توقيت القاهرة المحلي 11:55:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نتنياهو في متاهة روما

  مصر اليوم -

نتنياهو في متاهة روما

بقلم : عبد الرحمن شلقم

زار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، العاصمة الإيطالية روما، يوم الجمعة الماضي، حاملاً معه عروضاً ومطالب للحكومة الإيطالية، وبرنامجاً واسعاً في مجال التعاون الاقتصادي والتقني. لكن العرض الكبير كان استعداد إسرائيل لتزويد إيطاليا بكميات ضخمة من الغاز. إيطاليا تعيش زمناً من القلق الاقتصادي، جراء ما عانته في المدة الماضية، مثل بقية شريكاتها الأوروبية، من نقص في النفط والغاز، بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. رافق نتنياهو عددٌ كبيرٌ من رجال الأعمال بهدف تطوير واسع للعلاقات الاقتصادية بين إيطاليا وإسرائيل. الهدف «الحلم» من زيارته كان إقناع الحكومة الإيطالية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لماذا إيطاليا؟ كان هدف نتنياهو أن تكون روما بوابة للدخول في مسار اعتراف أوروبي بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية. روما أرض الفاتيكان وهي قلب المذهب الكاثوليكي. لقد رفع بابا الفاتيكان منذ سنوات، من على شرفة ساحة سان بيترو، الثقل الديني والتاريخي الذي حمله اليهود على ظهورهم على مدى قرون، عندما برأهم من دم المسيح عيسى بن مريم. كانت تلك التهمة بقعة ساخنة تركت مشاعر وحساسية بين اليهود والمسيحيين الكاثوليك.

نتنياهو سبقته قبل وصوله إلى روما هزَّة سياسية، فقد وصلت طائرته إلى مطار روما، بعد ساعات من الموعد المحدد لها، بسبب المظاهرات التي حاصرت مطار بن غورين احتجاجاً على مشروع الحكومة الإسرائيلية بإدخال تغييرات على المنظومة القضائية الإسرائيلية.
مطلبه (اعتراف حكومة إيطاليا بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية) سبّب انقساماً داخل الحكومة الإيطالية. مجلس الوزراء رفض ذلك، وكذلك وزارة الخارجية. فالقدس الشرقية تعتبرها الحكومة الإيطالية أرضاً محتلة، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، تعتبر القدس أرضاً محتلة، حسب قرارات الأمم المتحدة. القدس الشرقية هي مدينة المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولها معنى مقدس في عاصمة الفاتيكان. الوزير الوحيد الذي أعلن عن دعمه للمطلب الإسرائيلي كان ماركو سالفيني، زعيم رابطة الشمال، والوزير في الحكومة الائتلافية المثلثة، سيلفيو برلسكوني. زعيم حزب «فورزا إيطاليا» اصطف مع جورجيا ميلوني، رئيسة الحكومة وزعيمة حزب «إخوان إيطاليا»، ورفض مطلب نتنياهو، الذي قدّم طلبه متسلحاً بوجود غبار فاشي على كتف رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي يقال إن لها ميراثاً فاشياً سياسياً عائلياً. إيطاليا في أواخر الحقبة الفاشية، وبعد تحالف موسوليني مع هتلر، أصدرت القانون العرقي الذي لاحق الجالية اليهودية في إيطاليا وليبيا التي كانت تحت الاستعمار الإيطالي الفاشي. لقد فعلت ألمانيا ما بعد النازية الكثير، من أجل التكفير عما ارتكبه النظام النازي ضد اليهود، وقدمت تعويضات سخية من المال والسلاح وغيرهما. نتنياهو جاء إلى روما، حيث تجلس سيدة قيل الكثير عن خيوط تربطها بالماضي الفاشي، وظن أن ذلك الخيط يمكن تحريكه وتوظيفه، من أجل الحصول على مفتاح سياسي للاتحاد الأوروبي، يفتح باب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في عدد من الدول الأوروبية. ما حدث أثار القضية الفلسطينية بقوة في وسائل الإعلام الإيطالية، وبين شرائح واسعة في الرأي العام الإيطالي. ما يعانيه الشعب الفلسطيني من قتل، وتوسيع المستوطنات، وهدم بيوت الفلسطينيين، نال مساحات واسعة في وسائل الإعلام الإيطالية. القضية الفلسطينية لاقت دعماً قوياً في إيطاليا، وخاصة بين قوى اليسار والنقابات، حتى أحزاب يمين الوسط، عبر كل السنوات الماضية. إعلان ماركو سالفيني عن دعمه للطلب الإسرائيلي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل انقلب عليه، ووصفته قوى سياسية ووسائل إعلامية بأنه مجرد تهريج شعبوي نزق. فخسر الاثنان نتنياهو وسالفيني.
اللكمة الثانية لرئيس الحكومة الإسرائيلية كانت من ذوي القربي في روما. من الجالية اليهودية. استقبله جمع من اليهود الإيطاليين، يتقدمهم الحاخام ريكاردو دي سينيي في المعبد اليهودي، وبرفقة نتنياهو زوجته سارا. بدأ نتنياهو بالحديث عن الانقسام الذي تعيشه إسرائيل، وعن المظاهرات التي لم تتوقف. لكنه ردد أن اليهود في إسرائيل سيبقون شعباً موحداً وفريداً. وقال؛ لنا ماضٍ ومستقبل واحد. وتحدت عن لقائه برجال الأعمال، وعن البرنامج النووي الإيراني المخيف لأوروبا وللعالم. وتحدث عن المشروع الإبراهيمي مع بعض الدول العربية، آملاً توسيعه في المستقبل. الصدمة كانت بصوت عالٍ، فقد تحدث أكثر من شخص بين الحاضرين عن المحاولات التي يقودها اليمين الإسرائيلي، بهدف إجراء تغييرات في المنظومة القضائية الإسرائيلية، وعن تحرك بعض القوى اليمينية لتحويل إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية، وهدد بعض الحاضرين بالقيام بمظاهرات في روما ضد جهود نتنياهو لتغيير المنظومة القضائية الإسرائيلية. نتنياهو الذي جاء إلى روما حاملاً معه حلماً بإقناع الحكومة الإيطالية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وتعبئة الجالية اليهودية في إيطاليا لتكون اللوبي السياسي والمالي، الذي يخدم أهداف إسرائيل، وجد نفسه في متاهة سياسية وإعلامية، وسط غضب من أبناء عمومته اليهود الإيطاليين. القضية الفلسطينية عادت بقوة إلى صفوف الرأي العام الإيطالي. الحديث عن سياسات إسرائيل العنصرية رافق نتنياهو، وهو يؤدي زيارة إلى إيطاليا، كان يعتقد أنه سيحقق فيها نجاحاً، يحمله معه على طائرته إلى القدس، ليقول للغاضبين من سياساته؛ ها قد جئتكم باعتراف من بلاد الفاتيكان بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكنه عاد بغبار الفشل من الحكومة الإيطالية، وبغضب من يهود روما. لا شك أن هناك قوى يمينية إيطالية تعمل بقوة مع عناصر يهودية فاعلة، من أجل الضغط على الحكومة الإيطالية لنقل سفارتها إلى القدس، وذلك ليس بالأمر السهل، لكن قدره سيبقى فوق النار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نتنياهو في متاهة روما نتنياهو في متاهة روما



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
  مصر اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
  مصر اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
  مصر اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 09:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن بداياته الفنية
  مصر اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن بداياته الفنية

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
  مصر اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد فيسبوك للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 23:09 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

بورصة دبي تغلق دون تغيير يذكر عند مستوى 2640 نقطة

GMT 21:08 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

باريس سان جيرمان يستهدف صفقة من يوفنتوس

GMT 14:28 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير المصري تدعم إستمرار ميمي عبد الرازق كمدير فني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon