توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير

  مصر اليوم -

ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير

بقلم : عبد الرحمن شلقم

احذر واحسب خطواتك، قبل أن تقترب من حمى طوائف النيكروفيليا، حيث تحتشد جيوش عاشقي الجثث ومقدسيها. غبار تجمد وتجسد، وسكن في رؤوس، بَنت من الحجارة حصوناً عالية الأسوار، لتقيها نسيم الوعي وأنوار العقل والإبداع والتقدم. لا يخلو العالم على مر السنين، من بقع تجسّد التخلف والعنف. أنظمة الحكم الديكتاتورية الدموية، عبأت التاريخ والعقائد الدينية والآيديولوجيات، واستعملتها أسلحةً للتسلط على شعوبها. العدو الخارجي هو الفزَّاعة النارية التي تحول الحشود الجاهلة، كتلاً لكراهية الآخر، وتصنع منها آلات متحركة، لقتال من تسميهم أعداء الأمة المستهدفة.

الجهل قوة ضاربة، يسخّرها المسكون بتقديس الجثث، في قهر الأحياء من البشر. يصير للتجهيل معامل ومصانع، تدفع للمجتمعات غباراً كثيفاً، يعمي العيون ويحول العقول قحفاً تملأه حبات الحصى. العدو الأكبر لمقدسي النيكروفيليا، يتخندق في جسد المجتمع، ولا بد أن ينتخل رمزاً لهذا العدو من بين مكونات المجتمع. النازية الهتلرية جعلت من اليهود الألمان والغجر والمعوقين، التكتل المعادي لكل أبناء الأمة الألمانية، وقدم أدولف هتلر وصفة ما أسماه الحل النهائي. إبادة هذا المكون الثلاثي جسدياً. لكن الإبادة للعدو الداخلي الرمز، قد لا تكون بالمشانق والمحارق الجماعية، وإنما بالخنق بحبال التجهيل، والإعاقة العقلية، ومسخ العدو الرمز، وتحويله قطعاً من الحجارة المتحركة.

لم أجد ما أقدم به لهذه المقالة، غير الذي كتبته في السطور السابقة، قبل الدخول في متن موضوعها. أتابع منذ وقت طويل ما تشهده أفغانستان. تلك البلاد التي سقطت في حفرة كبيرة من الهول. حروب أهلية طاحنة، وتدخلات خارجية مسلحة إقليمية ودولية. لكن الكارثة المرعبة التي ألقت بالبلاد في حفرة النيكروفيليا، هي الحرب الطويلة والشاملة على المكون الاجتماعي الأساسي وهو المرأة. تقول حكومة «طالبان»، إنها تطبّق الشريعة الإسلامية، وتأخذ بمبادئها وأحكامها. أوقفت حكومة الإمارة دراسة البنات في مستويات مختلفة من التعليم، بدايةً من التعليم الجامعي. وكذلك تقييد التعليم ما قبل الجامعي بالنسبة للبنات؛ بحجة مراجعة المناهج الدراسية، وتماشيها مع الشريعة الإسلامية. القيود على المرأة تلاحقها في كل مسارات حياتها. فلا يحق لها العمل، فجسمها وصوتها وصورتها عورات. لا مكان لها في وسائل الإعلام. ولا يحق لها مغادرة بيتها، إلا برفقة مَحرَم. الشعب الأفغاني المغلوب على أمره، لا يمكن له الكلام، والتعبير عن رفضه لجرِّه إلى حفر البؤس، الممتلئة بجثث أوهام التقاليد، الموروثة عن زمن سحيق. المأساة، أن تلك الحفر، تُغطى بلحاف الشريعة الإسلامية. أي شريعة إسلامية تدعو إلى تدمير المجتمع بمعول التجهيل. المرأة هي الأم التي تلد وتربيّ وتعتني بكل أفراد العائلة. فهي كما قال الشاعر حافظ إبراهيم:

الأم مدرسةُ إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراقِ

التجهيل المتعمد للمرأة، والتضييق عليها في مسارات الحياة، يعنيان إلقاء كل المجتمع في حفرة الظلام. رفع المجتمع الدولي عبر منظماته المعنية بالعلم والثقافة، وقبله الدوائر الإسلامية ذات العلاقة، صوت التنبيه لحكومة الإمارة الأفغانية، لخطورة التوجه المتشدد نحو المرأة الأفغانية، وآثاره الخطيرة على مستقبل أفغانستان. يحدث هذا في بلد إسلامي، كان له دور بارز في التعليم والثقافة. قبل الانقلابات العسكرية وتوغل التطرف والعنف، كانت أفغانستان في العهد الملكي، بلد الفن والأدب والمهرجانات الإقليمية والدولية ومسابقات ملكات الجمال، وتمتعت المرأة الأفغانية بالحرية والتعليم، وساهمت بفاعلية في جميع مجالات الحياة. ما يدعو للاستغراب بل إلى الحيرة، أنه في الوقت ذاته الذي وصلت فيه المرأة في بعض البلدان الإسلامية، إلى مناصب رئاسة الحكومات، مثل باكستان وتونس وبنغلاديش، وهناك اليوم في كثير من الدول العربية، وزيرات وسفيرات وسيدات أعمال بارزات، نُصدم بمعاناة المرأة المسلمة المغلوبة على أمرها في أفغانستان. صارت المرأة في هذه البلاد، ممنوعة من الاقتراب من العصر الذي نعيشه، وأن تصوره، أو حتى تتصوره، ويحظر عليها بالتالي التفكير في ممارسة حقها في الوجود والحياة. الجهل لا يجعل من المرأة وحدها عورة، بل يحيل الحياة كلها عورة، يجب إلقاؤها في حفرة العدم. لقد حصلت 63 امرأة في العالم، على جائزة نوبل في مجالات مختلفة من العلوم. ولعبت سيدات في أقطار مختلفة من العالم، أدواراً تاريخية مهمة مثل أنديرا غاندي، وأنغيلا ميركل، ومارغريت ثاتشر وغيرهن. في أيامنا هذه تشهد الولايات المتحدة الأميركية، معركتها الكبرى في السباق نحو البيت الأبيض. أحد طرفَي هذه المعركة السيدة كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن. إذا فازت في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، فستكون هي السيدة الأولى التي تترأس الولايات المتحدة الأميركية، وستكون تحت إمرتها الأسلحة النووية، وأقوى جيوش العالم، وأكبر اقتصاد فيه. شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي لا يغادر الزمن، ويبقى حادياً له على مر السنين. أليس هو القائل:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon