توقيت القاهرة المحلي 11:16:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أية حقيقة؟

  مصر اليوم -

أية حقيقة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الحقيقة تلك الضالة التي ركضت خلفها العقولُ على مدى وجودِ الإنسان في هذا الكون. العلماء والباحثون والمفكرون والفلاسفة والأدباء، كلٌ قضى عمرَه بين الكتب، والمختبرات والمعامل، من أجل الوصول أو الاقتراب من إجابة عن أسئلة، نمت في عقله، حول أسئلة فكرية أو علمية.

المفكر والروائي والفيلسوف الإيطالي أومبيرتو إيكو، أحد الذين قضوا أعمارهم يجوبون طيات الزمن، وخطوات الإنسان الطويلة، بحثاً عن الحقيقة.

صدر مؤخراً كتاب باللغة الإيطالية بعنوان، «أية حقيقة؟» ضمَّ محاضرات ومقالات ونقاشات وندوات للمفكر الروائي أومبيرتو إيكو. الكتاب في 168 صفحة من الحجم المتوسط، لكنَّه يحتوي على عصارة مركزة، لفكر الرجل الذي يعدّ من رموز القرنين العشرين والحادي والعشرين، في الأدب والفلسفة والتعليم.

وُلد إيكو في مدينة ألكساندريا بشمال إيطاليا سنة 1932، في عائلة كبيرة. درس بكلية الآداب، وتخصص في فكر وفلسفة توما الإكويني، الذي يعدّ من كبار اللاهوتيين والفلاسفة في الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، ورفعته الكنيسة إلى درجة القديس. درس الفلسفة اليونانية، وكذلك الدين والفلسفة الإسلامية عبر فكر ابن رشد. في تلك العصور ربطت الكنيسة الفلسفة بالهرطقة، وتعرّض الإكويني للملاحقة. اهتم أومبيرتو إيكو مبكراً بفلسفة الجمال في العصور الوسطى، على الرغم من أنها لم تحمل هذا العنوان آنذاك، لكنه وجدها في فكر الإكويني، وكانت أطروحته للدكتوراه عن توما الإكويني. انطلق إيكو في رحلته الطويلة وراء الحقيقة. اهتم بالسيميائية ودرسها وعلمها، وأضاف الكثير إلى مفهوم الهيرمونيطيقا، أو ما يمكن أن يطلق عليه التأويل. كتب الكثير عمَّا سمَّاه النص المفتوح، أي أن يكون القارئ شريكاً في النص المكتوب.

كتب إيكو الرواية، ونشر مؤلفات في الفكر والفلسفة، وكتب المقالات الصحافية، وقدم برامجَ في التلفزيون الإيطالي، وخاض الكثير من المعارك السياسية عبر وسائل الإعلام المختلفة.

في كل تلك الأعمال، كان سؤال الحقيقة، هو الحاضر دائماً.

روايته التي عبرت الآفاق، وتُرجمت إلى عشرات اللغات، وباعت ملايين النسخ في مختلف أنحاء العالم «اسم الوردة»، كانت الرحلة الطويلة في كهوف الزمن، وفي تضاريس العقول، والصراع البشري الممتد بلا حدود.

كتب إيكو، كل الأشياء تندثر، ولا يبقى منها إلا الأسماء. تلك الرواية التي جرى تحويلها فيلماً، تحركت في دوائر العصور الوسطى، مكتوبة بلغته. عجّت بالطلاسم والجرائم والغرائب، والحضور البوليسي، ولم تغب عن صفحاتها أنفاس السخرية. تحاور الديني مع الدنيوي في الدير الكاثوليكي الذي يعج بالغموض والصراع. الحقيقة كانت الميدان السري الغامض، الذي تدور فيه وحوله معركة، سلاحها الطمع والطموح.

في روايته التي حملت عنوان «العدد الصفر» اقترب إيكو إلى الأسلوب المباشر إلى حد كبير. العدد الصفر، هو النسخة التجريبية من الصحيفة، قبل صدورها، وعلى صفحاته تنشر أخبار عن أحداث لم تقع، وهنا تغيب الحقيقة، بفعل فاعل ومع سبق الإصرار. رواية أخرى لأومبيرتو إيكو «مقبرة براغ»، أطلق فيها العنان للخيال السياسي، وحشد فيها أحداثاً تاريخية، وبها اصطفاف لا يخلو من العنصرية والأحكام الضبابية. التجسس وبروتوكولات حكماء صهيون والخيانة والسامية. صارت الحقيقة قشة في غرفة مظلمة. بعد ذلك تطرف إيكو في الانحياز لإسرائيل والدفاع عنها بالقلم والصوت. هل كان ذلك تكفيراً عمَّا ساقه في روايته، «مقبرة براغ». زميله في الدراسة، وصديقه جاني إديتمو، كان من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية، وواجه إيكو في أكثر من مناظرة على وسائل الإعلام، ووضعه في موقف شديد الإحراج. قد تكون الحقيقة أحياناً، التي قضى إيكو عمره راكضاً خلفها، عصارة لزجة مراوغة، تفرّ من اليدين واللسان. في روايته «بندول فوكو»، يصب إيكو في الرواية، بأسلوب متحرك، رؤيته الفلسفية في المعرفة، التي تعبّر عن عدم الاكتمال في أي شيء. يتحرك البندول دون أن يصل إلى نهاية ما. إذ لا شيء يكتمل.

في كتاب «أية حقيقة؟» Quale Verita، يتحدث إيكو عن الكذب والتعالي، وفن إخفاء الحقيقة. في بعض وسائل الإعلام، وفي الخطابات التي يلقيها السياسيون، تسيطر الفاشية النفسية، ويصب التخويف والبطولة والحروب، في آنية الكلام والحروف، وتستحضر عقيدة ماني التي تضع النور في مواجهة الظلام، أي الخير في مواجهة الشر. تلعب الآيديولوجيا بالحقيقة، حيث تصبح الكلمات أقوى من الوقائع. استحضر إيكو دراسة الأستاذ الروسي فلاديمير بروب عن البنية الشكلية للحكايات الخرافية، واقترح صياغة بنية شكلية للكذب. وقف عند ما صدر عن بعض الزعماء السياسيين في العالم، مثل الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، في قضية ووترغيت، وما صدر عن رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكوني في كثير من المواقف، وغيرهما. وتحدث عن السرقات الأدبية، وعما سمَّاه حروب الإنترنت على الحقيقة.

حصل أومبيرتو إيكو، على أربعين شهادة دكتوراه فخرية، وباعت روايته «اسم الوردة» أكثر من أربعين مليون نسخة. ضمت مكتبته خمسين ألف كتاب. قال في آخر أيام حياته، لم أقرأ ولم أتعلم شيئاً.

سئل أحد أصدقائه: لماذا لم يحصل إيكو على جائزة نوبل للآداب؟ أجاب: ربما كان يستحق جائزة أعلى منها. هل كان يقصد جائزة «الحقيقة»؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أية حقيقة أية حقيقة



GMT 08:24 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

بري رجلُ السَّاعة

GMT 08:22 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير السامي

GMT 08:17 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان أبقى من كل هؤلاء

GMT 08:15 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حرب العلاقات العامة!

GMT 08:12 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مناظرة حضارية... وهدوء العاصفة الانتخابية

GMT 08:10 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

GMT 08:06 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حرب من نوع خاص

GMT 08:04 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رغم أنف الإعلام

جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:19 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي تعلن رأيها في الألقاب الفنية
  مصر اليوم - منة شلبي تعلن رأيها في الألقاب الفنية

GMT 11:21 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف
  مصر اليوم - الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف

GMT 12:39 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

بيكر يختار ليفربول بعد مستوى متميز مع روما

GMT 18:09 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

المصري النني يثير جدلا بسبب العلم الإسرائيلي

GMT 01:53 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تراجع أسعار الذهب في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 03:36 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

طريقة سهلة لتحضير الفطير باللحم الحار

GMT 20:17 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يخطر المقاصة بلعب مباراة بيراميدز بدون جمهور

GMT 10:01 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بروك شيلدز تُظهر تميُّزها خلال احتفالية "سيني بسترو"

GMT 03:02 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور مجدي بدران يكشف أسرار معتقدات خاطئة عن نزلات البرد

GMT 22:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الفنان الأردني ماجد الزواهرة بسبب أزمة قلبية مفاجئة

GMT 04:36 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

"قبلة" تنهي حياة مولودة جديدة و"تأكل رئتيها ودماغها"

GMT 10:57 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

سعر ومواصفات رينو كابتشر S-Edition في فرنسا

GMT 07:42 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

قائمة بمستحضرات تجميل تجنبي استخدامها يوميًا

GMT 16:08 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

ممفيس ديباي يتلقى ضربتين موجعتين في فرنسا

GMT 08:59 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

فتاة تروى تفاصيل قصتها مع الزواج العرفي

GMT 21:05 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة والد زوجة الفنان هاني رمزي الثلاثاء

GMT 03:59 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

ارتفاع أسعار الذهب الأسواق المصرية الأربعاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon