توقيت القاهرة المحلي 21:02:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هاوية من دون حافة

  مصر اليوم -

هاوية من دون حافة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، منذ أكثر من سنة، تقود العالم إلى مصير مجهول مخيف. في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) السنة الماضية، شنت روسيا على أوكرانيا هجوماً، أطلقت عليه عملية عسكرية خاصة. دافعها، وفقاً للإعلان الروسي الذي سبق العملية، الحيلولة دون تمركز حلف شمال الأطلسي على حدودها الغربية، بحجة تقدم أوكرانيا بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وأعلن الكرملين أن من يحكمون كييف هم نازيون معادون لروسيا، وأن هدف العملية العسكرية الروسية هو اقتلاع حكام كييف وتنصيب حكومة أخرى لتحل محل الحكام الذين وصفتهم بالنازيين الجدد. قبل ذلك احتلت روسيا شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا وضمتها إلى أراضيها سنة 2014. وأعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي ضمها 4 مقاطعات أخرى، هي: لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون. لكن لم تتمكن القوات الروسية من السيطرة الكاملة على كل تلك المناطق.

في بداية العمليات العسكرية، قدّرت روسيا أن تحقيق ما استهدفته لن يستغرق سوى أسابيع. القوة العسكرية الروسية الضاربة لن تستطيع القوة الأوكرانية الوقوف في وجهها أكثر من أيام. هكذا كانت التقديرات الروسية. المبرر الذي ساقته موسكو أنها لن تقبل بأن يكون لحلف الناتو وجود على حدودها، لكن أولى نتائج تلك العملية كان انضمام جارة روسيا فنلندا لحلف الناتو، ولها أكثر من ألف كيلومتر تحدّها معها. منذ أول إطلاقة قام حلف الناتو بشبه تعبئة كاملة لمواجهة روسيا بتقديم دعم عسكريّ وماليّ سخيّ، بل مُبالَغ فيه للقوات الأوكرانية، وفرض الغرب عقوبات واسعة على الدولة الروسية.

السؤال الكبير، بعد مرور قرابة سنة ونصف السنة على بداية الهجوم الروسي، ألم تحسب روسيا رد الفعل الغربي على عمليتها العسكرية الخاصة، أم أن الموقف الغربي اللين من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، جعل روسيا تستهين برد الفعل الغربي على قفزتها العسكرية على أراضي أوكرانيا؟ اليوم أصبحت الحرب مواجهة عسكرية وسياسية شاملة بين دول حلف الناتو وروسيا، وأوكرانيا هي مجرد الأرض التي تدور عليها المعركة.

تراجعت روسيا عمّا أعلنته في البداية، ولم تعد تعلن إصرارها على تغيير نظام كييف، لكنها لم تتراجع عن ضم ما استولت عليه من الأراضي الأوكرانية. هل أخطأت روسيا في حساباتها منذ البداية، ولم تقرأ حجم رد الفعل الأوروبي والأميركي؟ تدفق السلاح الغربي الحديث من جميع الأنواع إلى أوكرانيا، وسُخرت الأقمار الصناعية والقدرات الاستخباراتية، والتفت حبال الحصار والعقوبات الغربية على روسيا. لقد وصل الطرفان إلى خط عدم التراجع. روسيا، وتحديداً الرئيس بوتين، ليس بإمكانه الانسحاب من كامل الأراضي الأوكرانية التي استولى عليها وبخاصة شبه جزيرة القرم بسهولة، لأن ذلك يعني نهاية وجوده في قصر الكرملين، بل يهدد بتفكك دولة الاتحاد الروسي. دول حلف الناتو التي قدمت جبالاً من السلاح ومليارات الدولارات لأوكرانيا وعبّأت الرأي العام في بلدانها ضد الهجوم الروسي، وفرضت عقوبات ثقيلة على روسيا، من المستحيل أن تتراجع وأن تقبل بغير انسحاب روسي كامل من كل الأراضي الأوكرانية، بما فيها شبه جزيرة القرم. نحن أمام معادلة صفرية، تقود إلى قاعدة الغالب والمغلوب في هذه الحرب العالمية النوعية، أي منتصر ومهزوم، كما حدث في كل الحروب الدولية، التي سُميت بـ«العالمية». العالم كله في مواجهة احتقان مرعب. نعم مرعب إلى أبعد الحدود. لقد لوَّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مباشرةً أكثر من مرة، وبلسان مساعديه، إلى إمكانية استعمال سلاح نووي تكتيكي، ولكن هل يكرر نفس حساباته الأولى عندما بدأ العملية العسكرية التي سمّاها خاصة، من دون قراءة رد الفعل الغربي، ويندفع إلى استعمال ما سمّاه بالسلاح النووي التكتيكي؟ في سنوات الحرب الباردة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، عاش العالم لحظات بالغة الخطورة، عندما تواجه الشرق والغرب في حرب الكوريتين وحرب فيتنام وأزمة خليج الخنازير بسبب نصب الاتحاد السوفياتي صواريخ في كوبا، وأزمة سور برلين. أطلق على كل ذلك التصعيد، سياسة حافة الهاوية، أي وقوف القوى العظمى على شفا حرب عالمية شاملة. كانت التسويات، والتنازلات المتبادلة، وإبداع الحلول الوسط، هي التي تصنع مسافات السلام، وتوسع حافة الهاوية التي تُبعد الجميع عن الوقوع في حفرتها. اليوم نحن أمام مواجهة مختلفة بين ما بقي مما كان يسمى بالشرق، وهي روسيا والحلف الغربي في معركة تدور فوق أرض أوكرانية، لكنها مواجهة كسر عظام وإرادات، ولن يقبل أي طرف فيها برفع راية الاستسلام.

في عقود مضت، كان في العالم قيادات وزعامات وُلدت من رحم خضمٍّ سياسي نوعي. امتلكت الدهاء والحكمة وفن المناورة، والقدرة على إبداع الحلول، لتحقيق ما سمّاه الرئيس الفرنسي ديغول، بسلام الشجعان، عندما قرر الرضوخ لإرادة الشعب الجزائري، وانسحب من الجزائر، رغم معارضة ما عُرف بالأقدام السود، من الفرنسيين المستوطنين الجزائر.

روبرت ماكنمارا، وزير دفاع الرئيس الأميركي جون كينيدي، قضى أياماً وليالي مع الرئيس كينيدي في البيت الأبيض في أثناء أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا. لم يفارقه مطلقاً طيلة تلك الأزمة، ينسق مع كل حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، إلى أن تم التوصل إلى تسوية لحل المشكلة بسحب الصواريخ السوفياتية من كوبا، وتحريك صواريخ حلف الناتو في تركيا بعيداً عن الحدود السوفياتية. الزعيم السوفياتي حينئذ نيكيتا خورتشوف، الذي عُرف بالانفعال والاندفاع، جنح إلى حل جنّب بلاده والعالم السقوط في كارثة الهاوية. الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ووزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، قبلا بالانسحاب من فيتنام، والتسليم بوحدة فيتنام تحت حكم شيوعي، بعد حرب كلّفت الولايات المتحدة آلاف الجنود ومليارات الدولارات. أمن الشعوب، وتجنيب العالم الكوارث، وحفظ بيضة الأوطان، أسمى من الكبرياء الزعامية والشوفينية القومية. استمرار حرب أوكرانيا يجعل العالم أمام خطر حقيقي غير مسبوق. آلاف الرؤوس النووية التي تمتلكها روسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا، وكلها أطراف في هذه الحرب العالمية، تهدد بدفع العالم إلى هاوية نهايات لا تُبقي ولا تذر. الأمل أن تكون العقول التي في الرؤوس، أقوى من جنون الرؤوس النووية التي في الصواريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هاوية من دون حافة هاوية من دون حافة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon