توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تونس بين رياح أفريقيا وأمواج أوروبا

  مصر اليوم -

تونس بين رياح أفريقيا وأمواج أوروبا

بقلم : عبد الرحمن شلقم

هجوم سياسي أوروبي لا يتوقف على تونس. زيارتان لوفد أوروبي إلى تونس في أيام قليلة. أورسولا فون در لاين رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، قادت وفداً ضمَّ رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس وزراء هولندا مارك روته. محور المفاوضات الدائم هو قضية الهجرة غير القانونية التي تنطلق من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، نحو أوروبا عبر تونس.

تونس دولة صغيرة المساحة، ومحدودة الإمكانات، تعاني من أزمة مالية ضاغطة منذ سنوات، وتعيش مرحلة انتقالية، فيها عدم استقرار سياسي واقتصادي. تدفق إليها مئات الآلاف من الأفارقة، يشدهم قربها من سواحل إيطاليا. أحدث هذا الحشد الضخم من اللاجئين غير القانونيين الذي تكدس في العاصمة وغيرها من المدن التونسية، أزمات مضافة إلى ما تعانيه البلاد من ضغوطات اقتصادية. تونس ليست لها حدود برية مع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. اللاجئون الأفارقة يصلون إليها عبر ليبيا والجزائر، وهدفهم هو القارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط. تونس ضحية هذه الظاهرة القديمة المتجددة، التي تزداد اتساعاً وكثافة.

الاتحاد الأوروبي بقيادة إيطاليا، يواصل ضغطه على تونس من أجل أن تكون السد المانع لوصول المهاجرين إلى دوله. صرح الرئيس التونسي مراراً بأن بلاده لن تقوم بدور الحارس لحدود دول أخرى. في الحقيقة تونس في حاجة إلى حماية حدودها، وهي ليست طرفاً في محركات الهجرة التي تعبرها نحو أوروبا. كان على أعضاء الاتحاد الأوروبي أن يتحركوا نحو دول المصدر الأفريقية، وأن يفتحوا هذا الملف مع الاتحاد الأفريقي، أما تونس فهي من أكبر المتضررين من ظاهرة الهجرة غير القانونية.

هناك جيش عالمي له منظومة مركبة ومعقدة، وراء عملية الهجرة غير القانونية التي تنطلق من أفريقيا نحو أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط. هذا الجيش العالمي يمتلك منظومة مسلحة، وعناصر بشرية لها قدرات مالية ولوجستية، من السيارات الصحراوية، والخبراء الذين يعرفون مسارب الصحراء. هذا الجيش العالمي يقوم بكل أنواع التهريب، من البضائع إلى السلاح والبشر. يتعاون مع المنظمات الإرهابية المنتشرة في بلدان الساحل والصحراء، ويوظف هشاشة أنظمتها السياسية والأمنية، لصالح حركته الواسعة. ما يقوم به الاتحاد الأوروبي مع تونس، هو عملية ابتزاز كاملة الدسم. تونس تقدمت إلى صندوق النقد الدولي بطلب قرض بقيمة ملياري دولار. لكن الصندوق ردَّ على هذا الطلب، بوضع شروط أهمها، رفع الدعم عن أغلب السلع الذي تقدمه الحكومة لمساعدة المواطنين، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، ولم يغب الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. تونس تعيش مخاضاً سياسياً واجتماعياً، منذ سنوات، وتنفيذ ما يطلبه صندوق النقد الدولي سيؤدي من دون شك إلى اضطرابات اجتماعية واسعة، تكون ارتداداتها أكبر مما يمكن أن يحققه قرض صندوق النقد الدولي. جرى الحديث عن اتفاق بين الحكومة التونسية ووفد الاتحاد الأوروبي، لكن تفاصيل ذلك الاتفاق لم تعلن، وأغلب الظن أنه كان مجرد تعبير عن نيات، سيصار إلى وضع تفاصيل عاملة له في ما بعد. جرى الحديث عن تقديم مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي لتونس بقيمة مائة مليون يورو، وتقديم قرض في حدود المليار يورو بفوائد عالية. من المنتظر أن تشهد روما غداً الأحد قمة أوروبية لمناقشة موضوع الهجرة غير القانونية، وستكون تونس من دون شك من الملفات الأساسية في هذه القمة.

الجزرات التي ترفعها أوروبا أمام تونس المرهقة اقتصادياً، لا يمكن قبولها من دون طرح أسئلة محفوفة بشكوك كثيرة. أوروبا تعرض استقبال خبرات تونسية في مجالات معينة مثل الطب والهندسة، وتعد بفتح جامعاتها لطلبة تونسيين لدراسة علوم تحتاجها تونس، على أن يعودوا لوطنهم بعد إنهاء دراستهم، وتقديم آليات ومعدات لحرس الحدود البحرية التونسية.

القوى السياسية والاجتماعية في تونس، ومعها بعض الأصوات حتى من داخل الحكومة، رفعت لاءات ثلاثاً، وهي، لا لتوطين المهاجرين في تونس، ولا لقيام تونس بدور الشرطي الحارس لحدود الاتحاد الأوروبي البحرية، ولا لقبول شروط صندوق النقد الدولي مقابل القرض.

مدينة صفاقص التونسية، وهي المدينة الأكبر في البلاد بعد العاصمة، شهدت صداماً واسعاً بين المواطنين والمهاجرين غير القانونيين، بعد حادثة مقتل مواطن، وكادت تلك الحادثة أن تؤدي إلى صدام دموي واسع لولا تدخل مباشر من طرف الأمن التونسي. وجود قرابة سبعمائة ألف مهاجر في بلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، يشكل لغماً قابلاً للانفجار في أي وقت. تسهر الحكومة التونسية على تفكيك هذا اللغم البشري الكبير، ولكن بمقاربات لا تصل إلى ما في بطن ذلك اللغم. قامت الحكومة التونسية بنقل عدد من المهاجرين إلى الحدود الليبية والجزائرية مع تونس، وجمعتهم في معسكرات بالصحراء، لكن هذا العمل هو مجرد تعبير عن ضيق أو لنقل غضب، لكنه لا يتحرك في مسار حل حقيقي.

الهجرة غير القانونية، لها آلاف الضحايا يومياً. يموت الكثير منهم أثناء رحلتهم من بلدانهم نحو شمال أفريقيا، ويغرق آلاف آخرون في البحر الأبيض المتوسط. تونس هي إحدى ضحايا هذه الهجرة، وليست من المحركين لها. الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من تعقيدات هذه الظاهرة، وبخاصة إيطاليا، عليه أن يتحرك نحو المنبع، وهو الدول التي يندفع مواطنوها نحو تونس وغيرها من بلدان شمال أفريقيا. ليبيا تعاني أيضاً من خطورة كثافة المهاجرين غير القانونيين على أراضيها، ومن الصعب قراءة ماذا سيحدث في المستقبل القريب. في عام 2000 شهدت ليبيا صداماً دموياً بين مهاجرين أفارقة ومواطنين ليبيين، وسقط فيه قتلى، وجرى اعتقال أكثر من ثلاثمائة شخص. عندما يعاني المهاجر من الجوع، لا يتردد عن الدخول في مستنقعات الجريمة، وفي ذات الوقت يكون أداة للإيجار، يستعملها المغامرون المسلحون.

هجرة الأفارقة الهاربين من اليأس والجوع والعنف لن تتوقف، وحلّها ليس بيد تونس أو غيرها من دول شمال أفريقيا. الحل بيد دول الاتحاد الأوروبي التي تمتلك قدرات مالية وعسكرية وأمنية هائلة. دولها هي مقصد الهاربين من مآسيهم، وهي المحطة التي تهفو إليها أحلامهم المغامرة. قمة الغد الأوروبية في روما، عليها أن تؤسس لمعالجة عملية لهذه المأساة الإنسانية العابرة للقارتين الأفريقية والأوروبية، وبرنامج تنمية شامل في دول المصدر الأفريقي، ومشاريع تنمية واسعة طويلة المدى، ومحاربة الفساد ومساعدة دول المصدر على إقامة منظومات تعليم حديثة، ومواجهة الإرهاب، ودعم الحوكمة وسيادة القانون، ووقف استغلال ثروات القارة من طرف الشركات العالمية. تجسيد الحلم على أرض القارة، هو وحده الدواء العملي لهذه المأساة الإنسانية الكبيرة المستمرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس بين رياح أفريقيا وأمواج أوروبا تونس بين رياح أفريقيا وأمواج أوروبا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon