توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل سيتجرع خامنئي كأس السم الأميركي؟

  مصر اليوم -

هل سيتجرع خامنئي كأس السم الأميركي

بقلم : عبد الرحمن شلقم

  إيران تعد الأماكن والعناصر ومجلدات الخطابات التعبوية، انتظاراً للاحتفال بالذكرى الأربعين للثورة الإيرانية العام المقبل. لا شك أن تلك الثورة شكلت حدثاً مهماً على المستوى الدولي؛ لكن ذلك الحدث حمل كثيراً من علامات الغموض، وإن أطلق صرخات الاندفاع الثوري وشعارات التقدم والحرية والديمقراطية... إلخ.

بعد سيطرة الخميني وأنصاره على حلقات السلطة ومفاصل النظام، اندفع إلى العنف الدموي ضد كل من فاحت منه رائحة الاختلاف مع توجهات الخميني وليس المعارضة. مئات من الذين ناصروا الثورة كانوا من أوائل ضحاياها. كثيرون من الثوار كانوا مع الخميني في منفاه العراقي ثم الفرنسي، انتهوا إلى الإعدام أو المنفى. الحسن بني صدر، رفيق الخميني في مواجهة نظام الشاه، وأول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هرب من طهران متخفياً ناجياً برقبته من النهاية الدامية. صادق قطب زاده، أقرب المساعدين للخميني في منفاه وأحد رموز الثورة، انتهى إلى الإعدام ومعه العشرات.

قال بني صدر، إن الخميني قال له بعد أول انتخابات في الجمهورية الجديدة، لا يهم رأي الناس، المهم رأي رجال الدين.

أسس المرشد الأعلى للثورة الحرس الثوري، ليكون القوة الضاربة له. تفرض ما يقرره. فوجئ رئيس الدولة - بني صدر - منذ الأيام الأولى بقرارات يصدرها المرشد منفرداً من دون الرجوع إليه، ويجري اتصالات مع أطراف خارجية من بينها الولايات المتحدة الأميركية.

منذ البداية، اتجه الخميني إلى سياسة المواجهة والقوة في الداخل والخارج. وضع نفسه فوق الجميع، وتوج ذلك بصياغة الدستور الإيراني الذي جعل المرشد صاحب الأمر والنهي، من خلال دسترة ولاية الفقيه في غيبة الإمام المنتظر. جعل من إيران دولة لاهوتية موصوفة بتكريس المذهب الجعفري في صلب الدستور، وهو بذلك بنى سداً عالياً بين إيران والغالبية الساحقة من المسلمين السنة. افتتح الخميني مسار جمهوريته الإمامية الاثني عشرية الجعفرية الشيعية الخارجي بالمواجهة الدامية مع العراق، التي جرت الملايين من الإيرانيين إلى حرب كانت حيناً معروفة وأحياناً منسية. فتح جبهة مبكرة للصدام مع أميركا بالهجوم الذي شنّه الطلاب الإيرانيون على السفارة الأميركية بطهران، واحتجاز العشرات من العاملين فيها، في خرق غير مسبوق للمواثيق والاتفاقيات الدولية.

الأمر الأخطر الذي علقه الخميني حبلاً في رقبة إيران، هو المادة 154 من الدستور الإيراني التي جاء فيها: الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر سعادة الإنسان في جميع المجتمعات البشرية مثلها الأعلى، وترى أن تحقيق الاستقلال والحرية والسيادة والعدالة الحقيقية من حق جميع شعوب العالم، ولهذا فإن الجمهورية الإسلامية تتعهد بعدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى، (ولكنها تلتزم بإسناد كافة النضالات الحقة للمستضعفين أمام مستكبري العالم، في أي نقطة من نقاط المعمورة)...!! هذه المادة تحمل في داخلها تناقضاً يصل إلى حد العبث. التزام بعدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى، وفي النص ذاته تعلن عن نفسها بأنها تمثل قوة عابرة لحدودها، بدعم نضالات المستضعفين في أي نقطة من المعمورة. والسؤال الذي يسوقه اليوم أي إنسان هو: هل تدعم إيران المستضعفين في سوريا واليمن ولبنان؟ ألم تتحول هي ذاتها إلى قوة تسند الظالم في هذه النقاط من المعمورة ضد المستضعفين؟

والإعدامات التي يمارسها النظام الإيراني في حق الفقراء والمستضعفين على أرضه، أليست الخرق الأكبر والفاضح لذاك النص؟

مشكلة النظام الإيراني مع العالم لم تبدأ بمشروعه لتطوير سلاحه النووي أو الصاروخي. باكستان الإسلامية امتلكت القنبلة النووية، ولم تشن الدنيا عليها معركة عسكرية أو سياسية، على الرغم من أن باكستان تقع في دائرة جغرافية سياسية متوترة وساخنة بحكم الموروث الحساس بينها وبين الهند؛ بل إن سلاحها النووي ساهم في تزكية زخم الهدوء مع الهند. مشكلة إيران المزمنة هي خيارها العنيف العابر لحدودها، الذي تصدره في صناديق السلاح والمال والآيديولوجيا الطائفية، على أكتاف شبابها الذين ترسلهم أرتالاً إلى خارج حدودها، وشبكات المال المشبوه العابر للقارات وافتعال الحروب الطائفية في مشارق الأرض ومغاربها. المفارقة العجيبة الغريبة أن تعبئ إيران المئات من المبشرين في غرب أفريقيا، لتحويل السنة إلى المذهب الشيعي، في حين يوجد بهذه المنطقة الملايين من البشر الوثنيين، ألم يكن من الأحرى أن تسخر أموالها ومبشريها لهدايتهم إلى الإسلام؟!
إيران أمة كبيرة. لها إمكانيات بشرية ومادية هائلة. جذورها في التاريخ ممتدة عبر حقب طويلة. كان بإمكانها اليوم أن تكون من النمور الآسيوية؛ بل العالمية، ولكنها أضاعت كل ذلك في وهم العظمة الذي وضعها في مؤخرة الدول، واستحقت أن تكون الدولة الأولى المنبوذة والمارقة في العالم. تفوقت على نفسها في صناعة الأعداء بمالها ودماء أبنائها، وفرضت على شعبها الفقر والبطالة والتخلف.

عندما يعلن حسن نصر الله، أن سلاح حزبه وماله وأكله وشربه، يأتي من إيران، السؤال: لماذا؟ هل لكي يحكم هذا الحزب لبنان؟ ونكرر السؤال: لماذا يحكم الحزب هذا البلد الذي أبدع توازناً سياسياً حقق له السلم الاجتماعي لعقود، رغم حساسية موقعه الجغرافي السياسي؟ تدفع إيران بالمال والسلاح إلى اليمن لتشعل من تحت رماد التاريخ ناراً طائفية ردمها الزمن.

اليوم تدخل إيران في أدغال الحرائق العالمية التي لا قبل لها بها. اللعب مع الكبار لا يكون بكرة النار. قائمة «الشروط» التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ليست قائمة من 12 نقطة للتفاوض، لكنها للقبول أو الرفض، وهي في الحقيقة كما يقول المثل الليبي «شروط النسيب الكاره»، أي أن تطالب من يخطب ابنتك بتقديم مهر لا قدرة له عليه. في جميع الحالات أن الوزير الأميركي عبر حزمة الشروط التي عرضها، قال لإيران: إما أن تغيروا أو تتغيروا. الرد الإيراني على لسان الرئيس روحاني وثلة من أعوانه، كان زخات من تهكم وعناد موجهة إلى الداخل الإيراني، ولا علاقة له بالتفكير السياسي الواقعي.

أوروبا التي تجهد سياسييها من أجل اجتراح مخرج للأزمة، تقف بين الإصرار والتصعيد الأميركي واللامعقول الإيراني، فالشروط الأميركية تغلق كل أبواب المناورات الدبلوماسية الأوروبية والصينية والروسية، والردود الإيرانية تزيد تلك الأبواب إحكاماً.

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي، يقف اليوم على منبر الحقيقة المرة القاتلة، كما وقف عليه يوماً سلفه الخميني، عندما اضطر مكرهاً إلى وقف الحرب مع العراق، قائلاً: «أنا أتجرع كأس السم، كم أشعر بالخجل لموافقتي على اتفاقية وقف إطلاق النار مع العراق».

هل ستمتد يد خامنئي إلى كأس السم والخجل؟

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل سيتجرع خامنئي كأس السم الأميركي هل سيتجرع خامنئي كأس السم الأميركي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon