توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا اللاتينية بين أمواج اليمين واليسار

  مصر اليوم -

أميركا اللاتينية بين أمواج اليمين واليسار

بقلم : عبد الرحمن شلقم

لم تتوقف أميركا الجنوبية عن الإبحار في دنيا التدافع والصدام بين تياري اليمين واليسار. في الانتخابات الرئاسية التي جرت في بوليفيا، فاز لويس آرسي مرشح اليسار، وهو المقرب من الرئيس السابق إيفو موراليس، الذي لجأ إلى المكسيك منها إلى الأرجنتين بعد انتخابات 2019، التي اتهم فيها بالتزوير. أميركا الجنوبية لم تستقر أغلب دولها على مدى عقود طويلة. من الانقلابات العسكرية وموجات اليسار المختلفة. اليسار الماركسي الذي أسسه فيديل كاسترو في كوبا، وكان له أنصاره في عدد من دول القارة. في فنزويلا رفع الرئيس السابق هوغو شافيز شعار البوليفارية تأسيساً على أفكار سيمون بوليفار الذي قاوم الهيمنة الإسبانية وقضى سنوات يكافح من أجل توحيد القارة، إلى الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا الاشتراكي الذي بدأ حياته عاملاً بسيطاً فقيراً إلى أن وصل إلى سدة الرئاسة لأكبر دولة في القارة وانتهى به مطاف الحياة والسياسة إلى السجن بتهمة الفساد.
أميركا الجنوبية أو اللاتينية لها تكوين خاص. بها سكان أصليون متحدرون من سلالة الهنود الحمر والأوروبيون من أصول إسبانية وبرتغالية وإيطالية وغيرهم، وكذلك الأفارقة الذين جلبهم المستعمر الأوروبي كآلات للعمل في المزارع.
رغم الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها القارة، إلا أن الفقر ظل قريناً لها على طول مسيرتها. بها كل أنواع المعادن والأنهار والأراضي الزراعية التي تمتد في كل أرجائها بلا حدود، لكن الفساد ينخر في كل شيء، وقد انتهى عدد كبير من السياسيين فيها إلى السجون بتهمة لا تغيب، وهي الكلمة المزمنة، الفساد. البحث عن الترياق الشافي لا يغيب عن معظم دول القارة، بين من يراه في الانقلاب العسكري، ومن يرى أن الاشتراكية هي الطريق إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وغيرهم يعتقد أن اليمين هو الباب السحري الذي يدخل الوطن إلى دنيا النهوض والرفاهية. هذه الخيارات والمسارات المختلفة مرت بها شعوب كثيرة في مختلف القارات، أوروبا وآسيا وأفريقيا، لكن أغلب الشعوب وصلت اليوم إلى ثوابت أساسية ترتكز على تحقيق العدالة وضمان الحد الأدنى من الكرامة وشروط الحياة لكافة أبناء الشعب. الرأسمالية لم تعد هي تلك التي كانت يوماً ترى في العمال مجرد آلات مؤجرة يتحكم بها مالك رأس المال، وقد لعبت النقابات في أوروبا دوراً مفصلياً في تحقيق الحد الأدنى للأجور وساعات العمل والتأمين الصحي للعمال. لا توجد وصفة سحرية سياسية أو اقتصادية تجعل الحياة جنة على الأرض، ولكن العقل الإنساني توصل إلى أن الحرية والديمقراطية وسيادة القانون والتداول السلمي على السلطة، قادرة على مواجهة الخلل في مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية واجتراح معالجات عملية وواقعية لها.
أميركا اللاتينية ما زالت تتأرجح أغلب دولها بين خيارات اليمين واليسار، بعدما تراجعت موجة الانقلابات العسكرية التي كلفت بلدانها الدماء والسجون وتمزيق النسيج الاجتماعي، ولم تزل آلاف النساء يتظاهرن في شيلي مطالباتٍ بمعرفة مصير أبنائهن الذين اختفوا في عهد حكم الجنرال بينوشيه، بعد أن أطاح بالرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي. أما دولة فنزويلا التي تمتلك أحد أكبر احتياطي بترول في العالم فهي تعاني من الفقر وغادرها الملايين من أبناء شعبها إلى بلدان مجاورة من أجل لقمة الخبز.
البرازيل التي شهدت في عهد الرئيس الاشتراكي لولا دا سيلفا، قفزة اقتصادية غير مسبوقة، عادت إلى سابق عهدها من تكاثر الأزمات في عهد الرئيس جايير مسياس بولسونارو، وهو ضابط سابق في الجيش وسياسي يميني متطرف، ولا يتردد في إعلان تأييده للديكتاتورية العسكرية، ويؤيد الحيازة الخاصة للسلاح، لكن سياسته الرأسمالية اليمينية لم تحرك الاقتصاد البرازيلي الذي يمتلك قدرات ومصادر طبيعية هائلة. عودة تيار إيفو موراليس إلى سدة الرئاسة في بوليفيا، يؤكد استمرار تأرجح القارة اللاتينية بين تياري اليمين واليسار. لقد شنت حملة واسعة ضد موراليس بعد فوزه في انتخابات السنة الماضية، واتهامه بالتزوير، ما اضطره إلى الاستقالة ومغادرة البلاد. فوز لويس آرسي أحد أقطاب تيار موراليس اليساري، يعبر في حد ذاته عما تعيشه أميركا اللاتينية عن مخاض سياسي مزمن يلد قديماً من قديم. لقد حكم موراليس بوليفيا من سنة 2006 إلى 2019، واعتبر زعيم اليسار في أميركا اللاتينية بعد رحيل هوغو شافيز الرئيس السابق لفنزويلا، وكذلك رحيل فيديل كاسترو زعيم كوبا السابق. لقد أُرغم موراليس على الاستقالة بضغوط داخلية وخارجية، وظن الكثيرون أنه آخر رئيس يساري لبوليفيا وانتظروا وصول شخصية يمينية إلى رئاسة البلاد مثلما حدث في البرازيل.
في الانتخابات الأخيرة، اتخذت إجراءات غير مسبوقة لمراقبة الانتخابات الرئاسية للحيلولة دون أي تلاعب أو تزوير، فجرى حشد من المراقبين الدوليين للانتخابات، وتم تجديد كامل لأعضاء المحكمة العليا للانتخابات لضمان نزاهتها وشفافيتها، وأوفدت كل من منظمة الدول الأميركية والاتحاد الأوروبي واتحاد المنظمات الانتخابية الأميركية و«مؤسسة كارتر» مراقبين لمتابعة الانتخابات الرئاسية، وبهذا فإن شبهة التزوير هذه المرة لن يكون لها مكان.
ما جرى في بوليفيا، هو تعبير حقيقي عما تعيشه القارة اللاتينية التي يجمعها الكثير، ولكنه يفرقها في الوقت ذاته.
البحث عن طريق للخروج مما تعانيه من بطالة وفقر وتخلف وجريمة منظمة وهيمنة خارجية، لكن كلا الطرفين اليمين واليسار لم تقد سياستهما إلى باب الحلم المنشود.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا اللاتينية بين أمواج اليمين واليسار أميركا اللاتينية بين أمواج اليمين واليسار



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon