توقيت القاهرة المحلي 19:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تركيا تحرك حبّات مسبحتها القديمة ــ الجديدة

  مصر اليوم -

تركيا تحرك حبّات مسبحتها القديمة ــ الجديدة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

صباح غدٍ (الأحد)، يندفع الشعب التركي إلى صناديق الاقتراع، ليضع فيها أوراق زمن جديد، بغض النظر عمن سيربح أو يخسر في هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي حكم تركيا لعقدين من الزمن، لم يكن مجرد رجل حكم دولة لها جذور غاصت في التاريخ على مدى قرون، وتشابكت واشتبكت مع أوروبا على الأرض والتاريخ، بل كان إردوغان علامة عابرة للمكان والزمان. عاش أكثر من عصر على المستوى الشخصي والسياسي والوطني والإقليمي والدولي. حقق نقلة اقتصادية هائلة لبلاده، وجعلها من النمور الاقتصادية في زمن قياسي. عاش تجربة السجن، وعانى من الحاجة، ولعب كرة القدم، وعانق الدين الإسلامي عقيدة وتراثاً وسياسة. خاض صراعات داخلية وإقليمية ودولية. اشتبك مع الحلفاء، وعانق الأعداء، وغاص في مياه متدافعة إقليمياً ودولياً. خاصم حليفه وصديقه عبد الله غول، وصارع رفيقه القديم الشيخ غولن. محاولة الانقلاب التي كادت أن تسقطه سنة 2016، وتمكّنه من إحباطها في مشهد درامي، أضافت إليه رمزية منحته غلالة أسطرة شبه صوفية.

غداً يشتبك رجب طيب إردوغان مع نفسه، في مشهد سياسي فيه حمولة ثقيلة. ما حققه في الداخل من منجزات اقتصادية كبيرة، تطوف حولها ظلال من الأسئلة السياسية والاجتماعية والسياسية وحتى القانونية. لقد تمكن بمهارة لعيب كرة القدم السياسية، من تعديل النظام السياسي التركي. نقله من البرلماني إلى الرئاسي في هجمة مرتدة، صفق لها مريدوه وهم كثر. خاض معركة ساخنة مع حليفه الأطلسي، ومع شركائه الأوروبيين الذين رفضوا أن يفتحوا له باب الدخول إلى محفلهم الاقتصادي، وكرر صرخاته ضد إسرائيل من دون أن يغلق أبواب سفارته في عاصمتها. أما علاقته مع روسيا، فقد كان هو فيها فرقة أوبرا كاملة الآلات والأصوات. حصل منها على صواريخ استراتيجية متقدمة؛ ما أغضب رفاقه بحلف «الناتو»، واستثمر حرب روسيا في أوكرانيا، لكنه لم يؤيدها ويدعمها بتقنية سلاحه المتطور. اصطدم بقوة مع مصر، وفتح أبواب تركيا على مصاريعها لـ«الإخوان» المسلمين المصريين، لكنه عاد بضربة ركنية، إلى القاهرة بمبادرة لم تنقصها برغماتية المتصوفين السياسيين. في الدول الآسيوية الإسلامية المجاورة لتركيا، كان إردوغان يرتدى عمامة الشيخ، وطربوش التاجر الذي يحمل في يده مسبحة من الخشب اللامع. ولم يغب عن ليبيا الملتهبة بالمال والسلاح والوعد والوعيد.

إردوغان حلُم بإقامة مجال حيوي تركي عابر للقارات، فعبَر بقوة إلى القارة الأفريقية، حيث المعركة العالمية، بجبهاتها الاقتصادية والدينية وبقايا وميض زمن لا يرحل.

تلك حمولة بالغة الثقل، هل ستكون لإردوغان أم عليه غداً؟

غريمه السياسي ليس شخصاً واحداً، بل هو تكتل من مستطيل، تجمّع حول طاولة فوقها ورقة واحدة، كُتبت عليها عبارة قصيرة، معاً لإسقاط إردوغان. كمال كليتشدار أوغلو، يقود معركة سياسية ضد شخص واحد مسلح بمسبحة طويلة، شاهدها جامع آيا صوفيا، وخيطها، مغزول باستدارة زمن تركي إمبراطوري له جذور في أحلام وعقول عابرة للمكان والزمان. فبماذا ستنطق شفاه صناديق الاقتراع غداً؟

لقد تدفقت مياه غزيرة في نهر السنوات التركية. أكثر من أربعة ملايين ناخب شاب سيشاركون للمرة الأولى في التدافع أمام الصناديق الانتخابية، وهؤلاء لا يشدهم ما مضى، وإنما تموج عقولهم بوهج آتٍ يحلمون به. ضربات الزلزال التي هزّت أجزاء من تركيا مطلع هذا العام، قد تخطف حبات من مسبحة إردوغان القديمة. الحديث عن التقصير والفساد لا يغيب عن مهرجانات تحالف المعارضة، موظِّفين الزلزال سياسياً في معركة لها وطيس يشعله حطب اقتصادي وسياسي وعقائدي وحتى عسكري.

تحالف الطاولة السياسي، يرفع شعارات ويعِد بتغييرات، تلامس أحلام قطاع كبير من الناخبين. يقولون إن إردوغان قام بانقلاب دستوري لمصلحته عندما غيّر النظام السياسي في الدولة من البرلماني إلى الرئاسي من أجل الانفراد بالسلطة. يعدون جمهورهم بترحيل اللاجئين وتحديداً السوريين، وتفعيل التحالف مع الغرب ومع الولايات المتحدة خصوصاً. في مواجهة تدني قيمة الليرة وغلاء المعيشة. وعدت قوى المعارضة برفع الرواتب إلى الضعف، ومنح المصرف المركزي التركي استقلالية تامة عن الحكومة، ووضع برنامجاً جديداً لتشجيع الاستثمار الخارجي في جميع المجالات.

الخطابات الدعائية الانتخابية، هي الصوت المماثل لبرنامج ما يطلبه المستمعون في الإذاعات. كل سياسي يصرخ بأعلى صوته متوجهاً للناخبين في مهرجاناته، مخاطباً أحلامهم وأمانيهم، متجنباً الاقتراب من المربعات الساخنة. الوجود العسكري التركي المباشر أو غير المباشر، خارج الأراضي التركية، لم يكن له الحضور البارز في السرديات الخطابية لغرماء إردوغان. تركيا لها قوات كبيرة داخل الأراضي السورية، وتخوض حرباً في الأراضي العراقية ضد من تقول إنهم قوة معادية لها، ولها وجود عسكري في داخل ليبيا، ولا تغيب أمنياً وعسكرياً عن دول (الستانات) الآسيوية المجاورة لها، فماذا ستفعل القوى المعارضة لإردوغان بخصوص ذلك كله في حالة فوزها؟ لقد صنع إردوغان تركيا الجديدة، وفقاً لرؤيته هو الفردية الشخصية، التي لم يغب عنها السلطان محمد الفاتح ومصطفى كمال أتاتورك، مع إعادة إنتاج مزيد ومنقح. نجح بقوة في إبعاد الجيش عن القرار السياسي، ومن دون شك لم يغب عنه مصير عدنان مندريس الذي علّقه قادة الجيش على حبل المشنقة.

تركيا اليوم بها ظاهر وباطن في كل شيء، شِفرات أبدعها لاعب كرة قدم في ميدان لونه مثل لون علم تركيا الأحمر، به هلال ونجمة وسط بساط يرفرف.

في كل انتخابات رئاسية، هناك مريدون وهناك مؤيدون ومعارضون. المريدون يصوّتون لشخص يرون فيه الرمز الوطني القادر على ما لم يقدر عليه الأوائل، ولن يقدر عليه غيره، أما المؤيدون فهم، من لا يقبلون خصمه.

لا أغامر بالتنبؤ عن من سيكون الرابح أو الخاسر غدا في الانتخابات التركية، لكن أستطيع القول، إن ما سيملأ الدنيا غداً عن نتائج هذه الانتخابات، هو تركيا الإردوغانية الجديدة، برجب طيب إردوغان أو بغيره.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا تحرك حبّات مسبحتها القديمة ــ الجديدة تركيا تحرك حبّات مسبحتها القديمة ــ الجديدة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon