغادر الأرض، والخلاف الفلسطيني لا يهدأ، واليمين الإسرائيلي يتغول، وإسرائيل تمد وجودها السياسي والاقتصادي في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
بعد 53 عاماً من ذاك الكابوس، لم تتخلق سياسة عربية عملية تواجه التغول الإسرائيلي الذي لا يمكن التنبؤ بحدوده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

5 يونيو النكسة التي تمضي ولا تمضي 5 يونيو النكسة التي تمضي ولا تمضي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon