توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يغلب الشعر الزمن؟

  مصر اليوم -

هل يغلب الشعر الزمن

بقلم - عبد الرحمن شلقم

قال المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير في كتابه الفريد عن المتنبي: «شاعر عربي من القرن الرابع الهجري: أبو الطيب المتنبي»: «وثمة عنصر من أهم العناصر التي أسهمت في تحبيب ديوان المتنبي إلى الشرقيين، وهو الأقوال الحكمية التي احتواها، وهذا لعمري ليس بجديد، في عبقرية الشعر العربي، ذلك الشعر المكثف والموجز والموقع ألا يحتل فيه النوع الحكمي مكان الصدارة في آثار سلف المتنبي ومعاصريه وخلفائه، ولم يستطع أحد منهم الخضوع بسهولة لذلك القانون الأساسي في الفن الشعري العربي كما خضع له أبو الطيب، ذلك القانون الذي يحرّم التضمين، ويلزم الشاعر تركيز الفكرة في بيت واحد».
أنهى أبو الطيب معركته الطويلة مع عدوه الأكبر ـ الزمن ـ الذي ظلمه ولم ينصفه، أنهاها مثلما بدأها بحكمة القبول بقانون الفناء والنهاية القدرية، التي لا مهرب منها لمن كبر أو صغر، ولم يكتب وصفة شعرية للمقاومة، استسلم قابلاً.
ويليام شكسبير ــ رأى أن المقاومة ممكنة، بل واجبة، كيف؟
نعم، قال شاعر الزمان وغريمه، نستطيع أن نقاوم بقوتين
هما «الحب» و«النسل»، يربطهما خيط الخلود الأبدي - الشعر -...
في - السونيت رقم 56 - يقول شكسبير:
«أيها الحب العذب جدد قوتك لئلا يقال
إن نصلك أقل إرهافاً من الشبق
الذي يرتوي حتى الثمالة اليوم
لكنه يعود غداً
مرهف النصل متفجراً قوة كما كان في الأمس
ودع هذا الزمن الفاصل الآسيان»
يقدم الشاعر الكبير وصفته الثانية، للمقاومة وهي التناسل، الذي يقهر طغيان الزمن وسطوته باستمرار الخلق في الوجود، تلك الحقيقة الإنسانية المتدفقة دائماً، (التناسل)، يقول في السونيت رقم 11:

«بالسرعة نفسها التي بها تدوي ستنمو
في نسل منك.. من ذلك الذي منه تنفصم
وذلك الدم الطري الذي تهبه وأنت فتى
بوسعك أن تقول إنه لك حين تنحدر من ذرى شبابك
وهنا تكمن الحكمة والجمال والنماء
ومن دون ذلك لا شيء سوى الحمق والهرم وبارد الفناء
لو كان الخلق كلهم مثلك لانقطع الزمن
لقد صاغتك الطبيعة لتكون ختماً لها
وقد قصدت بهذا أنَّ عليك أن تطبع نسخاً أكثر
وألّا تدع ذلك الأصل يفنى».

تلك هي وصفة الخلود التي ينتصر بها الإنسان على غريمه الأبدي الأزلي، ـ الحب – والنسل، لكن، حتى تتحول الوصفة إلى «رقية» تحتاج إلى حروف قدسية تخطها وهي الشعر. أما في السونيت رقم 18 يقول:

«هل أُشبهُكَ بيوم صيفي؟
بل أنتِ أكثر بهاءً وأسجى مزاجاً:
إن الرياح العاتية لتعصف ببراعم مايو الغالية
وإن أجل الربيع لوجيز وجيز
وحدقة السماء تشع أحياناً بشواظٍ لاهبة
وكثيراً ما تغلف بشرتها الذهبية غلالة كامدة
وكل بهاءٍ يفقد ذات يوم رونقه
تجزه الصدفة أو مجرى الطبيعة المتغير
لكن ربيعك السرمدي أنتِ لن يصّوح
أو يخسر ذلك الرونق الذي هو ملك يديك
ولن يتاح للموت أن يتبجح بأنه يظلل خطاك
وبهاؤك يزدهر مع الزمن في أبيات خالدات
ما دام نفسُ يخفقُ في صدر وما ائتلق في عين نور
فستحيا هذه الأغنيات وتهبك أنت الحياة»

- تلك كانت رحلة في الزمان، في معركة يصارعها الجميع مدركاً أو غافلاً، هل معارك الكبيرين العظيمين، المتنبي وشكسبير هي سر خلودهما؟ قد يكون ذلك بقدر أو آخر، لكن الشيء الذي نكاد نجزم به هو أن الوعي الشقي بثقل الزمن يفجر في العقل والقلب، في الخيال وفي الروح آفاقاً ورحاباً، تجعل الأسئلة الوجودية كوناً مضافاً إلى معالم القريحة العبقرية الفذة، تفتح صفحات الوجود السرية والمتعالية أمام شعاع الإبداع الاستثنائي. هذا السونيت رقم ــ 108 يصبُ فيه الشاعر شكسبير، العصارة السحرية الكاملة الخالدة، شعراً وحباً وزمناً، هو بيت الزمن والحب والحياة، بيت الروح، قصيد القصيدة:

«أي شيء يوجد في الفكر وبوسع الحبر أن يكتبه
لم يصور لك روحي الحقيقية
وما الجديد ليقال، وما أدوّن الآن
مما يمكن أن يجسد حبّي، أو شمائلك النفيسة؟
لا شيء أيها الصبي الحلو لا شيء
ومع ذلك لا بد لي كل يوم مثل الصلاة الإلهية
أن أعيد قول الأشياء ذاتها
غير معتبر أي شيء قديم قديماً، أنت لي، وأنا لك
تماماً مثل أول مرة قدست فيها اسمك الجميل
من أجل ألا يحمل الحب الأبدي
في صيغة الحب الجديدة غبار الزمن وجراحه
ولا يفسح للتجاعيد التي لا مهرب منها مكاناً
بل يجعل القدم إلى الأبد غلاماً خادماً له
واجداً الصورة الأولى للحب تُربّى هناك
حيث يجعله الزمن والمظهر الخارجي يبدو ميتاً»
(شكسبير السونيتات ترجمة كمال أبوديب)

مضت السنون مات الملايين وولد أكثر منهم، الشمس تشرق والفصول تدور الزمن طاغ بلا كلل، لكن الحب، يجعل الناس تتناسل، تحيا وتغني وتغازل الزمن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يغلب الشعر الزمن هل يغلب الشعر الزمن



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon