توقيت القاهرة المحلي 08:22:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية

  مصر اليوم -

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية

بقلم : عبد الرحمن شلقم

غادرنا ليلة البارحة قامة خاصة، لها مقاسها الإنساني والسياسي الذي لا يضاهيه فيه إلا قلة من أهل زماننا. جان عبيد الذي اجتمعت فيه لبنان بكل أطيافها السياسية والثقافية وامتدادها العربي التاريخي المتوسطي والعالمي. جمعتنا قربى الأبجدية على مائدة اجتماعات وزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية. ليبيا ولبنان الأبجدية، أضاف لهما جان عبيد قربى من نوع آخر. هو وزير جمعت بيني وبينه خيوط من الحروف التي نسجها أبو الطيب المتنبي، الذي يعيش في عقل الوزير عبيد وقلبه ولا يغيب عن لسانه. قبل أن ندخل إلى قاعة الاجتماع بالجامعة العربية، ندخل إلى مكتب الأمين العام ونجلس في صالونه، حيث يتبادل الوزراء أحاديثَ ودية، ويحرص الراحل أن يجلس بجانبي نتحدث في الأدب والتاريخ وحول آخر ما صدر من الإبداع العربي. بالطبع لا تغيب الهموم السياسية العربية، وهي لا تتناقص، بل تزداد تعقيداً واتساعاً كل يوم. جان عبيد له ترمومتر الزمان الذي لا يطاله التقادم. يرى كل ما يدور بعين عربية، ويلامسه بعقل السياسي العروبي الذي يتفاعل في داخله غضب يذكيه الألم، ويقدح الأمل فيه سقط الزند الذي يلوح منه الأمل.
في كل اجتماع هناك جدول الأعمال الذي يعده المندوبون العرب بالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة، وعادة ما يتناول القضايا الراهنة ولا تغيب عنها القضية الفلسطينية وبعض المستجدات العربية والدولية. نتبادل الملاحظات والرأي مع جاري في الأبجدية الذي تجمعني معه قربى الأدب والشعر، والمتنبي الذي يحفظ الوزير جان عبيد مطولات قصائده، ولا يمل من استحضار أبيات من قصائده للتعليق على ما يقال. مثلاً علق على ما قاله أحدهم كاتباً لي على ورقة أمامه:
وكل شجاعة في المرء تُغني... ولا مثل الشجاعة في الحكيمِ... وكم من عائب قولاً صحيحاً... وآفته من الفهم السقيم... ولكن تأخذ الآذان منه... على قدرِ القرائح والعلومِ.
الزملاء وهم يلاحظوننا نتبادل الأوراق بيننا، يعتقدون أن هناك تنسيقاً وتشاوراً بين لبنان وليبيا في القضايا المطروحة، وهم لا يعلمون أن لنا فيلسوفاً شاعراً يجلس غير مرئي بيننا هو أبو الطيب المتنبي. مرة في جلسة العشاء قال أحد الزملاء الوزراء، أرى تقارباً خاصاً بين ليبيا ولبنان، قلت له، إنها صلة الرحم الأبجدية التي أذكاها شاعرنا جميعاً.
رحل رجل كان شجرة أرز لبنانية فريدة. كل غصن فيها كتاب فلسفة وديوان شعر يطوف حولها نسيمٌ عربي ملهم. عندما تُكتب القرارات أو البيانات تكون لنا وقفة نحوية على ما كتب، وكذلك الحبكة اللغوية التي تعبر عن حقيقة المضمون. اليوم فقد العربُ ضميراً ولاؤه لعروبته وعقله قوة سياسية وفكرية تمتلك رؤية لها بعد خاص، لا يفصل أبداً بين ما هو لبناني وعربي، وهو كذلك في كل شيء. القرآن الكريم حاضر وكذلك الحديث النبوي الشريف، وعن التاريخ العربي فهو الموسوعة، وفي السياسة فهو الواقعي الذي يعرف ما يريد، وماذا نستطيع أن نحققه على الأرض.
في يوم رحيله أنا أتحدث عن ما عرفته فيه بحكم المكان والمناسبات التي جمعتنا. المحفل كان دائماً سياسياً، لكن الجوار والقربى الأدبية والعربية، جعلت له في نفسي مكاناً خاصاً. اليوم والألم شاخص والحزن له حضور، لا يختلف كل من عرفه على أن الفقيد نجم لامع غاب عن سمائنا العربية. خطفته يد الوباء التي تمتد إلى البشر ولا توفر النجوم التي تلمع في سماء عربية يغشاها ظلام الكوارث، ويسيل على أرضها دمُ الاحتراب. لقد كان الراحل بيت القصيد العربي سياسياً وفكرياً وأدبياً. أجمع زملاؤه على حبه واحترامه رغم الخلافات التي لا تغيب. من مشرق البلاد العربية إلى غربها يقبلون عليه. له حواره الودي الدائم مع أمين عام الجامعة الأسبق عمرو موسى، وملاطفته التي لا يغيب عنها الشعر مع وزير خارجية المغرب الأسبق المثقف والأديب محمد بن عيسى، وأحاديثه الودية الطويلة مع صديقه الحميم الراحل سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، ومع يوسف بن علوي حكيم السياسة العمانية وزير خارجيتها الأسبق. فعلاً لقد كان جان عبيد بيت القصيد العربي سياسياً وأدبياً وفكرياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية رحيل جان عبيد بيت قصيد السياسة العربية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon