توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هاوية من دون حافة

  مصر اليوم -

هاوية من دون حافة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، منذ أكثر من سنة، تقود العالم إلى مصير مجهول مخيف. في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) السنة الماضية، شنت روسيا على أوكرانيا هجوماً، أطلقت عليه عملية عسكرية خاصة. دافعها، وفقاً للإعلان الروسي الذي سبق العملية، الحيلولة دون تمركز حلف شمال الأطلسي على حدودها الغربية، بحجة تقدم أوكرانيا بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وأعلن الكرملين أن من يحكمون كييف هم نازيون معادون لروسيا، وأن هدف العملية العسكرية الروسية هو اقتلاع حكام كييف وتنصيب حكومة أخرى لتحل محل الحكام الذين وصفتهم بالنازيين الجدد. قبل ذلك احتلت روسيا شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا وضمتها إلى أراضيها سنة 2014. وأعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي ضمها 4 مقاطعات أخرى، هي: لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون. لكن لم تتمكن القوات الروسية من السيطرة الكاملة على كل تلك المناطق.

في بداية العمليات العسكرية، قدّرت روسيا أن تحقيق ما استهدفته لن يستغرق سوى أسابيع. القوة العسكرية الروسية الضاربة لن تستطيع القوة الأوكرانية الوقوف في وجهها أكثر من أيام. هكذا كانت التقديرات الروسية. المبرر الذي ساقته موسكو أنها لن تقبل بأن يكون لحلف الناتو وجود على حدودها، لكن أولى نتائج تلك العملية كان انضمام جارة روسيا فنلندا لحلف الناتو، ولها أكثر من ألف كيلومتر تحدّها معها. منذ أول إطلاقة قام حلف الناتو بشبه تعبئة كاملة لمواجهة روسيا بتقديم دعم عسكريّ وماليّ سخيّ، بل مُبالَغ فيه للقوات الأوكرانية، وفرض الغرب عقوبات واسعة على الدولة الروسية.

السؤال الكبير، بعد مرور قرابة سنة ونصف السنة على بداية الهجوم الروسي، ألم تحسب روسيا رد الفعل الغربي على عمليتها العسكرية الخاصة، أم أن الموقف الغربي اللين من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، جعل روسيا تستهين برد الفعل الغربي على قفزتها العسكرية على أراضي أوكرانيا؟ اليوم أصبحت الحرب مواجهة عسكرية وسياسية شاملة بين دول حلف الناتو وروسيا، وأوكرانيا هي مجرد الأرض التي تدور عليها المعركة.

تراجعت روسيا عمّا أعلنته في البداية، ولم تعد تعلن إصرارها على تغيير نظام كييف، لكنها لم تتراجع عن ضم ما استولت عليه من الأراضي الأوكرانية. هل أخطأت روسيا في حساباتها منذ البداية، ولم تقرأ حجم رد الفعل الأوروبي والأميركي؟ تدفق السلاح الغربي الحديث من جميع الأنواع إلى أوكرانيا، وسُخرت الأقمار الصناعية والقدرات الاستخباراتية، والتفت حبال الحصار والعقوبات الغربية على روسيا. لقد وصل الطرفان إلى خط عدم التراجع. روسيا، وتحديداً الرئيس بوتين، ليس بإمكانه الانسحاب من كامل الأراضي الأوكرانية التي استولى عليها وبخاصة شبه جزيرة القرم بسهولة، لأن ذلك يعني نهاية وجوده في قصر الكرملين، بل يهدد بتفكك دولة الاتحاد الروسي. دول حلف الناتو التي قدمت جبالاً من السلاح ومليارات الدولارات لأوكرانيا وعبّأت الرأي العام في بلدانها ضد الهجوم الروسي، وفرضت عقوبات ثقيلة على روسيا، من المستحيل أن تتراجع وأن تقبل بغير انسحاب روسي كامل من كل الأراضي الأوكرانية، بما فيها شبه جزيرة القرم. نحن أمام معادلة صفرية، تقود إلى قاعدة الغالب والمغلوب في هذه الحرب العالمية النوعية، أي منتصر ومهزوم، كما حدث في كل الحروب الدولية، التي سُميت بـ«العالمية». العالم كله في مواجهة احتقان مرعب. نعم مرعب إلى أبعد الحدود. لقد لوَّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مباشرةً أكثر من مرة، وبلسان مساعديه، إلى إمكانية استعمال سلاح نووي تكتيكي، ولكن هل يكرر نفس حساباته الأولى عندما بدأ العملية العسكرية التي سمّاها خاصة، من دون قراءة رد الفعل الغربي، ويندفع إلى استعمال ما سمّاه بالسلاح النووي التكتيكي؟ في سنوات الحرب الباردة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، عاش العالم لحظات بالغة الخطورة، عندما تواجه الشرق والغرب في حرب الكوريتين وحرب فيتنام وأزمة خليج الخنازير بسبب نصب الاتحاد السوفياتي صواريخ في كوبا، وأزمة سور برلين. أطلق على كل ذلك التصعيد، سياسة حافة الهاوية، أي وقوف القوى العظمى على شفا حرب عالمية شاملة. كانت التسويات، والتنازلات المتبادلة، وإبداع الحلول الوسط، هي التي تصنع مسافات السلام، وتوسع حافة الهاوية التي تُبعد الجميع عن الوقوع في حفرتها. اليوم نحن أمام مواجهة مختلفة بين ما بقي مما كان يسمى بالشرق، وهي روسيا والحلف الغربي في معركة تدور فوق أرض أوكرانية، لكنها مواجهة كسر عظام وإرادات، ولن يقبل أي طرف فيها برفع راية الاستسلام.

في عقود مضت، كان في العالم قيادات وزعامات وُلدت من رحم خضمٍّ سياسي نوعي. امتلكت الدهاء والحكمة وفن المناورة، والقدرة على إبداع الحلول، لتحقيق ما سمّاه الرئيس الفرنسي ديغول، بسلام الشجعان، عندما قرر الرضوخ لإرادة الشعب الجزائري، وانسحب من الجزائر، رغم معارضة ما عُرف بالأقدام السود، من الفرنسيين المستوطنين الجزائر.

روبرت ماكنمارا، وزير دفاع الرئيس الأميركي جون كينيدي، قضى أياماً وليالي مع الرئيس كينيدي في البيت الأبيض في أثناء أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا. لم يفارقه مطلقاً طيلة تلك الأزمة، ينسق مع كل حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، إلى أن تم التوصل إلى تسوية لحل المشكلة بسحب الصواريخ السوفياتية من كوبا، وتحريك صواريخ حلف الناتو في تركيا بعيداً عن الحدود السوفياتية. الزعيم السوفياتي حينئذ نيكيتا خورتشوف، الذي عُرف بالانفعال والاندفاع، جنح إلى حل جنّب بلاده والعالم السقوط في كارثة الهاوية. الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ووزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، قبلا بالانسحاب من فيتنام، والتسليم بوحدة فيتنام تحت حكم شيوعي، بعد حرب كلّفت الولايات المتحدة آلاف الجنود ومليارات الدولارات. أمن الشعوب، وتجنيب العالم الكوارث، وحفظ بيضة الأوطان، أسمى من الكبرياء الزعامية والشوفينية القومية. استمرار حرب أوكرانيا يجعل العالم أمام خطر حقيقي غير مسبوق. آلاف الرؤوس النووية التي تمتلكها روسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا، وكلها أطراف في هذه الحرب العالمية، تهدد بدفع العالم إلى هاوية نهايات لا تُبقي ولا تذر. الأمل أن تكون العقول التي في الرؤوس، أقوى من جنون الرؤوس النووية التي في الصواريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هاوية من دون حافة هاوية من دون حافة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon